الدرس العقديّ الأشعريّ المعاصر بين التقليد والتجديد
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
إنّ التجديد سنّة من سنن الله الخالدة في الدنيا والدين، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد والتجديد فيهما، وإذا كان قد ترك أمر التجديد في الدنيا لأهلها وترك نتائجه وفوائده لهم “أنتم أعلم بأمور دنياكم”؛ فإنه جعل لمجددي الدين أجراً معلوماً من الحسنات، وحصانة مضمونة من السيئات، ليبادروا إليه ويقبلوا عليه ولا يتهيبونه.
وإذا كان هذا مطلوبًا في المجالات المعرفية كلها؛ فإنه في مجال الاعتقاد آكد وأَوْلى، وذلك لخطر موضوع العقيدة، وخطورة النشوز في مباحثها، وكثرة الخلاف بين المشتغلين بها، وما ينشأ عن ذلك – أحيانًا- من عجز عن الإقناع وتفسيق وتبديع يفضي إلى إخراج بعضهم لبعض من الدين.
لذا ينبغي لأهل الذكر من العقديين مواكبة علم العقيدة بالدرس والتحليل، والنقد والتقصيد، والتنخيل والتقعيد، والتقريب والتسديد، حتى يكون ملجأ الحائرين والشاكين، الباحثين عن اطمئنان قلوبهم وأفئدتهم، ولاسيما في حاضرنا هذا الذي يفرز على مدار الساعة إشكالات تحتم مواكبتها والإجابة عن إشكالاتها، بأدوات وأساليب جديدة مناسبة تجاوز المقاربات القديمة التي قد لا تفي أو على الأقل لا تكفي لشفاء عليل وغليل المشكلات الكلامية العقدية المعاصرة.
ماهية البحث وأهميته
إنّ علم العقيدة علمٌ يبحث في أمر يهب الناس الخروج فيه عن المألوف إما تكاسلاً أو تهيباً وهو الغالب، كما صرّح بذلك كثير منهم كما هو الحال مع أبي سالم العياشي الذي يحكي أنه تردد في التأليف في موضوع الخلاف العقدي قائلاً: “ولما تقّوى العزم مني على جمع هذه الرسالة، عارضني خاطر في القلب يقول: لعل الإمساك عن ذلك أولى بك، ولا تكن كمن أراد إطفاء نار فيحترق بها، فإنك لا تقدر على إرضاء الفريقين معاً ، إذ ليس ذلك من مقدور البشر، ومن أسخطته منهما حكم عليك بما حكم على صاحبه، وقد كنتُ في غنىً عن أن تُنسب إلى ضلال وبدعة أو ما فوقهما والعياذ بالله.
وقد كاد هذا الخاطر أن يصرف وجهي عما أردت، حتى ألهمني الله تعالى إلى أنّ المخاطرة بالعرض مذمومة إلا في نصرة الحق والذب عن دين الله تعالى، ولعل الله أن يحميني ويجعلني في خفارة صدق الالتجاء إليه”. وما ذلك إلا لأنه سيكتب في موضوع جديد، موضوع تدبير الاخلاف العقدي على خلاف المألوف في الدرس العقدي الأشعري في زمانه. [1]
والغريب أن هذا التهيب لا نراه في علوم الفروع كالفقه والحديث والتفسير؛ علماً أنّ علم أصول الدين أولى بهذه العناية التجديدية المتواصلة لأنها “أصل التكاليف كلها وينبوعها”،[2]وأنّ أول فتنة كانت بسبب علم الأصول لا الفروع، فـ”أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج بتحكيمهم على الله بأنه لا يكون منه من خالفهم إلا تخليدهم في النار، إذ كانوا قد كفروا من خالفهم واستحلوا دمه”.[3]
ولهذه الأهمية كان علماؤنا يصدرون كتبهم الفقهية بأبواب ومقدمات في العقيدة، كما فعل الإمام ابن عاشر في المرشد المعين والإمام يحيى القرطبي في مقدمته[4]، وابن جزيّ في قوانينه، وابن أبي زيد في رسالته وغيرهم، وعللوا ذلك بـ: “أن الأصول أهم من الفروع، ومن الحق تأخير التابع وتقديم المتبوع”.[5]
لذلك كان استمرار البحث والتأليف في الدرس العقدي ولاسيما المناحي التجديدية على غاية في الفائدة؛ لأهمية موضوع العقيدة أولاً، ولأهمية التجديد واستمراره ثانياً، ولعدم وجود ما يمنع من التجديد في العقيدة ثالثاً، ولتحصيل أجر الاجتهاد والتجديد رابعاً، ولحاجة الدرس العقدي لذلك خامساً.
إشكال البحث وأسئلته
إنّ تجديد الدرس العقديّ وبحث بواعثه وعوائقه وأسباب التقليد فيه يطرح كثيراً من الإشكالات والتساؤلات أولها عن طبيعة التجديد المراد؟ ثم ماهيته وأهميته؟ ثم طرائقه وشرائطه؟ ثم عن دواعيه وأسبابه؟ ثم سؤال الحاجة إليه وقابلية علم العقيدة له؟
هذه الأسئلة وغيرها يحتاج كل واحد منها إلى بحث وربما أبحاث ودراسات، ولكن يكفينا الآن إثارتها ومحاولة الإجابة عن أهمها وتقريب إشكالها وتبيان مراميها.
الدراسات السابقة
موضوع تجديد الدرس العقدي كما سلفت الإشارة موضوعٌ شائك، لذلك قلما تجد موضوعاً مكتملاً كُتب في الموضوع أصالة، ولكن لم يخل الموضوع من مدارسات في تجديده لاسيما في الآونة الأخيرة.[6]
وبالنطر في بعضها يظهر أنّ مِن أصحابها مَن اكتفى بالدعوة العامة إلى التجديد وضرورة التجديد وأهميته، دون أن يقدم مقترحات عملية لكيفية هذا التجديد، ومنهم من قدم نماذج من خلال مقترحات بمحاور يرونها مفيدة للموضوع دون أن يترجموا ذلك في كتابات ومؤلفات بنماذج وأمثلة تطبيقية، ومنهم من ألف وقدم مقترحات تجديدية يراها من وجهة نظره غاية في الأهمية مع أنها ليست كذلك بالضرورة، كما أن كثيراً من هذه الدراسات عبارة عن قراءة في مشاريع تجديدية قديمة ومعاصرة ناقدة ومؤيدة، وهذه نماذج بأمثلة مما سبق:
- “التجديد في دراسة علم التوحيد” للدكتور محمد بنيعيش وقد كان الكتاب مقرراً عندنا بمستوى الإجازة أيام الدراسة بكلية أصول الدين سنة 2002، ورغم دفاع المؤلف عن فكرة التجديد ولاسيما على مستوى المنهج؛ إلا أنّ الكتاب يقول عكس ذلك حيث الكتاب غلب فيه الطابع الفلسفي العرفاني والجدل المذهبيّ لاسيما في شقه الصوفيّ، مما أبعد الكتاب عن أن يكون نموذجاً للتجديد العقدي ولو في الشق المنهجي الذي أُلف من أجله.
- “التجديد في علم العقيدة” للدكتور أحمد محمد الدغشي، وهو عبارة عن مقالة خصصها للحديث عن جانب الواقعية في الدرس العقدي “التي تعني معالجة مشكلات الواقع ذات الطابع العقدي بحسب طبيعتها وملابسات ظهورها وأسباب انتشارها”، كما كان حال السلف الذين “استوعبوا هذه الحقيقة فراحوا يتداعون إلى التصدّي لمشكلات بيئاتهم العقدية، سواء تلك الخارجية القادمة من فلسفات أجنبية صريحة، أم الأفكار الداخلية التي عدّها بعضهم انحرافاً عن صحيح العقيدة” [7]، وهو عبارة عن دعوة نظرية تحتاج إلى نماذج وأمثلة تطبيقية عملية كافية.
