الأزهر سياسة بإطار ديني اجتماعي

855

مقدمة:
تبوأ الأزهر منذ إنشائه حتى يومنا هذا مكانة كبيرة في مصر خاصة، وفي العالم الإسلامي عامة، لما له من منزلة دينية وعلمية في نفوس المسلمين في كل مكان. فهو ليس مجرد جامعة تقدم العلوم الدينية أو العصرية للطلاب، بل كانت الأنظار ترنو إليه باعتباره مركزاً إسلامياً، ومرجعية دينية.

وإذ يرى باحثون أن الأزهر وُلد “من رحم السياسة” لتحقيق غاية سياسية دينية هي نشر المذهب الفاطمي الإسماعيلي، فإن السياسة تركت في مسيرة الأزهر على مر العصور آثاراً لا تمحى.

والملاحظ أن الأزهر الذي أُريد له أن يكون جامعة علمية، لم يقتصر دوره على أداء هذه الوظيفة التعليمية، بل كان له دائماً دور في السياسة والدولة. ليس لقوة الأزهر ومكانته فحسب، بل لقوة الفكرة التي يمثلها الأزهر وهي الدين الإسلامي ومدى نفوذها في المجتمع.

والملاحظ أن قوة الأزهر ونفوذه كانت تعتمد على عوامل متعددة: منها مدى قوة شيخ الأزهر وعلمائه، والواقع الاجتماعي والسياسي في مصر والعالم الإسلامي عامة، بالإضافة إلى شخصية الحاكم في مصر.

هذه العوامل جعلت من مسيرة الأزهر عبر العصور، مسيرة متباينة، ما بين صعود وهبوط، وما بين قوة وضعف. ولكن الملاحظ أن الأزهر كان يحاول الحفاظ على علاقة جيدة مع السلطة الحاكمة، دون أن يهمل مسؤوليته تجاه المجتمع. مع تفاوت في مدى نجاحه في تحقيق هذه المعادلة عبر العصور.

في هذا البحث نحاول رصد تطور مؤسسة الأزهر عبر التاريخ، مبرزين دور الأزهر في المجتمع سياسياً واجتماعياً، ومدى استقلاله عن الحكام، بالإضافة إلى رصد دعاوى إصلاح الأزهر ودوافعها عبر دراسة الفقرات التالية:

أولاً ـ نبذة تاريخية عن الأزهر.
ثانياً ـ دور الأزهر في المجتمع عبر التاريخ.
ثالثاً ـ مدى استقلال الأزهر عن الحكام.
رابعاً ـ دعاوى إصلاح الأزهر.

أولاً ـ نبذة تاريخية عن الأزهر[1]:

1 ـ من هم الفاطميون بناة الأزهر؟:
بعد وفاة جعفر الصادق عام 148هـ، انقسمت الشيعة الإمامية إلى قسمين:
أ ـ الإثنا عشرية: وهم الشيعة الذين يجعلون معرفة إمام الزمان جزءاً من الإيمان، والأئمة عندهم اثنا عشر، بداية بعلي والحسن والحسين، ومروراً بزين العابدين وعلى الباقر وجعفر الصادق، إلى أن تنتهي السلسلة بمحمد بن الحسن العسكري الذي يعتقدون أنه اختفى في السرداب وهو الإمام المنتظر.
ب ـ الإسماعيلية: ويقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وهو أكبر أولاده، لكنه توفي قبل وفاة أبيه عام 145هـ، فجعل الإسماعيلية الإمامة لابنه محمد وخلعوا عليه الصفات القدسية، وهو الإمام السابع عندهم، لذلك يُسمون السبعية، تمييزاً لهم عن الإثنا عشرية.
والفاطميون على المذهب الإسماعيلي، وحرصوا على الانتساب لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي يصبغوا على أنفسهم صفة التشيّع ويبعدوا وصف “الغلاة”، ذلك الوصف الذي يضمّ الفرق التي تفرّعت عن الإمامية الإثنا عشرية وقالت بالحلول وأمور أخرى تُخرج عن الملّة.
وعندما أسس العباسيون دولتهم عام 132هـ، اعتبر الشيعة أنهم أحق بالخلافة من العباسيين، فراحوا يناؤونهم سلطانهم. فعمد العباسيون إلى التضييق على الشيعة عموماً والإسماعيلية خاصة وملاحقتهم، وقامت حركة الإسماعيلية بنشر مذهبهم سراً واستطاعوا الوصول إلى المغرب ولاقت دعوتهم نجاحاً كبيراً هناك، حتى وصل عبيد الله بن المهدي (عبيد الله بن الحسن بن أحمد بن عبد الله الرضى بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق) إلى القيروان فبايعه أهلها على الطاعة وجعلوه خليفة ولقب بـ”أمير المؤمنين” وكان ذلك سنة 297هـ (909م)، وكان أول الخلفاء الفاطميين.

2 ـ الفاطميون في مصر:
منذ أن وطّد الفاطميون خلافتهم في المغرب حاولوا دخول مصر، وسيّروا الجيوش للسيطرة عليها، لكنهم لم يفلحوا، حتى استلم الخلافة المعز لدين الله الفاطمي سنة 341هـ 952م، وهو الخليفة الرابع من الخلفاء الفاطميين، الذي عني بنشر الدعوة الفاطمية في مصر قبل أن يرسل جيوشه لغزوها، وعند وفاة كافور حاكم مصر سنة 357هـ 968م، استغل المعز لدين الله الفوضى التي حصلت في البلاد، وأرسل قائده جوهر الصقلي لمصر في ربيع الأول سنة 358هـ، واستطاع جوهر دخول مصر في نفس العام، وضمها إلى حوزة الفاطميين.
وعندما دخل جوهر الصقلي الفسطاط عاصمة مصر في 11 شعبان سنة 358هـ، منح الأمان لأهلها، وتعهد بتحقيق الحرية الدينية للمصريين، وأمّنهم على مساجدهم وأعطاهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية على اختلاف النحل والمذاهب.

وكما عادة الفاتحين فقد أراد جوهر أن يبني مدينة تكون مركزاً لقوات الفاطميين، فعدل عن اتخاذ الفسطاط عاصمة له، وفكّر في إنشاء مقر جديد للخلافة الفاطمية في مصر، يكون مركزاً لنشر دعوتهم الدينية في الوقت نفسه، فوضع أساس مدينة القاهرة في 17 شعبان سنة 358هـ 969م، ووضع معها أساس قصر الخليفة الذي عُرف بالقصر الشرقي الكبير، ثم بنى سوراً كبيراً حول القصر والمدينة.

وأصبحت القاهرة عاصمة الفاطميين، وصارت مصر مركز الخلافة الفاطمية بعد أن كانت إمارة تابعة للخلافة العباسية، وقد امتدت هذه الخلافة إلى شمال إفريقيا وصقيلية والشام وآسيا الصغرى واليمن والموصل وما وراء النهر ومكة والمدينة.

3 ـ الفاطميون والأزهر
كان لابد للخليفة الفاطمي من مسجد جامع يكون منطلقاً للجيوش ومنبراً لإذاعة الأخبار الهامة المتعلقة بالصالح العام، ومركزاً للتعليم ونشر المذهب، لذلك فقد عمد جوهر الصقلي عند دخوله مصر، إلى بناء مسجد جامع يكون رمزاً للسيادة الفاطمية، فشرع في بناء الجامع الأزهر في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 359هـ 970م، وتم بناؤه في سنتين تقريباً، وأقيمت أول صلاة فيه في السابع من رمضان سنة 361هـ 972م.

لم يرغب جوهر الصقلي في إثارة المصريين، الذين كانوا من السنة، فبنى الجامع الأزهر، ليكون مكاناً لإقامة الشعائر الدينية حسب المذهب الإسماعيلي، لكن هذا الجامع تحول بعد سنوات قليلة إلى جامعة، وذلك في زمن الخليفة العزيز سنة 378هـ 988م تدرس فيها العلوم الشرعية والعقلية. وعمل الفاطميون على جذب طلاب العلم إليه من الأقطار الإسلامية كافة، وأطلقوا عليه اسم الجامع الأزهر، نسبة إلى فاطمة الزهراء، وأجروا لعلمائه الأرزاق، وأغدقوا عليهم الصلات والهدايا. كما زودوا الجامع بكل ما يحتاجه من كتب وموارد للإنفاق عليه وعلى طلابه.

4 ـ الأزهر مركز لنشر المذهب الإسماعيلي:
كان الجامع الأزهر مركزاً لنشر المذهب الإسماعيلي وتعليمه، وقد كان الخليفة المعز ومن بعده الخليفة العزيز يقيمان الخطبة في الأزهر إلى أن فتح مسجد الحاكم سنة 380هـ، فصارت الخطبة تقام في مساجد مصر الكبرى مسجد عمرو وابن طولون والحاكم والأزهر على التوالي بانتظام.

عمد الفاطميون إلى ممارسة شعائرهم وفق مذهبهم، واعتنوا بالجامع الأزهر عناية فائقة ليكون محطة جذب لكل طلاب العلم، وزادوا في بنائه، وعينوا له فقيهاً يتولى الخطابة في صلاة الجمعة والأعياد بين يدي الخليفة، أما الشؤون الخاصة بالدراسة والأساتذة والطلاب فكان يرجع فيها إلى الخلفاء ونوابهم من كبار رجال الدولة الفاطمية.

