العقل والقلب
محنةٌ للناس هذا الزمن .. كل إنسان به مُمتَحن
كل ما تُبصر فيه فتن .. فتن فيها تُحار الفطن
أُطلق الإنسان من أغلالِه .. سُيَّبَ الشيطان من أحبالِهِ
جُرّد العالم من أستارِه .. وانْبرى يكشفُ عن أسرارِه
وأجال الفكر في طياتِه .. ومضى يبحثُ في ذراتِه
وأحاطَ الأرضَ من أقطارِها .. ومضى يبحثُ في أغوارِها
قارعاً في ظهرها أجبالَهَا .. مُخرجاً من بطنها أثقالَها
طائراً في اللوحِ من فوق السحاب .. حيث لا يَطمعُ صقرٌ أو عقاب
طاوياً أقطارها لا يغترب .. كلما يسمو إليه يقترب
يسمع الهمس بأقصى المغرب .. من بأقصى الشرق فاسمع واعجب
ضاقت الأرضُ عليه فانتحى .. في ذُرَى الأفلاك يبغي مسرَحا
آه لو أُعْطِيَ قلباً خافقاً .. مثلما أُعطي عقلاً بارقاً
آه لو يُعمر قلباً راحماً .. مثلما يُعمر عقلاً راجماً
آه لو أعمر عيناً ساجمَة .. مثلما أعمل كفاً حاطِمة
آه لو هذبَهُ إيمانُهُ .. مثلما مكّنَهُ عرفانُهُ
آه لو سيطر في أهوائِهِ .. مثلما سيطر في أجوائِهِ
آه لو يُعْمِهِ طغيانُهُ .. فيهدَّمُ فوقه بنيانُهُ
ليته لم تُطغِهِ أعمالُهُ .. ليته لم تُعْمِهِ أموالُهُ
ليته لم تُعْشِهِ أضواؤُهُ .. وتوقر سمعه ضوضاؤُهُ
آه لو أن شعاع الكهرباء .. في ظلام الصدر منه أضاء
ويله من مارِد قد دمرَا .. ما بناه مخرباً ما عمرَا
ليته حاط الذي قد شيدَا .. بوئامٍ وسلامٍ وهدّى
ليته حاط البلاد الزاهرَة .. ليته صان الجنان الناضرَة
___
آه لكن في مهبِ العاصِفَةُ .. كل حينٍ تعتريه جائِفَة
صرصرٌ تأتي عليه لا تذَرْ .. تحطم الأغصان فيه والشجَر
يخرب البستان من قد غَرَسَا .. يهدم البنيان من قد أَسَّسَا
كل طاغٍ يدّعي البستان لَه .. يبتغي الأشجار والبنيان له
لو تآخَوْا ورضُوا بالمعدلَة .. وجنوا في غير بغي أكُلَه
لو تآخوا واهتدُوا واستثمروا .. ثم أنمى عدلهم ما دمروا
لأووا منه إلى ظلٍ ظليل .. ورأوا في زهرِهِ كل جميل
وجنوا أثمارَهُ وانتفعوا .. ونما بستانُهم فاستمتعوا
___
فتعالَوْا ننظر الداءَ العَصِيّ .. ونرى الأسباب في الداء الدَّوِي
إن هذا الشعرُ لا يحصي العلَل .. إنه يعيا بذا الأمر الجلَل
إنه لمحةُ عينٍ عابِرَة .. ليتها كف طبيب ماهِرَة
إنه نفثةُ نفسٍ شاعرَة .. ليتها كف حكيم قادِرَة
ديوان اللمعات