- “دور تجديد علم الكلام في التقريب بين المذاهب الإسلامية من خلال مجلتي “رسالة الإسلام” و”رسالة التقريب” تجديد الكلام في الإمامة نموذجا“ علي بن مبارك. وهو في الواقعية العقدية أيضاً في مسألة الإمامة الذي يقتضي التجديد فيه – بنظر المؤلف – تدبير الخلاف المذهبي في المسألة وتقريب وجهات النظر فيها [8]، وهو تأليف جزئي في مثال واحد فقط من الأمثلة التي يوجد ما هو أولى بالتجديد منها على المستوى الفردي قبل الجماعي.
- “مقدمة في علم الكلام الجديد عبد الجبار الرفاعي“، وقد دعى فيها إلى ضبط مصطلحات العلم، وإعادة تعريف الدين بما يشبع الجانب الروحي والجمالي في الإنسان، مع نزعة عقلانية تروم إعادة صياغة فلسفة علم العقيدة ومراجعة مقاصده [9].
5- “تجديد علم الكلام من منظور فلسفات التأويل والعلوم الإنسانية المعاصرة” د. عبد الله السيد ولد اباه ، وهو مقال توصيفي لموقع الدراسات الكلامية ضمن الدراسات الفلسفية المعاصرة.[10] يكاد يخلوا من أي مقترحات عملية وأليات تفعيلية كافية.
وما يجمع هذ المؤلفات والأبحاث والدراسات هو طابع التعميم مع قصور في التمثيل قد ينقل الموضوع من التجديد المضبوط إلى التحريف والتبديل المغلوط، مما جعل بعضها محل نقد ونظر كما هو الحال مع الدكتور عبد القادر بطار الذي كتب في “علم الكلام ودواعي التجديد. نحو رؤية نقدية لدعاوى التجديد في علم الكلام” نقد فيه كثيراً من دعاوى التجديد التي تفتقر إلى العلمية والتأصيل. [11]
ومهما يكن، ورغم الدراسات الكثيرة والمتعددة التي لا يسع المقام ذكرها كلها؛ فإنّ الدرس العقدي عموماً والأشعري على الخصوص ما يزال بحاجة ماسة إلى إعمال النظر التجديدي، تأصيلاً، وتقريباً، ونقداً، وتقصيداً، وتقعيداً… وفق رؤية سأشير إلى بعض ملامحها في هذا المقال حسب ما يسمح به المقام – إن شاء الله – مع أنّ الأمر يتطلب أن تتصدر له المؤسسات العلمية والجامعات والمراكز بمواكبة بحثية أكبر وأشمل قد يكون هذا المقال منطلقاً لها إن شاء الله تعالى.
منهج البحث
اقتضت طبيعة البحث القيام بالنظر في جلّ مسائل علم العقيدة وتاريخ علم العقيدة، والخلاف المذهبيّ العقديّ السنيّ وبين السنة وغيرهم… ثم استقراء الدراسات التجديدية ولاسيما المعاصرة منها، ورصد تفاعل المشتغلين -ولا سيما المعاصرين – بالدرس العقدي عموماً والأشعري على وجه الخصوص مع مستجدات الواقع فكراً وفقهاً، ثم وصف تلك المخرجات وتحليلها، فكان المنهج استقرائياً وصفياً تحليلياً إن شاء الله تعالى.
خطة البحث
ينطلق البحث من مقدمة عن ماهية البحث وأهميته وإشكاله وتبيان منهجه والدراسات السابقة فيه.
ثم مبحث أول اشتمل على عوائق التجديد التي حالت وتحيل دون تجديد الدرس العقدي والإبقاء على معالم وعدم الخروج بحال عن المألوف، ثم مبحثٍ ثانٍ بمقترحات عن مداخل لتجديد الدرس العقدي أملتها مخرجات النظر في المبحث الأول. ثم خاتمة بالنتائج والمخرجات.
المبحث الأول: الدرس العقدي الأشعري المعاصر: معالم التقليد وعوائق التجديد
كان علم العقيدة مذ كانت العقيدة علماً مواكباً من حيث الموضوع للمستجدات الفكرية والتحديات العقدية التي تطرأ على عالم إيمان الناس وثقافتهم وأفكارهم، فكان علم العقيدة علم أصول الدين مهيمناً على جميع الفروع الدينية الأخرى، بما في ذلك أبواب المعاملات، والتعبدات، ومجال السياسة وغيرها، وهو ما يفسر ترقية كثير من مسائل الفروع وإدراجها ضمن الأصول مثل الإمامة والمسح على الخفين وغيرها.
كما كان من حيث اللغة ذا مصطلح عقدي معروف ومعهود عند المعتقدين أو جلّهم على الأقل، والشيء نفسه يقال عن المنهج المتبع في مقاربة الدرس العقدي.
غير أنه مع الأيام انحسر ذلك شيئاً فشيئاً نحو النخبوية والخاصة بل وخاصة الخاصة من الناس مما جعل الدرس العقدي العلم متباطئاً عن ركب المجتمع ومواكبة تحدياته ومشاكله، وإيجاد الحلول المناسبة له، كما سنرى في مطلبي هذا المبحث إن شاء الله.
المطلب الأول: معالم التقليد وعوائق التجديد اللغوية والمنهجية
من القواعد المنهجية التي عرفنا الله إياها في قرآنه أن تكون لغة الخطاب في مقدور المكلفين معرفتها وتعقلها، “إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون”، وهي قاعدة منهجية اتبعها الله تعالى مخاطبة جميع الأمم “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبن لهم”. ورغم أن عربية القرآن بينة واضحة لكن الله تعالى عللها بتعقل معنى الخطاب المظروف فيها.
إذاً فتعقل الخطاب وتحقيق مقصد البيان منه مما ينبغي استحضاره مع كل مخاطب، وهو ما يجعل من مشروعية سؤال التعقل والبيان في الدرس العقدي الأشعري المعاصر سؤالاً مشروعاً ومطلباً مستمراً يحتاج للإجابة من خلال الكتب ومصنفاته ومؤلفاته وباقي مكونات الدرس العقدي بشكل عام وخصوصاً اللغة والمنهج كما سنرى في فرعيّ هذا المطلب إن شاء الله.
الفرع الأول: العوائق اللغوية
المقصود باللغة هنا مكوناتها كلها مفردها ومركبها، الظاهر والمؤول منها، السياق العام والخاص لها، ذلك أن كثيراً من مظاهر اللغة المتبعة في الدرس العقدي الأشعري المعاصر تشكل عائقاً عقدياً أمام عموم المعتقدين، فما أن يفتح مكلف ما أي كتاب من كتب علم العقيدة أو يستمع لمحاضرة؛ إلا وتجده يسارع في الإعراض والاعتراض، والأمر غير مقتصر على عموم العقديين بل يتعداهم إلى دكاترة وأساتذة باحثين في العلوم الإنسانية بل وفي العلوم الإسلامية أيضاً، فكثيرون هم الذين يشكون وعورة كلام الدرس العقدي الأشعري المعاصر وتراكيبه التي كانت السبب في نفور وابتعاد الكثيرين من الدرس العقدي الأشعري ودراسته وتعلم مسائله بله البحث فيه، مع أن العقيدة أمية وينبغي أن تكون لغتها أمية يعقلها المكلفون ويكون في وسعهم تبين مضامينها.
صحيح أن لكل فن من الفنون وعلم من العلوم مصطلحاته وخاصيته اللغوية؛ وصحيح أن البعض لا يملكون الصبر الكافي والنفس الطويل حتى الاستئناس بلغة العلم والتمرن عليها؛ لكن صعوبة المعجم العقدي وأسلوب الدرس الأشعري المعاصر هي محل اتفاق أو تكاد بين الباحثين، مقارنة مع الدرس العقدي الحنبلي – مثلا- الذي بات يستهوي كثيراً من العوام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي ليسر عبارته ووضوح أساليبه مما يجعلها تنطلي على الكثيرين الذين تقصر هممهم عن لغة الدرس العقدي الأشعري لغة القرن الرابع والخامس الهجري في أغلبها.