وكان منصب داعي الدعاة الذي أحدثه الفاطميون يُسند إلى رجل مهمته الأساسية نشر المذهب الإسماعيلي، وكان يساعده اثنا عشر نقيباً، وكان له مركز في قصر الخليفة، حتى أن الخليفة كان يشرف بنفسه على المحاضرات التي يلقيها داعي الدعاة ونوابه لإقرارها قبل إلقائها على الناس. وكان داعي الدعاة هذا، يعقد مجالس خاصة في الأزهر، تفرد للناس كل حسب طبقته، كما كان للنساء نصيب منها. وكانت رتبة داعي الدعاة تأتي بعد رتبة قاضي القضاة، التي تأتي بعد رتبة الوزير مباشرة، وكثيراً ما جُمع المنصبان لرجل واحد.
ومن الذين تقلدوا منصب داعي الدعاة أسرة أبي حنيفة النعمان المغربي، الذي يسميه الإسماعيليون “سيدنا القاضي النعمان” ليميزوه عن أبي حنيفة صاحب المذهب الحنفي. وكان كتابه “الاقتصار” يُدّرس في الأزهر، وهو كتاب يحوي على مسائل فقهية وفق المذهب الإسماعيلي. أما كتابه “دعائم الإسلام” فكان من أهم مراجع المذهب الإسماعيلي، وكذلك بالنسبة لكتابه “المجالس والمسايرات”.

5 ـ الأزهر بعد الفاطميين:
عندما تولى صلاح الدين الأيوبي الوزارة في عهد الخليفة العاضد 566هـ 1170م، عمل على القضاء على مذهب الفاطميين، ونشر المذهب الشافعي، فأنشأ المدارس التي راحت تسحب البساط من تحت الجامع الأزهر، ومع انهيار الخلافة الفاطمية عام 567هـ 1171م، انحسر دور الأزهر تماماً، وتعطلت فيه صلاة الجمعة نحواً من قرن 567 ـ 665هـ/ 1169 ـ 1276م، حتى لحقه الخراب والتصدع، إلى أن قام الأمير عز الدين أيدمر الحلي في عهد الملك الظاهر بيبرس بإعادة إعماره وإصلاحه، وبعد جهد استطاع هذا الأمير إقامة صلاة الجمعة في الأزهر في 18 ربيع الأول سنة 665هـ، فعاد للأزهر ألقه، وعادت الدروس تلقى في جنباته كما كان سابقاً، لكن هذه المرة كمركز ومنارة للمذهب السني، وعُيّن له إمام، وأذيعت منه الأخبار والقرارات الهامة التي تخص العامة.

وفي مستهل القرن التاسع الهجري، اتخذ طلاب من العجم والمغاربة وأهل ريف مصر الأزهر مسكناً لهم، حيث أقام كل فريق منهم في مكان خاص سمي فيما بعد “رواقاً”، فانتعش الأزهر، لكن هذا الانتعاش لم يلبث أن خف بعد أن منع المبيت فيه، ومع انهيار دولة المماليك الثانية أواخر القرن التاسع الهجري تراجع دور الأزهر كثيراً لكنه بقي في مركز الزعامة بين المعاهد الإسلامية في مصر.

وعندما دخل العثمانيون مصر سنة 923هـ/ 1517م، حملوا أنفس ما في مصر من تراث علمي وعلماء ومهرة وفنيين إلى اسطنبول، فأصاب الأزهر بعض الركود، رغم أن السلطان سليم عندما دخل القاهرة وأقام فيها ثمانية أشهر أغدق العطايا على الجامع الأزهر. وبسبب عناية الأتراك العثمانيين بالأزهر لم يلبث أن انزاح عنه ركوده، وبقي الأزهر ملاذاً لطلاب العلم من كل أرجاء العالم الإسلامي.

6 ـ وظيفة شيخ الأزهر:
في العصر الفاطمي كان يطلق على من يتولى شؤون الأزهر اسم “المشرف”، وفي العهد المملوكي كان يسمى “الناظر”، أما لقب “شيخ الأزهر” فلم يظهر إلا في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وكان أول من سمي بشيخ الأزهر الشيخ محمد عبد الله الخرشي أو الخراشي 1010ـ 1101ه/ 1601 ـ 1690م، وقد تولى مشيخة الأزهر سنة 1090هـ/ 1679م، وعمره ثمانون عاماً.

وتولى منصب شيخ الأزهر مجموعة من العلماء، قام بعضهم بإصدار القوانين الناظمة للتعليم في الأزهر على مر السنين، وكان من أهم هذه القوانين:

  • قانون عام 1885م، الذي وضعه شيخ الأزهر محمد المهدي العباسي، وقضى بأن يمتحن من يريد التدريس بالأزهر بأحد عشر علماً من العلوم الشرعية والعربية، امتحاناً شفهياً وعملياً.
  • ومنها قانون عام 1896م، الذي وضعه شيخ الأزهر حسونة النواندي، وعاونه فيه الشيخ محمد عبده، حيث أدخل العلوم الحديثة مثل الحساب والجبر والهندسة والجغرافيا والتاريخ إلى الأزهر، ووضع شروطاً لقبول الطلاب للدراسة في الأزهر، كما أنشأ هذا القانون “شهادة الأهلية” ينالها خريج من الأزهر قضى ثماني سنوات فيه بعد امتحانه، و”شهادة العالمية” وينالها من أمضى في الأزهر اثنا عشر سنة على الأقل بعد امتحانه.
  • وفي قانون عام 1908م، نظمت الدراسة في الأزهر في ثلاث مراحل: أولى وثانوية وعالمية، ومدة الدراسة في كل مرحلة أربع سنوات.
  • أما قانون عام 1911م، فقد حدد اختصاص شيخ الأزهر، وأنشأ مجلس “الأزهر الأعلى” للإشراف على الأزهر، و”هيئة كبار العلماء”، ونظم شؤون الموظفين في الأزهر ليأخذ شكل مؤسسة رسمية قانونية.
  • وفي عام 1923م تم إنشاء مرحلة التخصص بعد مرحلة “العالمية” في التفسير والحديث والتاريخ والأخلاق والفقه والأصول والبلاغة والأدب والصرف والنحو والمنطق والتوحيد.
  • وفي عام 1930م صدر قانون تنظيم الدراسة في الأزهر، وأنشئت كليات أصول الدين والشريعة واللغة العربية، وهذا القانون يعتبر بداية ميلاد جامعة الأزهر الحالية.
  • وفي عام 1961م صدر القانون 103 الذي نظم الأزهر تنظيماً تاماً، وأُنشئ بموجب هذا القانون كليات جديدة فيه ككلية الطب والإدارة والهندسة والصناعات والقانون والترجمة. كما نظم شروط القبول في الجامعة، ونظم إدارة الأزهر وكل ما يتعلق به، وما يتبع له من مراكز ومعاهد ومدارس أزهرية باعتباره جامعة دينية علمية. وبموجب هذا القانون انتقل الأزهر من العالمية إلى المحلية، حيث حصر منصب شيخ الأزهر بمن كان مصرياً من أبوين مصريين مسلمين ولم يسبق له أن حاز جنسية أخرى، يصدر قرار تعيينه من رئيس الدولة مباشرة.
  • بعد ذلك صدرت تعديلات على قانون 1961م في الأعوام 2012م، 2013، 2014م، لم تكن ذات شأن في تطور الأزهر.

ثانياً ـ دور الأزهر في المجتمع[2]:
كان الأزهر في بدايته مركزاً لبث الدعوة الإسماعيلية، واقتصر دور العلماء فيه على تدريس العلوم ونشر المذهب، وإعطاء الدروس. وما يذكر عن إسهامات علمائه أنها كانت إسهامات علمية، عن طريق تأليف الكتب، والرد على الخصوم، وشرح عقائد المذهب. بالإضافة إلى قيامهم برحلات لنشر المذهب والدعوة إليه.

أما في العصر الأيوبي فقد تراجع دور الأزهر بسبب كثرة المدارس التي أنشأها الأيوبيون لتدريس المذاهب السنية، وخاصة المذهب الشافعي، وتأثرت نظم الأزهر ومنهاجه بنظم تلك المدارس ومناهجها، حتى صار نظامه كنظام المدارس التي انتشرت في العصر الأيوبي، ولم يتميز عنها بشيء كثير.

وعندما بدأ الأزهر باستعادة مكانته لم يقم الأيوبيون بالعمل على دعم الأزهر كما فعل الفاطميون قبلهم. وتذكر المصادر أن الأزهر استقطب في تلك الفترة بعضاً من مشهوري العلماء كابن حجر العسقلاني، والعلامة ابن خلدون اللذين درسا فيه. إلا أن مكانة الأزهر لم تقوَ وتتمكن إلا بعد ذلك في زمن المماليك.

1 ـ أثر الأزهر في العصر المملوكي:
يقول ابن خلدون في مقدمته: “نحن لهذا العهد نرى أن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصر لما أن عمرانها مستبحر وحضارته مستحكمة منذ آلاف من السنين فاستحكمت فيها الصنائع وتفننت ومن جملتها تعليم العلم”[3].

فقد كانت القاهرة مركز العلم بعد أن سقطت معظم الحواضر الأخرى بيد المغول أو الصليبيين. وقد زاد النشاط العلمي للأزهر، وأصبح جاذباً لكبار العلماء والطلاب من كل حدب وصوب.

