مستقبليات
نشأت الدراسات المستقبلية الغربية في ستينيات القرن الماضي والتي كانت متعلقة بالجيش والدفاع والقطاع العسكري، فأول دراسة حقيقية في هذا المجال صدرت عن شركة “راند” بطلب من البنتاغون. هذه الدراسات يُوصى بها في جميع وزارات الغرب الخارجية وفي الجامعات. وينبغي علينا ألا نفهم هذا الحقل وكأنه علم للتنبؤ، فالتنبؤ أعجز العلماء ودوائر البحث، ولكنه أقرب إلى ما يمكن اعتباره (علم الاستشراف). فمثلاً، لو درسنا جملة عوامل التكاثر السكاني ونسب المتخرّجين من الجامعة العاطلين عن العمل والقحط وندرة الموارد المائية، لاستطعنا القول إن حدوث قلاقل في منطقة ما أمر محتمل.
وهناك فرق بين الدراسات المستقبلية وبين التخطيط والدراسات الاستراتيجية، فالدراسات المستقبلية مبنية على رؤية عامة وإرادة لتنفيذ عمل ما، بقطع النظر عن الحواجز والمشاكل التي قد تعترض العمل، وثم العودة إلى الواقع لدراسته ودراسة الإمكانات لتنفيذ هذا العمل. كما تتطلب الدراسات المستقبلية حداً أدنى من الثقة بالنفس وبالنظام وبالأشخاص المحيطين، وهذا ما يفتقر إليه المجال البحثي في دول العالم الثالث.
دول العالم الثالث متأخرة جداً في هذا الميدان، عدا عن أن العلماء أو الأكفاء في أي ميدان علمي أو معرفي ما مهملون فيها، وليس هناك تقدير للمعارف والعلوم، لذلك تشهد هذه الدول هجرة هائلة للعقول.
كرؤية مستقبلية، نرى أن العالم يتغير وبسرعة، وأن مستقبل العلاقات الدولية لم يعد يتعلق بالمواد الخام (كالنفط)، فالشروط التي قامت عليها الشيوعية والرأسمالية انتهت، وحلت محلها القضية الثقافية والقيم الاجتماعية والحضارية، وغدت المعلومات هي المواد الخام التي تُغذي نقاط المواجهة بين الغرب والشرق.
عالم المستقبليات الفذ، د. المهدي المنجرة رحمه الله، محاضرة بتاريخ 8/1993