الفرع الثاني: العوائق المنهجية
إن المنهج الغالب على الدرس العقدي – عموماً- في عصرنا الحاضر[12] أنه ينحو منحيين كبيرين: الأول فلسفيّ كلاميّ، والثاني ظاهريّ سطحيّ، مع تفاوت بين مستخدمي المنهجين تدويناً وكتابة.
لن أتكلم عن المنحى الثاني الذي يتسم به الدرس العقدي الحنبلي في الغالب، وإنما يهمنا هنا ما يغلب في أحايين كثيرة على الدرس العقدي الأشعري من المنحى الكلامي مع التفاوت بين أهله الذين منهم المقتصد في ذلك ومنهم المغرق ومنهم دون ذلك، وهم وإن كانوا كلهم على هدى إن شاء الله تعالى فيما يرجع لخاصة أنفسهم وفئة من المختصين المشتغلين بالدرس العقدي الأشعري المعاصر معهم، إلا أنّ الأمر ليس كذلك بالنسبة لعموم العقديين الذين من الأشاعرة والماتريدية الذين ورثوا منهجاً أملته سياقاته الزمكانية التي كان لا بد فيها من التدافع الكلامي واتباع المنهج الكلامي السائد في الدرس العقدي حينها الملبي للحاجيات المجيب عن التحديات آنذاك حيث كان الناس قبل ظهور المذاهب الكلامية يقدمون الدرس العقدي بأسلوب خطابي[13].
غير أن تلك السياقات لحقتها متغيرات في الزمان والمكان أدخلت كثيراً من جوانب الكلام العقدي في دائرة التاريخانية أو الفئوية النخبوية في أحسن الأحوال،[14] وهو ما يقتضي ضرورة التنويع في أساليب ومناهج مقاربة الدرس العقدي الأشعري في زماننا يستطاع به الوصول لعموم العقديين حتى يصبح فقه العقيدة فقهاً عاماً لا خاصاً لاسيما فيما لا يعذر أحد بجهله مما يجب في حق الله تعالى وأنبيائه ورسله.
إن اعتماد المنهج الكلامي كمنهج وحيد في الدرس العقدي الأشعري المعاصر لا يجعل من علم العقيدة علماً صعباً دون تحصيله السنون والأعوام فحسب، وإنما يفوت تحقيق المقاصد العقدية التي أرادها الله تعالى من عباده المؤمنين كمعرفة الله تعالى التي هي أسمى المقاصد وأجلها وأولها.[15]
فهذه المعرفة -مثلاً- أساليب الوصول إليها في القرآن والسنة كثيرة ومتنوعة، فتكون بالنظر في الكون وبغيرها، وبذلك كان المنهج القرآني بيناً واضحاً في التعبير عن سبل تحصيلها وفي متناول كل العقديين علماء وأميين، إذ يكفي في معرفة الله تعالى ما عرف الله به نفسه من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العلى وما عرفه به رسله وأنبياؤه من تلك الأسماء والصفات دون حاجة لا لمقدمات منطقية ولا للجزء الذي لا يتجزأ ولا لغيره من الأساليب التي تصلح للخاصة بل وخاصة الخاصة في زماننا.
وكذلك الشأن مع المقصد العقدي الثاني في الدرس العقدي المتعلق بالإيمان الذي يكفي المعتقد فيه أن يصدق بالله ورسله وبباقي أركان الإيمان التي سيقرأها في حديث جبريل، بينما إذا قرأ عن موضوع الإيمان في الدرس العقدي الأشعري فسيجد نفسه أمام كم من المتنافرات التي تشترط عليه أحياناً النظر، وأحياناً القصد لذلك، وتحذره من التقليد الذي قد يخرجه من الإيمان إن دخل فيه، ثم توزع تصرفاته بين كونها شرطاً في الإيمان أم شطراً له.. إلى آخر ما هناك من مباحث لا يقوى عليها إلا المختصون. [16]
طبعاً الكلام هنا ليس في التقليل من هذه المباحث ولا ندعو لإلغائها، وإنما الذي نقوله إن هذه معرفة أكاديمية لا ينبغي أن يطبع الدرس العقدي الأشعري المعاصر كله بها، لذلك كان لزاماً علينا إن أردنا للدرس العقدي الأشعري المعاصر الاستمرار في حضوره والقيام بمهامه تنويع مناهجه وأساليبه، وإلا فسيبقى العلم تاريخياً نخبوياً ذو تأثير محدود في واقع العقديين المعاصرين، فالمنهج الكلامي في الدرس العقدي نافع في معرفة الكتب التاريخية، وصالح لفئة متقدمة من الفئات التعليمية، ولكنه عائق من العوائق التي تحول بين معرفة العوام للعقيدة وتوظيفها في إيمانهم ومواجهة التحديات الاجتماعية التي تواجههم، الأمر الذي يستدعي التجديد في مناهج وأساليب التدريس العقدي وإيجاد مداخل أخرى مقاصدية وتقعيدية وغيرها كما سنبينه في المبحث الثاني إن شاء الله تعالى.
المطلب الثاني: معالم التقليد وعوائق التجديد المضمونية
سبق أن أشرنا إلى أنّ بناء مضمون الدرس العقدي ولاسيما الأشعري منه؛ كان ينطلق من واقع العقديين ليجيب عن إشكالاتهم ويورث لهم الاطمئنان في أفئدتهم، ولذلك أدرج فيه المسح على الخفين رغم أنه من فروع فقه الطهارة، والإمامة مع أنها من فروع فقه السياسة الشرعية، وغير ذلك من المواضيع التي كانت تشكّل خلافاً وتحدياً يشغل عموم العقديين، غير أنه وفي الوقت الذي كان ينبغي لمواضيع الدرس العقدي أن تتغير بتغير الزمان والمكان بقيت ثابتة اللهم استثناءات لا تخرم القاعدة.
الفرع الأول: الاشتغال بالماضي بدل الحاضر
إن جعل الفرق التاريخية موضوعاً من مواضيع الدرس العقدي الأشعري المعاصر كما تعج بذلك المؤلفات والفيديوهات وغيرها من مكونات الدرس الأشعري المعاصر؛ ينبغي أن يستبدل بفرق ومذاهب معاصرة تشغل بال الشباب والأسر وعموم العقديين من قبيل المذاهب الإلحادية والإباحية واللوطية والعلمانية وغيرها.