لكن هناك ملاحظة دقيقة من الواجب الانتباه لها، وهي أن المماليك لم يهتموا بالعلم والتعليم والأزهر خاصة، بناء على خطة علمية كانوا يسيرون عليها، لنهضة البلاد، بل إنهم كانوا ينظرون للعلم والإنفاق عليه كباب من أبواب العمل الخيري، الذي يجلب لهم الذكر الحسن، ويحفظ مستقبل أولادهم، وهذا ما أكده ابن خلدون في مقدمته حيث يقول: إن “أمراء الترك في دولتهم يخشون عادية سلطانهم على من يتخلفونه من ذريتهم، لما له عليهم من الرق أو الولاء، ولما يخشى من معاطب الملك ونكباته. فاستكثروا من بناء المدارس والزوايا والربط ووقفوا عليها الأوقاف المغلة يجعلون فيها شركاً لولدهم، ينظر عليها أو يصيب منها، مع ما فيهم غالباً من الجنوح إلى الخير والصلاح والتماس الأجور في المقاصد والأفعال. فكثرت الأوقاف لذلك وعظمت الغلات والفوائد، وكثر طالب العلم ومعلمه بكثرة جرايتهم منها، وارتحل إليها الناس في طلب العلم من العراق والمغرب ونفقت بها أسواق العلوم وزخرت بحارها”[4].

وبعد الغزو المغولي لبغداد سنة 656هـ/ 1258م، اضطر كثير من العلماء للهجرة والهرب، فكانت مصر مقصدهم، فكان لهذا التلاقح أثره على العلماء المسلمين سواء المصريين منهم أم غيرهم من علماء باقي الأمصار، مما أدى لنهضة علمية كبيرة.

ويكفي أن نذكر أن من العلماء الذين قصدوا مصر في تلك الفترة العز بن عبد السلام، الذي بقي في مصر اثنا عشر عاماً حتى وفاته سنة 660هـ/ 1261م. وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية الذي بقي في مصر سبع سنوات، خلال الربع الأول من القرن الثامن الهجري، وأصدر هناك كثيراً من الفتاوى التي يذكر المؤرخون أنها بلغت ثلاثين مجلداً.

لقد كان الأزهر في ذلك الوقت مركزاً لنشر الثقافة الإسلامية، كما أن كثيراً من المدارس التي أنشأها المماليك أُلحقت بالأزهر، مما جعل له مكانة عظيمة في العالم الإسلامي.

وكان يُدرّس في الأزهر في ذلك الوقت العلوم الشرعية والنقلية، فدُرِّست أمهات الكتب في الحديث والتفسير والمنطق والاجتماع والتصوف. ومنذ القرن الثامن الميلادي تبوّأ الأزهر مركز الزعامة الفكرية في العالم الإسلام، وحظي علماؤه بالنفوذ والجاه، وشغلوا وظائف القضاء العليا، وكانوا يؤثرون أحياناً في سياسة الدولة العليا، وبلغ هذا التأثير ذروته في القرن التاسع الهجري.

2 ـ نظام الأروقة في الأزهر وأثره الاجتماعي:
ظهر نظام الأروقة في الجامع الأزهر في أيام المماليك. ومع كثرة الوافدين للأزهر، واستقلاله مادياً عن الدولة، حيث كان الإنفاق عليه يتم عبر الأوقاف التي أوقفها العامة والأمراء عليه، كان لكل رواق شيخ ينتمي غالباً للمقيمين في الرواق من الفقراء والمجاورين وطلبة العلم، هذا الشيخ كان من مدرسي الأزهر، وكان له سلطات كثيرة، فهو المسؤول الأول عن كل ما يتعلق بالمقيمين في رواقه، من عطايا ونظام ونظافة، ورعاية لشؤون الطلاب والمقيمين. كما أنه يُعيّن “ناظراً” على أوقاف رواقه، فيكون بذلك شيخاً مدرساً وإدارياً مالياً. أما عن طريقة اختيار شيخ الرواق فكان يجري من قبل المقيمين أنفسهم، حيث كانوا يجتمعون ويختارون واحداً يثقون به ليكون شيخ رواقهم. مما يعني أن الدولة لم يكن له أي تدخل في هذا التعيين.

ويبدو أن الإقامة في الأزهر كانت للفقراء والمنقطعين والأغراب، وقد وجد هؤلاء في الأزهر ملاذاً، حيث ينقطعون فيه لطلب العلم، والعبادة، ويكون لهم جراية من الأوقاف التي وقفت للأزهر.

وفي سنة 818هـ/1415م، ولي نظارة الجامع الأزهر سودوب القاضي، الذي أمر بإخراج المجاورين ومنعهم من الإقامة فيه، فكان لهذا أثر سيء على الفقراء والمساكين الذين كانوا يتخذون الأزهر مكاناً لإقامتهم وعيشهم[5].

ضم الأزهر أروقة كثيرة، فكان هناك رواق لأهل ريف مصر، ولأهل السودان، وللأتراك، ولأهل الشام، ولأهل مكة، ولأهل المغرب[6]. وقد نبغ من هؤلاء المقيمين كثير من العلماء الذين كان لهم أثر في بلادهم وفي مصر كذلك.

هذا النظام كان له أثره في المجتمع المصري، حيث زادت أوقاف الأزهر، وأصبح الأزهر ملاذاً للعامة إذا نزل في البلاد نازلة، فهو مركز العلم والعلماء الفقراء والمساكين، لذلك فقد كان الناس يلجؤون إليه في كل ما يعرض لهم من أزمات صحية أو تموينية.

كما كان الأمراء المماليك يستفتون علماء الأزهر في أمورهم وأمور بلادهم، وعندما تحدث جائحة كالطاعون مثلاً، يطلبون من العلماء الدعاء ويستشيرونهم ماذا يفعلون حتى يرفع الله البلاء عن البلاد.

والأمر نفسه عندما يحل في البلاد الجفاف أو تغمر مياه النيل الأراضي الزراعية، حيث يصبح الأزهر ملاذاً للناس للدعاء والابتهال وقراءة القرآن والتضرع إلى الله لرفع المصيبة التي حلت بهم.

كما كان لأوقاف الأزهر والأحباس التي وقفت عليه، وقد زادت بصورة كبيرة زمن المماليك، دور كبير في دعم مراكز النشاط الاجتماعي في مصر. حيث دعمت أوقاف الأزهر البيمارستانات والمدارس والمساجد، وكانت تقدم العون للمحتاجين والفقراء من عامة الناس، إضافة إلى رعاية طلبة العلم والعلماء، ورعاية الأيتام[7].

فكان الأزهر بأوقافه، يعمل عمل مؤسسة مدنية إغاثية تعليمية إرشادية، ضمن لها الوقف الاستقلال المادي، وضمن لها العلم الاستقلال الوظيفي، وحدَّ كثيراً من تدخل الأمراء والحكام في أعماله ونشاطاته، التي توسعت كثيراً، لكن ضمن نطاق المجتمع وفي ظل سياسة حكامه.

3 ـ دور الأزهر في زمن الأتراك:
رسّخ الأزهر مكانته الكبيرة في نفوس الناس في مصر وغيرها من بلاد المسلمين، وعند دخول العثمانيين مصر استغل ولاتهم هذه المكانة للأزهر ولعلمائه فكانوا يرجعون إليهم في مهام الأمور، وكلما حدث اضطراب أو ما يشبه الثورة الداخلية ضدهم من قبل العامة، كانوا يلجؤون للأزهر لتهدئة النفوس، وإخماد الثورات.

إلا أن الأزهر نفسه كان يقود بعض تلك الثورات الداخلية عندما يزداد جور الحكام، من ذلك ما ذكره الجبرتي عن أحداث جمادى الأولى سنة1191هـ/ 1777م، أن المغاربة المجاورين في الأزهر تحاكموا بشأن وقف لهم، وربحوا الدعوى، على خلاف ما يريده الأمير الحاكم. بعد ذلك حاول هذا الأمير القبض على شيخ المجاورين المغاربة وزجه في السجن، فأرسل من يقبض عليه، لكن الطلاب منعوا الجنود من ذلك ولجؤوا إلى شيخ الأزهر أحمد الدردير، الذي أرسل رسالة للأمير مع رجلين، فما كان من الأمير إلا أن قبض عليهما وسجنهما، مما دفع الشيخ الدردير للاعتصام في الأزهر مع علمائه وطلابه، ومنع الدروس والصلوات. وراح صغار الطلبة يدعون على الأمراء، مما دفع أهل الحوانيت القريبة لإغلاقها. ومع تطور الأمور خشي الأمير من تبعاتها، مما اضطره لإطلاق سراح من سجنهم، دون أن ينفذ طلباتهم كافة، مما أدى إلى مواجهات، ما لبث أن توسط الأمراء مع بعض مشايخ الأزهر لإيقافها، ونفذوا طلباتهم، وعاد الحق للمجاورين المغاربة[8].

وفي أحداث سنة 1209هـ/ 1795م، اعتدى أمراء على بعض فلاحي مدينة بلبيس بمصر فحضر وفد منهم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي وكان شيخاً للأزهر حينها. فما كان منه إلا أن توجه للأزهر وجمع المشايخ. وأغلقوا أبواب الجامع. وأمروا الناس بترك الأسواق والمتاجر فيما يشبه الإضراب العام. فأرسل لهم شيخ البلد من يفاوضهم ويرى طلباتهم، فأخبروه أنهم يردون العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات الضرائب.

وتحت ضغط الأزهر الذي قاد ثورة الشعب، قام الحكام العثمانيون بالاجتماع بعلماء الأزهر، واتفقوا معهم على رد ما اُغتصب من أموال، ووضعوا عن الناس بعض الضرائب، وأعلن الظالمون أنهم تابوا والتزموا بما اشترطه عليهم العلماء. وكان قاضي القضاة حاضراً. فكتب على الأمراء وثيقة أمضاها الوالي العثماني وشيخا البلد[9].