فإشكالات الدرس العقدي ليست الآن في كون القرآن مخلوقاً أم غير مخلوق، وليست في أنواع الصفات وأقسامها، فهذه مسائل تاريخية ينبغي أن تبقى في إطارها التاريخي التخصصي إما “من تقيد من العوام بقيد الشرع ورسخ في نفسه العقائد المأثورة عن السلف من غير تشبيه ومن غير تأويل وحسن مع ذلك سريرته ولم يحتمل عقله أكثر من ذلك فلا ينبغي أن يشوش عليه اعتقاده بل ينبغي أن يخلى”.[17]
وليس معنى هذا أن العوام لا يعلمون العقيدة ومسائلها، لأن ذلك واجب، وإنما المقصود التركيز على ما هو في الحقيقة إشكال عندهم فقط، كما كان سلف أهل هذا الشأن يفعلون، كما هو الحال – مثلاً – مع أبي علي عمر بن محمد السكوني (ت 717 هـ) [18] في جلّ مؤلفاته التي كانت استجابة لتحديات عصره، حيث جعل الدرس العقدي الأشعري غير مقصور على الشق الأكاديمي الذي جادل فيه عقائد الاعتزال وإخوان الصفا وغيرهم، وإنما انتقل به العقدي إلى واقع الناس في كتابه: “لحن العوام فيما يتعلق بعلم الكلام” الذي صحح فيه كثيراً من الأخطاء مثل قول بعض العوام “الله يعطى الفول لمن ليس له أسنان”[19] وصحح إطلاق الشعراء، في حق الله تعالى: “الخمار، والساقي، وصاحب الدير، وراهب الدير، والقس”. [20] وصحح كلام الخطباء، كقول بعضهم: “سبحان من لم يزل موجوداً، سبحان من لم يزل معبوداً، فقوله سبحان من لم يزل معبوداً محال؛ إذ فيه القول بقدم العالم وهو كفر”[21]، وصحح كذلك أقوال بعض طلبة القرآن كقراءة بعضهم “قوله تعالى [وَقَاسَمَهُمَا] [الأعراف:21] إذا أرادوا قسمة شيء بينهم، وغير ذلك من الإطلاقات التي تشتهر عند فئة الحفاظ.[22]
وهذا الصنيع منه رحمه الله هو بحق تجديد للدرس العقدي الأشعري “إنزال علم الكلام من برجه العاجي ليأخذ وظيفته التي تليق به، وهي تأطير المجتمع بأسس العقيدة الأشعرية، وتخليص عقل وإيمان العامة والخاصة مما تبقى من آثار المذاهب العقدية الأخرى التي اجتاحت الغرب الإسلامي في فترات تاريخية متعاقبة لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار، أنه قد راج في عصره أن سبب سقوط إشبيلية هو تغلغل الفساد في عقائد الناس”.[23]
وكذلك فعل الإمام المسناوي – رحمه الله – في كتابه “تنزيه ذوي الولاية والعرفان عن عقائد أهل الزيغ والخذلان” حيث كان دافع التأليف حاجة عقدية سببها تشنج ساحة القرويين بما أثير حول عقيدة الشيخ عبد القادر وخرج الخلاف عن نطاقه إلى حد غير بين الأشاعرة والصوفية والحنابلة، ألف الكتاب لتدبير الاختلاف العقدي الذي أثير قديماً وتجدد في زمان المؤلف فقصد إلى رفع اللبس من خلال التأصيل للموضوع قرآناً وسنة بعيداً عن التعصب المذهبي والانتماء الزمكاني.[24]
والشيء ذاته يقال عن ابن مخلص مثلاً لما رأى أنّ حلقات الدرس العقدي لـ”بعض من ينتحل العلم أنه نقل في مجلس تدريسه عند كلامه على البعث، أن كيفيته: بعثُ أجسامٍ أُخر غير هذه، تُكساها الروح وتُعذّب فيها أو تُنعم، أعاذنا الله تعالى من زلة عالم، فإنها تُضل كثيراً من الناس”[25] ، مما يدل على أن العقديين ينبغي أن يكونوا يقظين ومهتمين بل ومهمومين بالإشكالات العقدية في زمانه، وأن الناس – أيضاً – كانوا ينتظرون البيان والتوضيح منه. وحسب ما يقتضيه المقام فقد قارب ابن مخلص – رحمه الله – الموضوع من المدخل الشرعي، وقرّبه بأسلوب سهل يسير؛ كي يستفيد من كلامه عموم الناس، وتُصان عقيدة عوام المسلمين، وهي الطريقة نفسها الذي اتبعها المؤلف في تفسير آية العقائد في كتاب “أدلة التوحيد”.
الخلاصة أنّ الدرس العقدي لا ينبغي أن يتغافل الحاضر وينشغل فقط بالتاريخ، هذا إذا كانت الحاجة لاجترار ذلك التاريخ لقياس حكم أو ما شابه… وإلا فالأصل في الدرس العقدي الواقعية لا التاريخانية وما أحوج زماننا لذلك.
فالانتحار مثلاً أضحى واقعاً مقلقاً لاسيما في بعض الأقاليم مثل شفشاون الذي تعرف موجة متصاعدة،[26] لم يجد المهتمون لحد الآن تفسيراً، فمنهم أرجع الأسباب إلى عوامل اقتصادية ومنهم من جعلها عوامل اجتماعية.. [27] مع أنها عقدية بالأساس رغم غيابها عن الدرس العقدي.
ذلك أن التفسيرات الأخرى يغفل أهلها أو يتغافلون أن وضع الإقليم الآن هو أحسن بكثير مما كان عليه قبل 10 سنوات وقبل 20 سنة، لأن الإيمان كان أقوى والعقيدة كانت أكثر حضوراً من خلال التشبع بالإيمان بالقضاء والقدر…
والشيء نفسه يقال عما تشهده المحاكم المغربية وغيرها من البلدان العربية من حالات طلاق وصلت في المغرب إلى أزيد من 60 ألف طلاق الشقاق في سنة واحدة دون احتساب الطلاق الاتفاقي الكثير أيضاً، وما يتبع ذلك من عزوف الشباب عن الزواج،[28] وارتفاع نسبة ما يعرف بالأمهات العازبات وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية الكثيرة التي ينبغي للدرس العقدي التصدي لها ومعالجتها بربط العقيدة بسلوك المكلفين وواقعهم.
الفرع الثاني: الاشتغال بالجزئيات بدل الكليات
من عوامل التقليد وعوائق التجديد في الدرس العقدي الأشعري المعاصر الاشتغال بالجزئيات والتفريعات والبدء بشرح الصفات والخلاف فيها.. بدل التركيز على مقاصد العقيدة الكبرى من معرفة وإيمان وتوحيد وتنزيه وإخلاص.[29]
فهذه هي الكليات الضرورية التي ينبغي تعليمها للناس وتعريفهم إياها، أما بقية التفاصيل فهي غير ضرورية لعموم الناس بل ولعموم العقديين إلا ما كان متخصصاً متمكناً أولاً، وثانياً لن تكون نتائجها إلا ما كان تاريخياً حيث غلبة التفسيق والتبديع والتخاصم والتنافر على الدرس العقدي، فالاشتغال بالكلي بدل الجزئي في المجال العقدي، هو الذي جعل “الحنبلي يكفر الأشعري زاعماً أنه كذب الرسول في إثبات الفوق لله تعالى وفي الاستواء على العرش، والأشعري يكفره زاعماً أنه مشبه وكذب الرسول في أنه ليس كمثله شيء، والأشعري يكفر المعتزلي زاعماً أنه كذب الرسول في جواز رؤية الله تعالى وفي إثبات العلم والقدرة والصفات له، والمعتزلي يكفر الأشعري زاعماً أن إثبات الصفات تكثير للقدماء وتكذيب للرسول في التوحيد”، كما يقول الغزالي رحمه الله[30] .
قد يصلح بل يفيد جداً أن يدرس الطلاب المختصون تفاصيل الخلاف العقدي وجزئيات علم العقيدة ومذاهبها، لكن ذلك مع غيرهم لا يساعد في تحصين عقائد الناس وتجاوز الصعوبات والتحديات الفكرية والسلوكية المرتبطة بالعقيدة عندهم.
لذلك فمن غير الصواب الحديث -وقد حضرت هذا كثيراً – عن تفاصيل الأسماء والصفات وانقسامها إلى نفسية ومعنوية ومعاني وأقسام الإيمان والخلاف فيه مع المرجئة والكرامية والجهمية ومناقشة موضوع الكسب والخلاف فيه في المجامع العامة وفي الخطب والمواعظ… بل يقتصر على الكليات المذكورة وإلا تحول الدرس العقدي إلى عامل تشويش بدل الطمأنة، وهذا ما حذّر الصحابة الكرام من تناوله مع غير المختصين بقولهم: “حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون؛ أتحبون أن يكذب الله ورسوله” [31]، وقولهم: “ما من رجل يحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم”.[32]
المبحث الثاني: الدرس العقدي الأشعري المعاصر: مداخل تجديدية
إن مما يجب التأكيد عليه بداية أنّ التجديد ليس بدعة في العقد الأشعري ولا في غيره من المجالات المعرفية الشرعية، فالتجديد هو الأصل وكل محاولة صائبة أو خاطئة يؤجر صاحبها ويشكر ولا ينكر، بل ما وجد الدرس العقدي الأشعري إلا لكسر الجمود الذي كان عليه العقد السنيّ، حيث كان التقليد وتكرار ما قاله السابقون عائقاً أمام مواكبة المستجدات والمتغيرات الزمكانية للحياة الفكرية والعقدية الإسلامية، ولم يتم التغلب عليها إلا بالتجديد الأشعري للدرس العقديّ السنيّ.
وعلى سنن الإمام صار علماء المذهب يبدعون ويجددون كلما ساد التقليد وظهرت عوائق التجديد، حيث كان ديدنهم أنهم يشخصون الواقع ثم يكتبون وفق ما يرونه مفيداً بمنهج مفيد ووفق أولويات مفيدة، فالقاضي عياض -مثلاً- كان من أولوياته تعظيم الإيمان بالنبوة ومقام النبي في نفوس المعتقدين، والإمام ابن مخلص كان همّه التأصيل للدرس العقديّ الأشعريّ من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والإمام المسناوي كان مهموماً بتأليف القلوب وتدبير الخلاف، وكل واحد من هؤلاء وغيرهم ألف على نسق خاص وبجدة غير مسبوقة موضوعاً ومنهجاً.
وعلى غرار فعل إمام المذهب وطلابه وأتباعه وأعلام مذهبه، يحتاج الدرس العقدي في زماننا إلى مداخل تجديدية أحسبها ضرورية ومفيدة إن شاء الله تعالى كما سنرى في مطلبي هذا المبحث إن شاء الله تعالى.
المطلب الأول: مدخل التأصيل والتنخيل
يحتاج الدرس العقدي الأشعري المعاصر إلى كثير من الجهد التجديدي على مستوى التأصيل والتقصيد والتقعيد والتنخيل والتقريب لكثير من مسائله التي لحقها التقادم منهجاً ومضموناً.
الفرع الأول: مدخل التأصيل
إن مما يحتاجه الدرس العقدي الأشعري المعاصر في مدخل التأصيل هو الاشتغال على ثلاثة عناصر أساسية، وهي: العناية بالتفسير العقدي، وبشرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وبجعل السيرة النبوية مكوناً أساسياً من مكونات الدرس العقدي كما فعل الإمام الترمذي في الشمائل والإمام اليحصبي في الشفا…
أولاً: التفسير العقدي
إن مما يستغربه المطلع على الدرس العقدي عموماً والأشعريّ بوجه خاص هو غياب تفسير عقدي لآيات الأحكام العقدية؛ علماً أنّ القرآن الكريم هو المصدر الأول للعقيدة، بل هو المصدر الوحيد في كثير من قضاياها التي تقوم على القطع وهو ما لا يتوفر إلا في المتواتر من السنة وهو قليل جداً بالمقارنة مع أحادها.
فرغم وجود كثير من المؤلفات في آيات أحكام الفروع إلا أنّ أحكام الأصول غير متوفرة، فالمتعبد يمكنه أن يرجع بيسر إلى تفسير آيات الأحكام[33]ويجد فيها ضالته، لكنه لا يجد ذلك إذا أراد تفسير آيات العقيدة التي عليه أن يقلب أوراق التفاسير كلها وتنقب داخلها ويفصلها عن مسائل وقضايا غيرها.
لذلك فمن أولى مداخل تجديد الدرس العقدي الأشعري المعاصر هو التأصيل لمسائل العقيدة بتصنيف آيات أحكام العقيدة وتفسير ما يجب في حق الله وأنبيائه ورسله وما يجوز وما يمنع..، وما ينبغي أن تكون عليه علاقة الإنسان بربه، وبالكون الذي يعيش ويحيا عليه، وبيان المآل والمصير الذي تكون الرجعى إليه… وللأسف، لا توجد – فيما أعرف- تفاسير خاصة بآيات أحكام العقيدة، اللهم تفسير الإمام ابن مخلص السبتي، “أدلة التوحيد من آيات القرآن، المْـُكسِبَةِ للقلب مزيدَ الإيمان“مع شدة الحاجة إلى ذلك.
ثانياً: أسماء الحسنى
إن مما ينبغي مراعاته في مدخل التأصيل لتجديد الدرس العقدي الأشعري العناية بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى تعلقاً وتخلقاً ودعاءً… كما كان عليه الشأن دائماً.
فالناظر في تاريخ الدرس العقدي يجد أن أسماء الله الحسنى كانت حاضرة وفاعلة ومؤثرة فيه، بدءاً من الزجاج (ت 311هـ) في “تفسير أسماء الله الحسنى” والخطابي (ت 388هـ) في “شأن الدعاء” مروراً بالإمام القشيري (ت 465) في “شرح أسماء الله الحسنى” ثم الغزالي (ت 505) في “المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى” وتلميذه الإمام ابن العربي المعافري (ت 543) في “الأمد الأقصى” وابن العربي الحاتمي ( ت 638هـ ) في “كتب كشف المعنى عن سر أسماء الله الحسنى” وتلميذه صدر الدين القونوي ( ت 672) في “شرح الأسماء الحسنى” والإمام القرطبي (ت 671 ) في “الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى” وغير ذلك من الأعمال التي شكلت عبر تاريخ الدرس العقدي عموماً والدرس العقدي الأشعري بالأخص محوراً أساسياً في التأطير الإيماني وهو ما ينبغي أن يستمر عليه الحال في عصرنا الحالي، ولا نكتفي فيه بتلقين العقديين صفة الوجوب والقدم… وإنما نعلمهم أسماء الله الحسنى ونربيهم بها تخلقاً وتعلقاً ودعاءً كما سلفت الإشارة لذلك، وإذا كان ذلك من القرآن وبالترتيب القرآني سيكون أفيد كما فعل الإمام ابن مخلص الذي أعقب تفسيره لآيات العقيدة في كل سورة بجرد أسماء الله الحسنى الواردة في السورة وشرحها وبيان مضامينها ومقاصدها…[34]
ثالثاً: السيرة النبوية (السنة الفعلية)
إن تضمين الدرس العقدي للقسم العملي من السنة النبوية الذي تمثل السيرة النبوية أغلبه، هو الذي يعطي للمعارف النظرية بعداً تطبيقياً في أفئدة المعتقدين، ففيها يتعلم كيف يطبق الإيمان ويجعل العمل مكملاً له، وفيها يتعلم التوحيد ومقتضياته العملية والسلوكية، وفيها يشاهد صور التوكل واليقين العقدي، ولعل أقرب أنموذج أُلف لهذا الغرض هو كتاب “الشفا” للقاضي اليحصبي الذي وإن اشتهر أنه في السيرة إلا أنه أقرب إلى العقيدة منه إلى السيرة، فكتاب “الشفا” أُلف للعقيدة وفي قسم النبوات من علم العقيدة، ومضمونه كما عنوانه دليل على ذلك، فالكتاب ألف لتجديد قسم النبوات من الدرس العقدي وتغطية النقص العقدي الذي رآه المؤلف في ضرورة تمييز المكلفين بين النبي والولي، وبين المعجزة والكرامة، وغيرها من المفاهيم التي اختلطت عند بعض الناس بسبب المهدوية والعصمة التي روجت لها الدعوة التومرتية، فجاء الشفا رداً على الجدل العقدي الذي أثاره مهدي الموحدين بادعائه المهدوية والعصمة[35].
فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله رغم أنها محور كتاب الشفا ومادته؛ إلا أنها وردت في سياق الحجاج العقدي يروم تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في النبوات والرد على الفرق البدعية والنحل الإلحادية من معتزلة وفلاسفة وغلاة الصوفية والخوارج وليس في سياق السرد التاريخي. [36] فـ”المانوية وأشباههم من الصابئين والنصارى والمجوس، والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحد غير الله من مشركي العرب وأهل الهند والصين والسودان وغيرهم ممن لا يرجع إلى كتاب، وكذلك القرامطة وأصحاب الحلول والتناسخ من الباطنية..”[37] كلهم حاجهم الإمام اليحصبي بما يشفي صدور المؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم.