لم يكن باستطاعة الحكام العثمانيين التدخل في شؤون الأزهر، لما يملكه علماؤه من نفوذ لدى العامة، ولذلك فإنهم كانوا يستميلونهم، ولا يجرؤون على معاندتهم، وكان علماء الأزهر في الوقت ذاته حريصين على عدم إثارة الناس إلا إذا تعدى الأمراء العثمانيون الخطوط الحمراء، وتجاوز ظلمهم حده الذي يمكن احتماله.

كما لم يسمح علماء الأزهر للأمراء بالتدخل في فتاوى الأزهر وشيوخه وقد ذكر الجبرتي بعض تلك الحوادث ومنها: أن أحد الفقهاء والقضاة المالكية وهو الشيخ حسن الجداوي حكم بجواز طلاق زوجة من زوجها بسبب غيابه الطويل على رأي مشهور في المذهب المالكي، وعندما جاء الزوج ذهب إلى أحد كبار رجال الحكم والسياسة في ذلك العصر، وهو الأمير يوسف الكبير، الذي جاء بعم الفتاة المطلقة الذي سعى في تطليقها، وهو أحد شيوخ الأزهر فأهانه وسجنه، فلما علم أحد كبار مشايخ الأزهر من المالكية وهو الشيخ علي الصعيدي بذلك، ذهب إلى الأمير، وتحدث معه بشأن الشيخ المسجون، وتلاسن مع الأمير الذي صرخ بأنه سيكسر رأس الشيخ الجداوي الذي أفتى بالطلاق، وهنا قام الشيخ الصعيدي موبخاً الأمير وقال له: “لعنك الله ولعن السيرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك أميراً”، فتوسط بينهم الأمراء الحاضرون، وأُطلق سراح الشيخ، وخرج مشايخ الأزهر وهم يسبون الأمير وهو يسمعهم[10].

ويكفي أن نعرف أن شيخ الأزهر كان ينتخب بموافقة العلماء، لأرسخهم علماً، ولم يكن هناك أي تدخل في الأمر من قبل الولاة والأمراء، فولي مشيخة الأزهر خمسة من كبار الفقهاء المالكية، رغم سيادة المذهب الشافعي في مصر، ورغم أن المذهب الرسمي للأتراك كان المذهب الحنفي.

4 ـ الأزهر والاحتلال الفرنسي:
عندما دخل نابليون بونابرت مصر في صيف عام 1798م، حرص على إبراز سياسة إسلامية، أراد أن يستميل من خلالها المصريين، وتودد إلى مشايخ الأزهر، واستبقى لهم امتيازاتهم، وعلى رأسها نظارتهم للأوقاف، كما أمر حرس الشرف الذين يرابطون أمام مقر القيادة العامة للجيش الفرنسي في القاهرة بأن يؤدوا التحية العسكرية بالسلاح لعلماء الأزهر في حال قدومهم لمقر القيادة.

وكان يجلس معهم ويعقد معهم المناقشات، ويطلب منهم تفسيراً لبعض الآيات، وهذا كان يؤثر بالمشايخ، الذين يعودون للأزهر، وألسنتهم تلهج بالثناء على بونابرت، الذي اعتبر أن هؤلاء المشايخ قد أدوا خدمات كبيرة للفرنسيين[11].

وشكّل بونابرت “ديوان القاهرة” وهو أشبه بمجلس حكم، وكان من أعضائه مجموعة من علماء الأزهر، رأوا أن يكونوا صلة وصل بين الفرنسيين والشعب المصري، إلا أن هناك علماء من الأزهر رفضوا الانضمام لهذا الديوان واعتبروا من انضم له خائناً متعاملاً مع المحتل.

وعلى الرغم من كل ما قام به بونابرت، ومحاولاته لإظهار سياسة إسلامية فقد اندلعت الثورة ضد الفرنسيين في أكتوبر/ تشرين أول 1798م، وذلك بعد دخول الفرنسيين لمصر بثلاثة أشهر فقط، وكان اندلاعها من الأزهر نفسه.

وتكونت في الجامع الأزهر لجنة لقيادة الثورة بقيادة أحد علماء الأزهر المرموقين وهو الشيخ محمد السادات، الذي جمع إلى جانب علمه شرف النسب والانتساب. وضم المجلس مجموعة كبيرة من علماء الأزهر وطلابه. وراحوا يرتبون للثورة، واتصلوا بشيوخ الحرف كي يصدر شيخ كل حرفة أوامره لأفراد طائفته إما بإغلاق محلاتهم عند صدور أول إشارة أو بالامتناع عن العمل إن لم يكونوا من أصحاب المحلات، على أن يكون التجمع بالأزهر.

كما أوعز مجلس الثورة لمؤذني المساجد بتحريض الناس على الثورة مع كل أذان للصلاة، فكان المؤذنون يرفعون الأذان ويحضون الناس على الثورة، واصفين الفرنسيين بأنهم أعداء الله. وكان الأمر ذاته يجري في خطب الجمعة، حيث تذكر الخطب الجهاد وضرورة إخراج الفرنسيين من البلاد.

وفي مساء السبت 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1798م، اجتمع في الأزهر ثلاثون من أعضاء مجلس الثورة، وقرروا إعلان الثورة صبيحة اليوم التالي، بإغلاق الحوانيت والتجمع في الأزهر والمسير نحو القيادة العامة للجيش الفرنسي، والتظلم من التشريعات المالية كحجة لإشعال الثورة والتصادم مع الفرنسيين لطردهم من البلاد.

واشتعلت الثورة في القاهرة، وعلم نابليون بأن مركزها هو الجامع الأزهر، فنصب نابليون المدافع، وهدد بقصف القاهرة، وبالفعل فقد قام بونابرت بقصف الجامع الأزهر قصفاً مركزاً متواصلاً، حتى كاد الأزهر ينهار من شدة القصف، وقد احترقت المباني في حي الأزهر، ودفنت عائلات بأكملها تحت الأنقاض. واقتحم الفرنسيون الأزهر وبالوا وتغوطوا في أرجائه ومزقوا المصاحف والكتب وداسوا عليها، وكسروا خزائن الطلبة ونهبوها، وكان المصريون يظنون أن الفرنسيين لن يدخلوا الجامع لحرمته فوضعوا فيه أموالهم، وما يخافون عليه من كنوزهم ومدخراتهم الثمينة، والتي صارت كلها بيد الفرنسيين.

ولم يكتف الفرنسيون بكل هذا بل أمضوا ليلتهم في الجامع الأزهر وشربوا الخمر وسكروا، وكان ذلك في 22 ـ 23 أكتوبر/ تشرين أول 1798م، الموافق لـ12 و13 جمادى الأولى 1213هـ[12]. ولم ينهِ بونابرت انتقامه حتى أعدم بعض علماء الأزهر بصورة بشعة جداً، بعد أن حاكمهم محاكمة عسكرية، وقُدّر عددهم بـ13 عالماً[13].

كما أنه انتقم وعذّب وأهان عالم الأزهر الشيخ محمد السادات، الذي كان من زعماء ثورة القاهرة الثانية التي نشبت في 21 مارس/آذار 1800م، واستمرت ثلاثة وثلاثين يوماً، أخمدها الفرنسيون بالقتل والهدم والتنكيل. ونال الشيخ السادات الأذى الكثير من الفرنسيين لكنهم لم يقتلوه، غير أن صمود هذا العالم الأزهري، رغم كبر سنه، وما تعرض له من إذلال وتعذيب وتغريم على يد بونابرت ومن خلفه دفع بأحد طلاب الأزهر وهو سليمان الحلبي للتخطيط لقتل الجنرال كليبر، الذي خلف بونابرت بعد سفره إلى فرنسا عام 1799م.

وفي يوم السبت 21 محرم 1215هـ الموافق لـ14 يونيو حزيران 1800م، استطاع سليمان تنفيذ مخططه، وقتل كليبر، فما كان من الفرنسيين إلا أن أعدموه مع أربعة من شيوخ الأزهر وطلابه، بحجة أن سليمان قد لبث في الأزهر شهراً قبل تنفيذ العملية، وهو ما يعني أنه خطط لعملية الاغتيال في الأزهر نفسه. ولأول مرة منذ ثمانية عقود ونصف يقرر شيخ الأزهر حينها، عبد الله الشرقاوي إغلاق الأزهر. وبالفعل تم إغلاقه في 28 محرم 1215هـ الموافق لـ21 يونيو/ حزيران 1800م، وظل مغلقاً زهاء سنة، حتى تم فتحه من جديد في 19 صفر 1216هـ الموافق لـ2 يوليو/ تموز 1801م[14].

ومع ذلك لم يستطع الفرنسيون الاستغناء عن علماء الأزهر، وأعادوا فتح “ديوان القاهرة” بعد أن عطلوه بضعة أشهر، إلا أن المصريين استمروا في مقاومتهم حتى اضطروا للخروج من مصر بعد خسائر كبيرة لحقت بهم، ولم يتركوا وراءهم إلا ذكريات من التخريب وتدنيس الجامع الأزهر والفتك بعلمائه.

5 ـ الأزهر ومحمد علي:
بعد خروج الفرنسيين من مصر، وعودة المماليك لحكمها، عمل علماء الأزهر على الوقوف مع محمد علي وتأييده، لأنهم كانوا لا يريدون حكم المماليك الظلمة، فحشدوا الشعب للتمهيد لنصرة محمد علي وتنصيبه والياً على مصر.

وكان على رأس علماء الأزهر حينها السيد عمر مكرم نقيب الأشراف، وشيخ الأزهر عبد الله الشرقاوي. وتم لهم ما أرادوا، وألبسوا محمد علي خلعة الولاية سنة 1805م، بعد أن اشترطوا عليه أن يحكم بمشورتهم، نظير مساعدتهم له.كما قام العلماء برفض إرادة الباب العالي العثماني عندما أراد تعيين والٍ آخر على مصر غير محمد علي، وثبتوا حكمه في البلاد.