وما أحوج الدرس العقدي الأشعري المعاصر إلى التأليف على غرار الشفا للإجابة عن الإشكالات المتعلقة بباب النبوة و”بقدر المصطفى عليه الصلاة والسلام، وما يجب له من توقير وإكرام، وما حُكم من لم يوف واجب عظيم ذلك القدر، أو قصر في حق منصبه الجليل قلامة ظفر”.[38]
الفرع الثاني: مدخل التنخيل
وصف الإمام الغزالي في مقدمة “المستصفى” تنخيل علم أصول الفقه مما علق من المنطق الأرسطي بالفطام الصعب الذي حال بينه وبين تركه في المستصفى؛ وإذا كان ذاك صعباً في أصول الفقه رغم نشأته في بيئة البيان الشافعية؛ فإنه في أصول الدين أشد صعوبة نظراً لبيئة النشأة الجدلية مع إمام الأشعرية، ولكن رغم ذلك فإن الحاجة ماسة إلى تنخيل الدرس العقدي الأشعري مما علق من المنطق الأرسطي، فالفطام يجب أن يتم ولو كان صعباً.
ذلك أن الأساليب المنطقية الأرسطية وإن كانت في فترة زمنية ذات فائدة للدرس العقدي الأشعري فإنما أضحت الآن عامل تشويش على العقديين لاسيما عموم المثقفين الذين كلما حاولتَ إقناع أحدهم بالنظر في الدرس الأشعري إلا وتبرم وجهه وتقاعست همته، لأن علم العقيدة في السياق الأشعري أضحى بسبب المنطق الأرسطي درساً نخبوياً لا يعقله إلا الراسخون في الفلسفة الكلامية والمنطق، وهذا مخالف لمعهود العرب في الخطاب الذي اعتمد لغة يسيرة مفهومة معلومة وأمية تناسب أمية الأمة كما أشار لذلك الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى وغيره.
ليس عيباً معرفة هذه الأساليب وتداولها بين المختصين لكن في المقابل ينبغي أن يتسمر بتنويع الخطاب على غرار “الصغرى” و”صغرى الصغرى” و”عقيدة النساء” و”عقيدة العوام”. مع استبدال مثلاً مصطلح “الأجرام” بـ”الأجسام” و”الأعراض” بـ”الصفات” وما يضارع ذلك من السياقات والمصطلحات..
المطلب الثاني: مدخل التقعيد والتقصيد
من الملفت أيضاً أن الناس اشتغلوا كثيراً -كثيراً – بقواعد ومقاصد الفروع، فهناك العشرات من المؤلفات والأبحاث التي تدور في فلك القواعد الفقهية ومقاصد الأحكام الفقهية… وغير أنّ ذلك ظل وما يزال غائباً في جانب الأصول رغم أهميته وإمكانيته، كما سنرى في الفرعين المواليين إن شاء الله تعالى.
الفرع الأول: مدخل التقعيد
إن مما يستغرب أن كل العلوم لها قواعد إلا العقائد، فرغم أنّ التأليف في العقيدة والكتابة فيها – نظماً ونثراً – حظي بالعناية منذ القدم؛ إلا أن جانب التقعيد لم يكن له نصيب من ذلك الاهتمام، باستثناء ما كتب في مواضع جزئية كقواعد الأسماء والصفات وغيرها من البحوث والكتابات المشابهة التي لا يمكن عدّ أي منها ضمن التقعيد العقدي بالمعنى الاصطلاحي للقاعدة والتقعيد؛ فمثلها مثل “القواعد العقدية” للإمام الغزالي الذي وإن عنون بالقواعد؛ فمواضعه لا تختلف عن مباحث أي مؤلف آخر في علم الاعتقاد.
إن غياب التأليف في التقعيد العقدي بالمعنى الاصطلاحي جعل بعض العلماء والكتاب – كالدكتور حسن الشافعي – يستغرب ذلك ويقول: “لقد كان وما زال يبدو لي غريباً، أن ينشأ علم (القواعد الفقهية) ويزدهر وينضج غير بعيد من الدراسات الكلامية، وتعجز هذه الأخيرة عن الإفادة منه، وإقامة فرع مماثل (للقواعد الشرعية الاعتقادية) في إطارها.” [39] رغم أن علماء العقيدة – كما يضيف – “يعتبرون علمهم رئيس العلوم الشرعية أو العلم الأعلى بينها، الذي تستمد منه سائر العلوم أسسها ومسلماتها، وتحيل إليه عقدها ومشكلاتها”[40].
لذلك كان اقتراح التقعيد كمدخل لتجديد الدرس العقدي الأشعري المعاصر؛ على غاية من الأهمية، فهو الذي يقي الدرس العقدي كثرة التجزيء والتشظي المشار إليها سابقاً، ويقي طلابها والدارسين لها وأتباع مذاهبها.. تبادل تهم التفسيق والتبديع والتكفير.. من خلال تقديم العقيدة في قواعدَ كليةٍ سهلةِ المعنى واضحة المبنى، بعيداً عن الإغراق في التفلسف والرمزية.. الذي توقع مواضعه المبتدئين وغيرَ المختصين في التشويش الفكري والتلبيس العقلي ويجعل العقيدة علم نخبوي.
الفرع الثاني: مدخل التقصيد
إن علم الدرس العقدي الأشعري المعاصر في حاجة ملحة أيضاً إلى النظر المقاصدي لتدبير الاختلافات وخلق مساحات للتلاقي والتعاون على المشترك المذهبي، وهو شرط أساس يتوقف عليه مستقبل الأمة ووحدتها ككل كما يقول العلامة الزعيم علال الفاسي رحمه الله.[41]
وإذا كان الإمام الشاطبي رحمه الله قد أحسّ قديماً بخطورة تغييب مقاصد فروع الدين فألف “الموافقات في أصول الشريعة” فنحن الآن في أمس الحاجة لإيجاد “موافقات في أصول العقيدة”، تقوم على التمييز بين المقاصد الضرورية المجمع عليها وبين المقاصد الحاجية والتحسينية.. التي لا يضر الاختلاف في فهمها أو تنزيلها.[42]
فرغم كثرة الكتابات في مقاصد الشريعة إلا أنّ المتأمل فيما كتب من الدراسات عن موضوع مقاصد العقيدة لا يكاد يجد شيئاً ذا بال، اللهم بعض الإشارات المحتشمة مؤخراً في بعض الندوات التي تناولت الموضوع بتهيب واحتشام أحياناً، وبعمومية غلبت عليها المقاربة اللغوية وليس المقاربة الاصطلاحية العلمية للمقاصد.
خاتمة
إن الأشاعرة لم يكونوا على نمط واحد في مقاربة مسائل علم العقيدة وقضاياها، فمنهج الإمام الغزالي ليس هو نفسه عند شيخه الجويني مثلاً، وليس هو نفسه عند تلميذه ابن العربي كذلك، والشيء ذاته يقال عن لاحقيهم وسابقيهم، فكلٌ جدد بما يقتضيه زمانه وواقعه.
ونحن في زماننا مطالبون بتجديد الدرس العقدي لمواكبة المستجد الفكري والاجتماعي من جهة، وإحياء لسنة المجددين السابقين من جهة، ولعل المداخل التي ذكرتها في هذا المقال تكون مفيدة في الموضوع إن شاء الله تعالى.
والله تعالى أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين.
قائمة المصادر والمراجع
- أدلة التوحيد والنبوة والبعث من آيات القرآن الكريم المكسبة للقلوب مزيداً من الإيمان والإيقان، عبد الصمد بوذياب طبعة المجلس العلمي المحلي بوزان، الطبعة الأولى، 1444هـ/ 2023م.
- أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، شهاب الدين أبو العباس المقري التلمساني، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبد العظيم شلبي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1358 هـ / 1939 م.
- الاستدلال على بعث الأجسام، ابن مخلص السبتى، تحقيق: عبد الصمد بوذياب، الدار الأزهرية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1440ه/ـ 2019م.
- الإسعاد في شرح الإرشاد لابن بزيزة، تحقيق: عبد الرزاق بسرور وعماد السهيلي، دار الضياء، الطبعة الأولى 1435هـ 2014م.
- ترتيب المدارك وتقريب المسالك، القاضي عياض، تحقيق: ابن تاويت الطنجي، 1965م مطبعة فضالة – المحمدية المغرب، الطبعة الثانية: 1403 هـ /1983م.
- تنزيه ذوي الولاية والعرفان عن عقائد أهل الزيغ والخذلان. عبد الصمد بوذياب، دار الفتح، الطبعة الأولى، 1441هـ /2020م.
- جهود المغربة في تدبير الخلاف العقدي، عبد الصمد بوذياب، مجلَّة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية. العدد الثاني ديسمبر 1028م، قسم العلوم الإسلامية، جامعة غرداية، الجزائر.
- حاجة الدرس العقدي إلى إعمال النظر المقاصدي، عبد الصمد بوذياب، مجلة الإحياء المجلد 20، 26 شتنبر 2020، كلية العلوم الإسلامية، جامعة باتنة، الجزائر.
- شرح المقدمة الوغليسية، الشيخ زروق، تحقيق: أحسن زقور، دار التراث ناشرون، الجزائر. ودار ابن حزم، الطبعة الأولى 1426هـ/2005م.
- الشفا مع حاشية المشني القاضي عياض مع حاشية “مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء” أحمد الشمنى، دار الفكر 1409 هـ 1988م.
- علم الكلام ولحن العوام، خالد زهري، مجلة الإبانة-العدد المزدوج/2-3، شعبان 1435هـ / يونيو 2015م.
- فتح القريب المجيد بشرح جوهرة التوحيد، لعبد البر الأجهوري، تحقيق: رياض منسي العيسى، دار الفتح، الطبعة الأولى 1440هـ /2019م.
- فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة، ضمن مجموعة رسائل الغزالي، تحقيق: ياسر سليمان أبو شاذي، دار التوفيقية للتراث، القاهرة، 2011م، بدون طبعة.
- القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية، ابن جزي الغرناطي، تحقيق: محمد بن سيدي محمد مولاي. بدون.
- كتاب إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، دار المنهاج، الطبعة الأولى 1432هـ/ 2011م.
- المختار من لحن العامة والخاصة في المعتقدات، تأليف: أبو علي عمر بن محمد بن خليل السكوني المالكي، دار المشاريع للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1426ه/ 2005م.
- المدخل إلى دراسة علم الكلام، حسن الشافعي، الطبعة الثانية، مكتبة وهبة، القاهرة ،1991م.
- المدخل التقعيدي لتجديد التراث العقدي والكلامي، عبد الصمد بوذياب، مجلة كلية أصول الدين بالقاهرة، جمادى الثانية، المجلد الأول، 1493.
- المعيار المعرب، طبعة وزارة الأوقاف المغربية، ودار الغرب الإسلامي، 1401 /هـ 1981م.
- مقدمة ابن خلدون، طبعة دار الفكر، 1432هـ/ 2010 م.
- الملل والنحل، الشهرستاني، تحقيق: عادل أحمد إبراهيم، مكتبة فياض للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، الطبعة الأولى، 1434ه/ 2013 م.
- نحو وحدة إسلامية، الأستاذ علال الفاسي، إعداد مؤسسة علا ل الفاسي 1987م، مطبعة الدار البيضاء بدون طبعة.
- النظر المقاصدي وأثره في تدبير الاختلاف العقدي، عبد الصمد بوذياب، دار الكلمة، الطبعة الأولى، 2019 م.
- النقد العقدي عند علماء الغرب الإسلامي، د. عبد الصمد بوذياب، مجلة الحضارة الإسلامية، 5357 المجلد: 20 العدد: الثاني ديسمبر . 2602-5736
الروابط الإلكترونية
- https://www.arrabita.ma/blog/category/dirasatwabhat/dirasatmo
- https://www.oujdacity.net/author/oujdacity
- https://marebpress.net/writers.php?lang=arabic&id=78
- https://naqd21.com/editions-category/
- https://www.facebook.com/share/v/FkuPZKUc6gaGTR9T
- https://www.hespress.com/public_author
- https://shuhoud.com/
- . https://kalema.net/home/author/bio/97
- https://ecopress.ma/author/toufik-elyaalaoui/
حاصل على الماجستير المتخصص “الاجتهاد في قضايا الأسرة وتجديد الخطاب”، بجامعة محمد الخامس بالرباط، المغرب (2024).
[1] للمزيد حول جهود أبي سالم العياشي في تدبير الخلاف العقدي يُنظر: مجلَّة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية. عبد الصمد بوذياب، المجلد الثاني، العدد الثاني ديسمبر 1028م، قسم العلوم الإسلامية، جامعة غرداية، الجزائر.
[2] ابن خلدون المقدمة، ص 434، طبعة دار الفكر، 1432هـ 2010 م.
[3] نقلاً عن المعيار المعرب ج 2، ص 339، طبعة وزارة الأوقاف المغربية، ودار الغرب الإسلامي، 1401 هـ 1981م.
[4] شرح المقدمة الوغليسية، الشيخ زروق، ص 100، تحقيق أحسن زقور دار التراث ناشرون الجزائر، ودار ابن حزم، الطبعة الأولى 1426هـ/2005م.
[5] ابن جزي الغرناطي، القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية، والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية. ص 45، تحقيق: محمد بن سيدي محمد مولاي. بدون.
[6] يرجع الباحثون ظهور “بوادر التجديد الأولى في علم الكلام في شبه القارة الهندية ابتداء من مُنتصف القرن التاسع عشر، مع مُفكرين من أهمهم أحمد خان، وشبلي النعماني، ومحمد إقبال، لكي يستمر هذا التجديد بعد ذلك في الإسلام الإيراني مع مُفكرين ومُجددين، من أبرزهم الدكتور عبد الكريم سروش، والشيخ محمد مُجتهد شبستري، ويتوالى التجديد والإصلاح بعد ذلك في العالم العربي مع محاولات قام بها أمين الخولي، وفهمي جدعان، وحسن حنفي، وعلي مبروك، وعبد المجيد الشرفي، وعبد الجبار الرفاعي، وآخرون. وقد أفرزت هذه الاجتهادات في التفكير الديني والتجديد الكلامي مجموعة من الرؤى والتيارات التي، وإن اختلفت في بعض الجزئيات، فإنها مع ذلك تلتقي في الرغبة الجامحة لدى أصحابها في تجديد علم الكلام التقليدي سواء على مستوى الموضوع، أو المنهج، أو الوسائل، أو الغايات. ويبقى الرهان عند الجميع هو تجديد العقيدة والبحث عن مكانة لائقة بالدين من أجل أن يلعب دوره المطلوب في إرواء الظمأ الانطولوجي للأفراد، والدفاع عن كرامتهم وحقوقهم، وإنقاذهم من الاغتراب الميتافيزيقي الذي يهدد أرواحهم في عالم يسيطر فيه العلم، وتهيمن فيه التقنية. “تجديد علم الكلام عند حسن حنفي، مقال منشور 6 أبريل، 2023 رابط https://naqd21.com/editions- 6 أبريل، 2023أدبالعدد السابع عشر
[7] منشور في نوفمبر 2007 على الرابط الموالي ttps://marebpress.net/writers.php?lang
[8] الدراسة عبارة عن مقالة مطولة من حوالي 50 صفحة نشرت 2010 من قبل منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث التابع لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وتوجد المقالة على الرابط الموالي:
. https://kalema.net/home/author/bio/97
[9] كتاب متوسط الحجم صدر عن مؤسسة هنداوي للنشر، في طبعته الثالثة، 2024م.