وبالفعل كان محمد علي مدركاً لمدى نفوذ علماء الأزهر بين العامة، فكان يرجع إليهم في مهمات الأمور، وكان يجيبهم إلى طلباتهم التي تخص العموم، كالتخفيف من الضرائب وغير ذلك. وكان للعلماء دور كبير في تثبيت حكم محمد علي، وفي مقاومة الحملة الانجليزية عام 1807م بشكل تطوعي، وجهزوا حملة لصدها وجمعوا الأموال لنفقات الحرب، ودعوا إلى حفر خندق لحماية القاهرة، وعملوا فيه مع العاملين، حتى هُزم الانجليز شر هزيمة[15].

إلا أن محمد علي كان يميل إلى الحكم المطلق، وعندما اطمئن إلى تثبيت ملكه عمد إلى إزاحة كل من يقف في طريقه، وتم نفي عمر مكرم إلى دمياط سنة 1809م، وبقي هناك ثلاث سنوات، نقل بعدها إلى طنطا، ثم عاد إلى القاهرة في عام 1819م وبقي ملازماً بيته، لكن محمد علي لم يأمن له ونفاه مجدداً إلى طنطا حيث توفي سنة 1822م[16].

وكان مما ساعد محمد علي على التخلص من رقابة العلماء على حكمه، اختلاف علماء الأزهر فيما بينهم، حيث انقسموا فريقين، واحد يريد الشيخ محمد الأمير ناظراً على الأزهر، وحزب آخر مال إلى ناظر الأزهر السابق عبد الله الشرقاوي، فكان الفوز للشيخ الأمير، وهو ما سبب جفاءً وتحاسداً بين علماء الأزهر أنفسهم[17].

وحرم الأزهر في زمن محمد علي من التدخل في الشؤون العامة، ولم يحظ بالمحافظة على حقوقه وأرزاقه القديمة، وصادر محمد علي الأراضي التي كانت موقوفة للأزهر، مما ألحق أضراراً كبيرة بالأساتذة والطلاب، الذين قل عددهم زمن محمد علي بصورة ظاهرة.

6 ـ الأزهر وثورة عرابي:
بعد انتهاء حكم محمد علي لمصر ازداد النفوذ الأجنبي فيها، وزادت الاستثمارات الأجنبية، كما كان لمسألة القروض التي زادت بصورة كبيرة في زمن من أتوا بعده أثر كبير في تردي الوضع الاقتصادي، وزيادة النفوذ الأجنبي، مما مهّد لاندلاع الثورة.

واندلعت ثورة أحمد عرابي باشا في 9 سبتمبر/أيلول 1881 وشملت المدنيين من جميع فئات الشعب بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، والتدخل الأجنبي في شؤون مصر، ومعاملة رياض باشا الذي كان يرأس الوزارة حينها، القاسية للمصريين، فثار الشعب المصري مع الجيش بقيادة عرابي الذي أعلن مطالب الشعب للخديوي توفيق، واستجاب الخديوي تحت ضغط الثورة لمطالب الأمة، وعزل رياض باشا، وعهد إلى شريف باشا بتشكيل الوزارة، في 19 شوال 1298هـ الموافق 14 سبتمبر/ أيلول 1881م، وسعى شريف باشا لوضع دستور للبلاد، ونجح في الانتهاء منه وعرضه على مجلس النواب الذي أقر معظم مواده، إلا أن تدخل بريطانيا أزّم الأمور، وتقدم شريف باشا باستقالته في 2 من ربيع الآخر 1299هـ – 2 فبراير/شباط 1882م. وتشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، وشغل عرابي فيها منصب وزير الحربية، فأعلنت الدستور، وصدر المرسوم الخديوي به في 18 ربيع الأول 1299 هـ الموافق لـ7 فبراير/شباط 1882م. وسميت هذه الوزارة باسم وزارة الثورة لأنها حققت رضا الشعب والجيش كليهما[18].

وقف الأزهر إلى جانب عرابي في تحركاته، وشمله علماؤه برعايتهم وتأييدهم، مما كان له أكبر الأثر في تقوية نفوذه بين المصريين، لكن بريطانيا كانت تتحين الفرص للتدخل في مصر واحتلال البلاد، مستفيدة من حالة الاضطراب الموجودة، فاستغلت حادثة قتل وقعت من قبل أحد رعاياها للتدخل في مصر، وطلبت من الخديوي توفيق عزل عرابي، وتطورت الأحداث حتى قصفت الإسكندرية، وانحاز الخديوي للبريطانيين ضد شعبه، مما دفع شيخ الأزهر ومعه مجموعة من العلماء منهم الشيخ محمد عبده للاجتماع مع أعيان القاهرة، في وزارة الداخلية، وفي ذلك الاجتماع أفتى ثلاثة من كبار شيوخ الأزهر، وهم محمد عليش، وحسن العدوي، ومحمد أبو العلا الخلفاوي بمروق الخديوي عن الدين؛ لانحيازه إلى الجيش المحارب لبلاده. واستعدوا لمواجهة الغزو الانجليزي للبلاد في رمضان 1299هـ الموافق 22 يوليو/ تموز 1882م[19].

لسنا في وارد التفصيل لأحداث الثورة، لكننا نركز على دعم علماء الأزهر لعرابي، ووقوفهم معه في حربه ضد الانجليز، وشحن الهمم ونفوس العامة لمقاومة الانجليز وعدم الخضوع للخديوي المتآمر معهم. وتحمل علماء الأزهر مسؤولية هذا الموقف، وعندما أخفقت ثورة عرابي، تم محاكمة كثير من شيوخ الأزهر معه وسجنوا، ومنهم الشيخ عليش والشيخ حسن العدوي والشيخ أبو العلا الخلفاوي وغيرهم، ومعهم كذلك الشيخ محمد عبده[20].

7 ـ الأزهر في العصر الحديث:
لم يتوقف علماء الأزهر وطلابه عن مقاومة الاحتلال الانجليزي، وفي عام 1919م، خرج طلبة الأزهر في مظاهرات ضد الاحتلال الانجليزي، وكان الأزهر مركزاً لتجمع الناشطين من كل فئات الشعب.

وكما فعل الفرنسيون حين قصفوا الأزهر ودنسوا حرماته، فقد قام الانجليز باقتحام الجامع الأزهر، مما دفع العلماء إلى الاحتجاج على هذا التصرف، وكتبوا رسالة شديدة اللهجة، وأرسلوها إلى الملك فؤاد، وإلى رئيس مجلس الوزراء والمندوب السامي الانجليزي. كما أصدروا بياناً طالبوا فيه بخروج القوات الانجليزية من مصر، وبإعلان استقلال مصر.

وشارك الأزهر في جميع الحركات الوطنية في مصر، وحين قامت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952م، باركها الأزهر، ودعا المواطنين إلى دعمها. وفي عام 1956م، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر، صعد الرئيس المصري جمال عبد الناصر منبر الأزهر، وأعلن منه الجهاد المقدس ضد الغزاة المعتدين، مما ألهب مشاعر المصريين فهبوا لتلبية الدعوة ودحر العدوان[21].

وفي ثورة يناير/ كانون الثاني 2011م، وقف الأزهر بداية موقف الرافض للثورة، وأصدرت مشيخة الأزهر بياناً للشباب من أجل “التعقل”، وأن هذه “الأحداث يراد بها تفتيت مصر وتصفية حسابات وتنفيذ أجندات خارجية”[22]. لكن الأزهر ما لبث أن أيّد الثورة بعد نجاحها وتنحي الرئيس المصري حسني مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011م[23].

ثالثاً ـ مدى استقلال الأزهر عن الحكام[24]:

1 ـ الأزهر استقلال وارتباط:
وجدنا من خلال البحث أن جوهر الصقلي عندما بنى الأزهر، اتخذه الفاطميون مركزاً لنشر دعوتهم، فكان هذا المكان الديني ممثلاً لمذهب الدولة الحاكم، في توافق كامل بين علمائه وأمرائه. لكن مع ذلك كان هناك احترام وتقدير كبيرين للعلماء من قبل الأمراء، وتقدير لأعمالهم، وإعطائهم الحرية والمكانة والنفوذ.

وفي عهد الأيوبيين، وتراجع دور الأزهر، الذي طاله الإغلاق لمدة قرن من الزمان، كونه كان ممثلاً للفاطميين كما قلنا، كان إغلاقه وتهميش دوره، دلالة على مدى ارتباطه بسياسة الدولة الفاطمية، مما أدى لتنحيه مع تنحيها. ولكن الأزهر،لم يكن مؤسسة سياسية فقط، بل كان مؤسسة دينية تعليمية، وهو ما أعاده من جديد للواجهة والريادة، وأعطاه القدرة على البروز من جديد في الساحة العامة للبلاد.

وقد تبيّن معنا مدى اهتمام المماليك بالأزهر، ومدى احترامهم لعلمائه، وكيف حاز على استقلالية سواء من جهة تعيين ناظر الأزهر، أو من خلال تحكمه بموارده الاقتصادية، التي كانت تدرها الأوقاف والأحباس التي حبست للإنفاق عليه وعلى طلابه وعلمائه.

ورغم ما أصاب الأمة عامة في ذلك الزمان من تفكك وضعف، بقي الأزهر متمتعاً باستقلالية، ونفوذ بين الناس، مما كان يجبر الحكام على توخي الحذر في التعامل معهم، خشية تأليب العامة عليهم.

وتروي كتب التاريخ حوادث حصل فيها تصادم بين علماء الأزهر والأمراء،لم يستطع فيها الأمير إنفاذ رغبته، في إجبار علماء الأزهر على تغيير موقفهم من فتوى قدموها أو رأي نشروه، رغم استخدامه لوسائل الإرهاب والترهيب لهم، كونهم كانوا يعتبرون أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

من ذلك ما ذُكر عن سلطان مصر قانصوه الغوري الذي تولى حكم مصر سنة 906هـ/ 1501م، حيث أراد إقامة حد الزنا على رجل اعترف بارتكاب الفعل، ثم تراجع عن اعترافه، فكانت فتوى علماء الأزهر أنه لا يُقام الحد عليه لتراجعه عن الاعتراف، ورغم بطش قانصوه الغوري لم يتراجع علماء الأزهر عن فتواهم، وتذكر الروايات أن قانصوه ضرب بعضهم وصادر أموال آخرين ونفى آخرين، لكنهم لم يتراجعوا عما أفتوا به، ولم يخضعوا لرغبة سلطان مستبد، أراد تنفيذ حكمه حتى لو خالف حكم الشرع[25].

ولم يتراجع نفوذ الأزهر بين العامة على مر تلك السنين، وخلال القرن الثامن عشر كان الإمام محمد الحفني الذي ولي مشيخة الأزهر ما بين عامي 1757 ـ 1767م، “قطب رحى الديار المصرية، ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطلاعه وإذنه”[26]كما يصفه الجبرتي.

ويمكن القول إن العلاقة بين الأزهر والأمراء حتى ذلك الوقت كانت علاقة يسودها التفاهم بين الجانبين، فالأزهر خاضع لسلطة ولي الأمر، يهتم بالعلم والتعليم، وتقديم الفتاوى والأحكام الشرعية بين الناس، لكنه لا يسكت عن ظلم الأمراء إذا استفحل بصورة كبيرة، ورأينا كيف كان علماء الأزهر يعتصمون ويحرضون الناس على العصيان إذا وقع خلاف مع مسؤولي الدولة، حتى يُحل الأمر بصورة ترضيهم. وفي الوقت نفسه فإن الأمراء كانوا يحترمون علماء الأزهر احترامهم للدين الإسلامي الذي يحكمون الناس وفق شرائعه، حتى إذا أراد أحدهم إنفاذ رغبة ضد الدين وجد مقاومة، يخشى معها من تأليب العامة عليه، واضطراب الأمور بين يديه، فكان بحاجة لالتزام الحذر، وتقدير الأمور حق قدرها قبل القيام بأي خطوة قد تكون تبعاتها عظيمة عليه.

2 ـ مداهنة ومقاومة:
كان الأزهر كما مرّ معنا قائد المقاومة للمحتل الفرنسي، ولقي الأزهر وعلماؤه وطلابه الكثير من الأذى من الفرنسيين بسبب مقاومتهم لهم. غير أن موقف علماء الأزهر من الفرنسيين تراوح بين المداهنة والمقاومة، ويرى بعض الباحثين أن علماء الأزهر الذي قبلوا عضوية “ديوان القاهرة” الذي أنشأه نابليون بونابرت قد داهنوا الفرنسيين وتعاونوا معهم، وهم غير مجبرين على ذلك، فهذا الشيخ السادات رفض هذه العضوية منذ البداية، وكان قائد الثورة ضد الفرنسيين، ولقي منهم الأذى الكثير كما مر معنا.

لكن نظرة موضوعية للأحداث تمكننا من قراءة متفهمة لمواقف علماء الأزهر الذين قبلوا بتلك العضوية، فهم كانوا يرون أن من واجبهم عدم ترك البلاد بيد الفرنسيين، ورأوا أن المشاركة بحكم البلاد، وعدم تركها لقمة سائغة بيد الفرنسيين سيدفع عن البلاد شراً كثيراً. ويدل على ذلك ما قاله شيخ الأزهر عبد الله الشرقاوي الذي قبل عضوية “ديوان القاهرة” قائلاً: “إن الشرائع المنسوبة إليهم [يقصد الفرنسيين] كناية عن قوانين وضعوها بعقولهم تناسب أهل زمانهم، ولذا جعلوا في مصر وقراها الكبار دواوين يدبرون ما يناسب أهل البلاد بحسب عقولهم. وكان في ذلك رحمة بأهل مصر، فإنهم جعلوا من جملة ديوانها جماعة من المشايخ وصاروا يراجعونهم في أشياء لا تليق بالشرع”[27].

وتابع مبيناً سبب رضوخ أهل مصر وعلماء الأزهر للفرنسيين بداية لـ”عجزهم عن مقاومتهم بسبب هرب المماليك الذين معهم آلات القتال، وأنهم عند قدومهم كتبوا كتباً وفرقوها في البلاد وذكروا فيها أنهم ليسوا نصارى، لأنهم يقولون إن الله واحد والنصارى تقول بالتثليث، وأنهم يعظمون محمداً ويحترمون القرآن، وأنهم يحبون العثمانيين، ولم يأتوا إلا لطرد المماليك الظلمة لأنهم نهبوا أموالهم وأموال تجارتهم، ولا يتعرضون للرعايا في شيء”[28].

غير أن الوقائع أثبتت لعلماء الأزهر هؤلاء قبل غيرهم، أن الفرنسيين مخادعون، فسلطة علماء الأزهر في “ديوان القاهرة” وغيره من تلك الدواوين، كانت مهمة استشارية فقط، ولم يكن لهم أي سلطة حقيقية، وكان أعضاؤه يعملون تحت المراقبة الفرنسية الدائمة. وقد استغلهم الفرنسيون في إصدار بيانات ومنشورات لتخدير العامة، ومطالبتهم بالهدوء والخضوع، وعدم الخروج عن الطاعة، وهذا الموقف المداهن من بعض علماء الأزهر، لم يعجب عامة الناس ولا علماء الأزهر وطلابه الذين قاموا بالثورة ضد الفرنسيين، واضطروهم في نهاية الأمر للخروج من البلاد[29].

3 ـ تحجيم دور الأزهر:
عمل محمد علي على لجم نفوذ علماء الأزهر، وبعد أن ساعدوه على توطيد حكمه في مصر، كما رأينا، عمل على إبعادهم عن السلطة، وحد من نفوذهم، ومنعهم من المشاركة معه في حربه ضد الانجليز في إبريل/ نيسان 1807م، وقال لهم: “ليس على رعية البلد خروج، وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر”[30].

كما حدّ من وسطاتهم، وأغلظ لهم بالقول عندما طالبوه بتخفيف الضرائب عن الناس، حتى عمل، مستفيداً من خلافات حاصلة بين علماء الأزهر أنفسهم، على تهميش علماء الأزهر تهميشاً كبيراً، وخصوصاً بعد نفي عمر مكرم. كما قام بمصادرة أراض الوقف، وفرض الضرائب على الأحباس التي كانت موقوفة لطلاب العلم والعلماء، مما حدّ كثيراً من قدرة الأزهر ودوره الاجتماعي الذي كان يقوم به، من خلال الإنفاق على طلبة العلم والمحتاجين من الناس[31].

كان محمد علي الذي قاد نهضة كبيرة في مصر، لا يحب أن يشاركه في حكم مصر أحد، لذلك استطاع بدهائه الانفراد بالسلطة، وتحجيم دور علماء الأزهر، إلى حد إلغاء زعامتهم الشعبية، وبعد نفي عمر مكرم، لم يقف في وجهه أحد، وراح يتصرف كما يشاء.

وكان لسياسة محمد علي في إنشاء المدارس على النمط الغربي، أثرها على الأزهر الذي بقيت مناهجه قديمة لا تلبي متطلبات العصر، وبقي مكاناً لتخريج علماء الدين، الذين اقتصر دورهم في الحياة العامة على قراءة القرآن في المآتم وإبرام عقود الزواج والطلاق، وغيرها من الأمور التي لا تؤثر في سياسة الدولة، مما ألصق صفة الجمود بالأزهر، ورسّخ في العقول أن التعليم الديني جامد، ولا مستقبل له، ولا يوصل صاحبه للمكانة العليا في بناء الحضارة[32].

ومع ظهور محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني، بدأت حركة جديدة في الأزهر، تحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، وتحاول تدارك الفروق التي راحت تظهر بقوة وتؤثر على نفوذ الأزهر وفاعليته في البلاد.

4 ـ قوانين التحكم بالأزهر:
كان استقلال الأزهر هو المعين للعلماء على القيام بمهامهم في المجتمع، وهو ما كان يتيح لهم التدخل في الشؤون العامة، وهذا الاستقلال كان يعتمد على عاملين:

  1. الاستقلال المادي الذي ضمنته الأوقاف والأحباس.
  2. الاستقلال الإداري في تعيين شيخ الأزهر ونظّار أروقته.

وبعد فشل الثورة العرابية، ومحاكمة علماء الأزهر الذين أيدوها، عمل الانجليز على إقرار قوانين تحد من استقلالية الأزهر المادية، وبعد إعلان الوصاية الانجليزية على مصر عام 1914م، عرض المستشار المالي للحكومة المصرية، وهو من رجال سلطة الاحتلال، على شيخ الأزهر سنة 1915م، تقديم خمسة آلاف جنيه، بدلاً من ثلاثة آلاف جنيه، هي حصيلة أوقاف الأزهر، على أن تزيد الحكومة المصرية كل عام بالمقدار الذي يحتاجه الأزهر، مقابل أن تشرف الحكومة على أوقاف الأزهر، وهو ما وافق عليه شيخ الأزهر دون أن ينتبه إلى ما فيه من مساس باستقلالية الأزهر. وبهذا القانون تم سحب إشراف الأزهر على أوقافه، وربطه بما تجود به الدولة[33].