[10] مقال منشور على موقع الرابطة المحمدية للعلماء بتاريخ 2019-04-08[10] https://www.arrabita.ma/blog/category/dirasatwabhat/dirasatmohakama/
[11] منشور بتاريخ: / 2010/1/[11] بموقع وجدة سيتي على الرابط https://www.oujdacity.net/author/oujdacity
[12] نقول الغالب تجنباً للتعميم لأن الاستثناء موجود في كل قاعدة ولكن يبقى الحكم للغالب لا للشاذ المستثنى كما هو معروف.
[13] الشهرستاني، الملل والنحل، ص 40.
[14] قال الإمام الغزالي في الإحياء: “ثم في القرن الرابع حدثت مصنفات الكلام وكثر الخوض في الجدال والغوص في إبطال المقالات ثم مال الناس إليه وإلى القصص والوعظ بها فأخذ علم اليقين في الاندراس من ذلك الزمان فصار بعد ذلك يستغرب علم القلوب والتفتيش عن صفات النفس ومكايد الشيطان وأعرض عن ذلك إلا الأقلون فصار يسمى المجادل المتكلم عالماً والقاص المزخرف كلامه بالعبارات المسجعة عالماً وهذا لأن العوام هم المستمعون إليهم فكان لا يتميز لهم حقيقة العلم من غيره ولم تكن سيرة الصحابة رضي الله عنهم وعلومهم ظاهرة عندهم حتى كانوا يعرفون بها مباينة هؤلاء لهم فاستمر عليهم اسم العلماء وتوارث اللقب خلف عن سلف وأصبح علم الآخرة مطوياً وغاب عنهم الفرق بين العلم والكلام إلا عن الخواص منهم كانوا إذا قيل لهم فلان أعلم أم فلان، يقولون فلان أكثر علماً وفلان أكثر كلاماً، فكان الخواص يدركون الفرق بين العلم وبين القدرة على الكلام. هكذا ضعف الدين في قرون سالفة فكيف الظن بزمانك هذا”. إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ج 1، ص 293، دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1432هـ/ 2011م.
[15] قد فصل القول في الموضوع أكثر في كتاب “النظر المقاصدي وأثره في تدبير الاختلاف العقدي”، دار الكلمة، الطبعة الأولى، 2019 م.
[16] يُنظر: “الإسعاد في شرح الإرشاد لابن بزيزة “، تحقيق: عبد الرزاق بسرور وعماد السهيلي، دار الضياء، الطبعة الأولى، 1435هـ 2014 م ص 59 – 101. و”فتح القريب المجيد بشرح جوهرة التوحيد” لعبد البر الأجهوري، تحقيق: رياض منسي العيسى، دار الفتح، الطبعة الأولى، 1440هـ/ 2019م ص 97- 101.
[17] كتاب إحياء علوم الدين أبو حامد الغزالي، 1/ ص 214 دار المنهاج، الطبعة الأولى، 1432هـ 2011م.
[18] يُنظر: الذيل والتكملة الترجمة رقم: 1202، ج 3، ص 533، ورقم: 1200، ص 583 من نفس الجزء. وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ج 2 ص 1475. وأزهار الرياض في أخبار القاضي عياض ج 3، ص 299. وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي، ج 9، ص 9.
[19] نفسه ص 52.
[20] نفسه ص 10.
[21] نفسه ص 10.
[22] للمزيد ينظر: النقد العقدي عند علماء الغرب الإسلامي د. عبد الصمد بوذياب مجلة الحضارة الإسلامية 5357، المجلد: 20، العدد: الثاني ديسمبر . 2602-5736
[23] “علم الكلام ولحن العوام”، خالد زهري، مجلة الإبانة، العدد المزدوج 2-3، ص77.
[24] لمزيد من التفاصيل ينظر مقدمة تحقيق كتاب ” تنزيه ذوي الولاية والعرفان عن عقائد أهل الزيغ والخذلان” عبد الصمد بوذياب، دار الفتح، الطبعة الأولى، 1441ه/ 2020م.
[25] الاستدلال على بعث الأجسام، ابن مخلص السبتى، تحقيق: عبد الصمد بوذياب، الدار الأزهرية بالقاهرة، الطبعة الأولى، 1440هـ 2019م، ص 44.
[26] للمزيد ينظر تقرير في الموضوع لجريدة هسبريس المغربية على الرابط: https://www.hespress.com/public_author
[27] سجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من خلال تتبعها سنة 2022، خاصة عبر ما ينشر في الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية، والتي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من مجموع الحالات، فقد بلغ عددها 140 حالة… وأكدت الجمعية الحقوقية في تقريرها السنوي لسنة 2022، أن عدد الانتحارات بالمغرب يتعدى ألف حالة سنوياً بمعدل يفوق ثلاث حالات في اليوم. ويتصدر إقليم شفشاون، أكبر عدد من حالات الانتحار، حيث سجل الإقليم في السنوات السبع الأخيرة (بين 2015 و2022) 240 حالة، بمعدل حالة انتحار في الأسبوع. وبحسب التقرير الذي أعدته الجمعية فإن السبب، يعود بالأساس إلى التهميش والبطالة… منقول بتصرف عن الرابط: https://ecopress.ma/author/toufik-elyaalaoui/
[28] https://www.facebook.com/share/v/FkuPZKUc6gaGTR9T/?mibextid=oFDknk
[29] بالاستقراء هذه هي مقاصد العقيدة الكبرى وهي المطلوب تحصيله عند عموم العقديين، أما بقية التفاصيل فهي ليست من ضروريات العقيدة، وقد فصلتُ هذا في بحث سابق يُراجع هناك: “حاجة الدرس العقدي للنظر المقاصدي”، مجلة الإحياء، المجلد 20 العدد 26 شتنبر 2022 جامعة باتنة 1 الحاج الأخضر، الجزائر.
[30] فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة. الإمام الغزالي. ضمن مجموعة رسائل الغزالي. تحقيق: ياسر سليمان أبو شاذي. دار التوفيقية للتراث. القاهرة بدون طبعة، 2011م، ص271.
[31] صحيح البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهمواK رقم: 129.
[32] صحيح مسلم، المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع.
[33] من ذلك وللمالكية فقط:
ـ أحكام القرآن، لمحمد بن سحنون بن سعيد، أبو عبد الله المالكي التنوخي (ت 256هـ).
ـ أحكام القرآن لابن أصبغ، قاسم بن اصبغ بن محمد، أبو محمد المالكي القرطبي (ت 340هـ).
ـ أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي، محمد بن عبد الله بن محمد، أبو بكر المالكي الأندلسي (ت 543هـ).
ـ أحكام القرآن لابن الفَرَس، عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم، أبو عبد الله المالكي الغرناطي (ت 597هــ).
[34] ينظر مقدمة تحقيق “أدلة التوحيد والنبوة والبعث من آيات القرآن الكريم المكسبة للقلوب مزيداً من الإيمان والإيقان”، عبد الصمد بوذياب، طبعة المجلس العلمي المحلي، بوزان، الطبعة الأولى 1444هـ/ 2023م.
[35] مقدمة الشيخ محمد بن تاويت الطننجي على ترتيب المدارك، ص 17 (يز).
[36] ينظر: مقدمة الشيخ محمد بن تاويت الطننجي على ترتيب المدارك، ص 08 (ح).
[37] الشفا مع حاشية المشني (2/ 282)، القاضي عياض مع حاشية “مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء” أحمد الشمنى، دار الفكر 1409 هـ 1988م.
[38] نفسه (1/ 4).
[39] “المدخل إلى دراسة علم الكلام”، حسن الشافعي، ص 134. الطبعة الثانية، مكتبة وهبة بالقاهرة، 1991م.
[40] نفسه.
[41] ينظر: “نحو وحدة إسلامية”، الأستاذ علال الفاسي ص 10 – 11. إعداد مؤسسة علا ل الفاسي 1987م، مطبعة الدار البيضاء بدون طبعة.
[42] لمزيد من التفاصيل ينظر: حاجة الدرس العقدي إلى إعمال النظر المقاصدي مجلة الإحياء المجلد 20. 26 شتنبر 2020 كلية العلوم الإسلامية جامعة باتنة الجزائر.