وقد أكملت ثورة يوليو/ تموز 1952م مهمة القضاء على استقلال الأزهر مادياً عندما أصدرت في 23 ذي الحجة 1371هـ الموافق لـ14 سبتمبر/ أيلول 1952م قانون إلغاء الوقف الأهلي، والذي نص على منع إنشاء وقف أهلي جديد، وحل الوقف الأهلي الموجود وتقسيم أعيانه على مستحقيه.

وفيما يتعلق بتعيين شيخ الأزهر ففي سنة 1911م، صدَر قانون الأزهر الذي أسَّس لهيئة كبار العلماء، ثم تغيَّر اسمها فيما بعدُ إلى”جماعة كبار العلماء”، وكانت تتكوَّن من ثلاثين عالماً مِن كبار علماء الأزهر، واشترط القانون المذكور أن يكون ترشيح شيخ الأزهر مِن بين أعضاء هذه الهيئة[34]، ولم يتم تجاوز هذا الأمر إلا في عهد الملك فاروق، عندما عيّن بنفسه الشيخ مصطفى عبد الرازق في مشيخة الأزهر رغم أنه لم يكن عضواً في جماعة كبار العلماء[35].

وعلى الرغم من تدخل الملك في تعيين شيخ الأزهر بطرق مختلفة بعد عام 1911م، إلا أنه قانونياً لم يكن قادراً على ذلك لأن الدستور لا يتيح له هذا، وكان من علماء الأزهر من بقي عنده قدرة على مجابهة الحكام، من ذلك أنه بعد إعلان كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية في مارس/آذار عام 1924م، أصدر علماء الأزهر بياناً أبطلوا فيه ما أعلنه الكماليون، وحاول الملك فؤاد حينها استغلال الموقف، وطلب من علماء الأزهر إعلانه خليفة للمسلمين، لكن الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي الذي تولَّى مشيخة سنة 1335 هـ حتى سنة 1347هـ، عارض ما أراده الملك لأن مصر لا تصلح داراً للخلافة لوقوعها تحتَ الاحتلال الإنكليزي، وقد صدر في زمنه قانون يقيد سلطة الملك في تعيين شيخ الأزهر[36].

ومع صدور القانون 103 عام 1961م أصبح تعيين شيخ الأزهر لا يتم إلا بقرار من رئيس الدولة واختياره، حيث ألغى “هيئة كبار العلماء”، وأنشأ “مجمع البحوث الإسلامية”، الذي يتكوَّن من خمسين عضواً على الأكثر، مِن بينهم عشرون عضواً مِن كبار علماء المسلمين غير المصريِّين، وصار شيخ الأزهر يُعيَّن قانوناً مِن بين أعضاء هذا المجتمع بقرار من رئيس الدولة وباختياره. وهو ما قضى على استقلال الأزهر قضاءً مبرماً[37].
بالإضافة إلى أن هذا القانون عمل على تمصير الأزهر، وقضى على عالميته، بعد أن وضع شرطاً لشيخ الأزهر أن يكون مصرياً من أبوين مصريين مسلمين، وألا يكون قد اكتسب جنسية أية دولة أخرى في أي وقت من الأوقات. وكان آخر شيخ للأزهر لم يحقق هذا الشرط هو محمد الخضر حسين التونسي، الذي اضطر للاستقالة من منصبه عام 1954م، أي قبل صدور هذا القانون.

5 ـ خضوع الأزهر للسلطة:
منذ أن فقد الأزهر ريادته الاجتماعية، واستقلاله المادي والسيادي، أصبح خاضعاً بصورة كاملة لسلطة الدولة المصرية، وصار مؤسسة من مؤسسات الدولة لا تخرج عن طاعة الحاكم، ولا تصدر فتوى لا يرضى عنها.

ومنذ ثورة يوليو/ تموز 1952م، أصبح الأزهر يسير مع سياسات الدولة، وعندما يحدث تعارض ما، كان الخاسر هو شيخ الأزهر الذي إن لم يوافق على المطلوب منه، يقدم استقالته مؤثراً السلامة.

فالشيخ محمد الخضر حسين الذي اعترض على قرار قيادة الثورة بإلغاء المحاكم الشرعية وضمها للمحاكم العامة، مع إلغاء كل القوانين المتعلقة بترتيبها واختصاصها، وإلحاق دعاوى الأحوال الشخصية والوقف والولاية إلى القضاء العادي، وذلك في 4 صفر 1375هـ الموافق لـ21 سبتمبر/أيلول 1955م، اضطر للاستقالة من منصبه قبل صدور القانون، في 7 يناير/كانون الثاني عام 1954م، لأنه لم يستطع منع ذلك، على الرغم من تأييده لثورة يوليو التي قال عنها: إنها “أعظم انقلاب اجتماعي مر بمصر منذ قرون”[38].

ومع تولي عبد الرحمن تاج مشيخة الأزهر عام 1954م، أصبحت الفتاوى متناسبة تماماً مع ما تريده السلطة، فقد أفتى لجمال عبد الناصر بسريان عقوبة التجريد من المواطنة على من يتآمر ضد بلاده، قاصداً بذلك محمد نجيب الذي أراد عبد الناصر تنحيته، ونشرت هذه الفتوى في صحيفة الأهرام في 17 فبراير/ شباط عام 1954م. وكذلك هاجم الإخوان المسلمين عن طريق بيانه الذي حمل عنوان “مؤامرة الإخوان” ليمهد لعبد الناصر الطريق شرعياً للتنكيل بهم، وقد أتبعت جماعة “كبار العلماء” هذا البيان بتأييد لسياسات عبد الناصر اتهمت فيه الجماعة بأنها “تشوه الدين وحقائقه” وذلك في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1954م[39].

وفي زمن الرئيس محمد أنور السادات، أيد الشيخ عبد الحليم محمود مواقف السادات في خصوماته مع أعدائه، ولم يعارضه في زيارته لإسرائيل ولا في اتفاقه معها عام 1978م، وعندما عارض مسألة تبعية الأزهر لوزير شؤون الأزهر، استجاب السادات له، فصدر قانون عام 1975م، وصار بمقتضاه شيخ الأزهر على درجة رئيس وزراء من الناحية المالية، ويتبع رئاسة الوزراء إدارياً.

ونادى الشيخ عبد الرحمن بيصار 1979- 1982 بعدم معارضة الحاكم إلا في الأمور الجوهرية التي لم يحددها، وسعى إلى تجنيب مشايخ الأزهر أي صدام مع السلطة، بعد أن زجّ السادات بكل معارضيه في السجن عام 1981م[40].

وعندما استلم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق مشيخة الأزهر في الفترة ما بين عامي 1982 ـ 1996م، رفض التطبيع مع إسرائيل، رغم أنه أيّد معاهدة السلام حين كان يتولى الإفتاء قبل توليه منصب المشيخة، كما عارض فتاوى إباحة عائدات البنوك، ورفض توصيات المؤتمر الدولي للسكان[41]. لكنه لم يعارض السلطة الحاكمة، وكان لا يتدخل في سياسة مصر، ولا يجد أنه مضطر لإبداء تأييده لكل ما يصدره الحاكم، على النقيض من الشيخ محمد سيد طنطاوي الذي ولي مشيخة الأزهر في الفترة بين عامي 1996 ـ 2010م، وقد عُرف بمجاراته للسلطة السياسية، وصدرت عنه مواقف واضحة في كونه تابعاً لحكومة بلاده، لا يخرج عن قرارتها، وقد أقال بعض المفتين بسبب فتاوى عارضت سياسة الحكومة، واعتبر أن “الأزهر لا يتدخل في السياسة وسياسات الدول”. ومن هذا المنطلق أيد قرار فرنسا بمنع الحجاب عام 2004م، كما أفتى بجواز بناء الجدار العازل على الحدود بين مصر وغزة، وأفتى بعدم جواز إطلاق صفة شهيد على منفذي العمليات التفجيرية في إسرائيل، تلك الفتوى التي أطلقها طنطاوي في أوج اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000[42].

ولاقت مصافحته للرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس عام 2008م، احتجاجاً كبيراً في الأوساط المصرية والعربية والإسلامية، وهذا لم يثنه عن الجلوس معه مرة أخرى عام 2009م ضارباً بكل الاحتجاجات عرض الحائط، كونه ينفذ سياسات حكومته[43].

6 ـ الأزهر وثورات الربيع العربي:
من الطبيعي أن يكون موقف الأزهر، وقد صار تابعاً للسلطة، ومنفذاً لسياسة بلاده، موقفاً رمادياً من ثورة تونس، فهو لم يعلّق على الثورة، ولم يظهر موقفه من إبعاد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011م، كما لم يتخذ موقفاً واضحاً خلال أيام الثورة المصرية، التي اندلعت في 25 يناير/ كانون الثاني 2011م. واتخذ موقفاً يدعو للتهدئة، ودعا إلى لقاء ممثلين عن الشباب، مع الثقة الكاملة في “القيادة الرشيدة الحكيمة للرئيس مبارك والقيادات الأمنية”[44].

وفي يوم تنحي حسني مبارك 11 فبراير/شباط، وقبل إعلانه بساعات، صرح شيخ الأزهر أحمد الطيب للتلفزيون المصري الحكومي بأن المظاهرات غدت حراماً، حيث تحققت مطالب الميدان. وهو الموقف الذي برره بأنه كان يهدف لحقن الدماء.

ومنذ تنحي مبارك إلى انتخاب محمد مرسي، بعد ذلك بحوالي سنة ونصف ظهر الأزهر على الساحة السياسية، فأصدر “وثيقة الأزهر” في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2011م، وتتلخص في اعتبار المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمي، حقاً أصيلاً للشعوب، واستنكار إمعان الأنظمة في تجاهل المطالب المشروعة لتلك الشعوب بالحرية والعدالة والإنصاف.

كما أصدر الأزهر وثيقتين داخليتين، تهتمان بالشأن المصري الداخلي، وهما وثيقة مستقبل مصر التي صدرت في 19 يونيو/ حزيران 2011م، ووثيقة منظومة الحريات الأساسية وصدرت في 8 يناير/كانون الثاني 2012م[45].

وبعد انقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013م، الذي أزاح الرئيس محمد مرسي وزج به في السجن، هو ومجموعة كبيرة من جماعة الإخوان المسلمين، والمعارضين لحكم العسكر من الفئات والجماعات الأخرى، وقف الأزهر إلى جانب الانقلابيين وأيدهم، وجاء في كلمة لشيخ الأزهر أحمد الطيب: “إنه تبين أن مصر الآن أمام أمرين أحلاهما مر، وإن أشدهما مرارة هو صدام الشعب المصري وسيلان دمائهم في الشارع” وأنه نظراً للانقسام بين مؤيد لمرسي ومعارض له، فقد أيد الأزهر قرار الجيش المصري بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة[46].

ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم مازال شيخ الأزهر يقف بقوة إلى جانب عبد الفتاح السيسي، ويؤيد قرارات الحكومة الخاصة بسياسة مصر الداخلية والخارجية، بما فيها محاسبة الإخوان المسلمين ومحاكمة قياداتهم وعناصرهم.
وفيما يخص ثورات الربيع العربي في باقي البلدان، فقد كان موقف الأزهر يختلف باختلاف البلد الذي ظهرت فيه الثورة، ففي حين أيد الأزهر ثورة ليبيا التي اندلعت في 17 فبراير/ شباط 2011م، ببيان شديد اللهجة صدر في 26 فبراير/ شباط، واعتبر القذافي “غاصباً” فقد تأخر حديثه عن الثورة السورية التي اندلعت في 15 مارس/آذار 2011م، إلى أغسطس/آب 2011م، حيث أصدر بياناً طالب فيه “المسؤولين في سورية الشقيقة أن يرعوا هذا الشعب الأبي”، لكن بيانات الأزهر توالت فيما بعد وزادت حدتها دفاعاً عن الشعب السوري[47].إلا أن هذا الموقف سيطرأ عليه تغيرات فيما بعد.

ففي مؤتمر “مواقف علماء الأمة تجاه القضية السورية” الذي اختتم أعماله في القاهرة في 13 يونيو/حزيران 2013م، أعلن المؤتمر في بيانه الختامي ضرورة مقاطعة روسيا والصين، والدول الداعمة للنظام السوري اقتصادياً، والدعوة للجهاد في سورية. واعتبر المؤتمرون “ما يجري في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله اللبناني وحلفائهما الطائفيين، حرباً معلنة على الإسلام والمسلمين عامة”[48].

لكن هذا الموقف سيتغير تماماً فيما بعد، لنصل إلى تصريح لأحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أثناء زيارته لأندونيسيا في فبراير/ شباط 2016م، قال فيه إن “الحرب في سورية ليست بين السنة والشيعة بل بين أمريكا وروسيا”، مبيناً أن الشيعة والسنة أخوة ولم يعرف التاريخ أي خلافات بينهما[49].

هذا التغير في موقف الأزهر، تابع لتغير الأحداث في مصر، وتأييد الأزهر للرئيس عبد الفتاح السيسي، وتنحية أول رئيس منتخب في مصر محمد مرسي.

أما بخصوص الموقف من تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف إعلامياً بـ”داعش”، فقد قال شيخ الأزهر في لقاء له مع طلاب جامعة القاهرة: “داعش لا أستطيع أن أكفرها، ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض، فداعش تؤمن أن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالاً، فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألوم عليه الآن”.

وقال خلال اللقاء نفسه: إن داعش “صُنعت صنعاً لحاجة في نفس يعقوب، ومعنى في بطن الشاعر، وقد صار اللعب الآن على المكشوف، وظهر ما كان بالأمس مستخفياً وأصبحت هذه التنظيمات ألعوبة في يد من يحركها ويصنعها وتقوم بتجنيد الشباب مستغلة عدم معرفته بأمور دينه الصحيح”[50].

ولم يتناول الأزهر أحداث البحرين التي اندلعت في 14 فبراير/ شباط 2011م، إلا في بيان متأخر وجهه لقادة الخليج، صدر في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2011م، حذر فيه “الجميع من تطورات ليست في صالح أحد”.
ويمكن فهم موقف الأزهر من أحداث البحرين بحرصه على رضى المملكة العربية السعودية، وكون ثورة البحرين لها سمت طائفي يستتبعه حساسيات كثيرة[51].

ومن الملاحظ أن الأزهر لم يدخل في تفاصيل الثورات، ولا في أحكامها الشرعية، التي زادت الحاجة لبحثها، وخصوصاً مع نشوب الحروب والقتال الداخلي في بلدان الربيع العربي، بل كانت مواقفه عبارة عن بيانات، وتعليقات، ومؤتمرات، لم تنتج شيئاً ترك أثراً عند شعوب الربيع العربي، ولعل هذه النقطة بحاجة لتوسع ليس مجالها هذا البحث.

رابعاً: دعاوى إصلاح الأزهر[52]:

1 ـ الأزهر خارج النهضة:
كان الأزهر بمكانته وريادته، صورة عن المجتمع، فكان يزهو ويزدهر بازدهار المجتمع، وكان يخبو ويفتر بفتوره. وقد تراجع دور الأزهر في زمن العثمانيين، مع ضعف الدولة وظلم الحكام.

وعندما جاءت الحملة الفرنسية، أحدثت صدمة حضارية في مصر كلها، فبالإضافة إلى ما كانت تتركه تصرفات الفرنسيين ونسائهم على الحياة العامة، فإن الآلات التي جلبوها معهم، والعلماء الذين صاحبوا الحملة، كان لها أثرها على الأزهر نفسه[53].

وفي عصر محمد علي، رأينا كيف عمل على تهميش الأزهر وتحجيم دور علمائه، للحد من نفوذهم السياسي والاجتماعي، مما انعكس على تطوره ونهوضه، في وقت شهدت فيه مصر بداية نهضة كبيرة في ذلك الزمن.
وفي حين عمل محمد علي على الاستيلاء على أوقاف الأزهر، مما أدى إلى تراجع أعداد الطلبة، عمل أيضاً على افتتاح مدارس في فروع العلم المختلفة، دون أن يقوم بتحسين واقع العلوم في الأزهر، فهو لم يتدخل في مناهج الأزهر وما كان يُدرس فيه، لكنه في الوقت نفسه، لم يقدّم للأزهر ما يحتاجه من إمكانات للتطوير، وكان هدفه يتجه نحو تطوير ثقافة بعيدة عن الأزهر، إمعاناً منه في تهميش دور الأزهر في الحياة العامة[54].

وزاد ركود الأزهر في زمن من جاؤوا بعد محمد علي، كونهم ساروا على خطاه، فأهملوا الأزهر، وهمشوا علماءه، مما زاد في انعزاله وتقهقره، حتى صار كأنما هو خارج الزمان وتطوراته.

2 ـ الأفغاني ومحمد عبده وتطوير الأزهر:
لما وصل جمال الدين الأفغاني إلى مصر عام 1871م، التف حوله مجموعة من طلاب العلم والعلماء، وكان على رأسهم الشيخ محمد عبده، وتوسّعت مدرستهما، وضمّت كثيراً من النّبهاء من أبناء مصر والأمّة العربية. وانطلق تفكير محمّد عبده والأفغاني من قضيّة الانحطاط الدّاخلي، والحاجة إلى البعث الذّاتي، وكانا يشعران بوجود نوع من الانحطاط الخاصّ بالمجتمعات الإسلاميّة. ويعتبران أنّ العلاج اللّازم للخروج من الانحطاط يتمثّل بالعودة إلى الدّين الصّحيح، وإحياء التّاريخ العربيّ والإسلاميّ.

وكان لصلة محمد عبده بالخديوي عباس حلمي الثاني فائدتها، حيث أقنعه بضرورة إصلاح الأزهر، لأن في ذلك تقوية لمركزه، واقتنع الخديوي برأي الشيخ، وأصدر قراراً بتشكيل مجلس إدارة للأزهر، كان محمد عبده من أعضائه، مهمته إصلاح التعليم في الأزهر، وذلك عام 1895م، وتم إصدار عدة قوانين تنظم عملية التعليم في الأزهر، كما أدخلت علوم جديدة في مناهج الأزهر[55].

وتميز أسلوب محمد عبده في إصلاح الأزهر، بأنه عمل على خطة شاملة للإصلاح، من خلال تطوير مناهجه، وإدخال العلوم العصرية إليه، ومن خلال إصلاح علمائه وتثقيفهم ودعمهم مادياً وفكرياً، ومن خلال تنظيم إدارة الأزهر. وقد تركت تجربته في إصلاح الأزهر أثرها العميق، إلا أنه لم يستطع الوصول بالأزهر إلى ما كان يرجوه، ليكون رائد النهضة المجتمعية، وذلك بسبب صعوبات كبيرة واجهته[56].

3 ـ الأزهر وحرب الأفكار:
كان لمدرسة محمد عبده أثرها في عقول كثير من المفكرين المصريين والعرب، ومع انتشار موجة التغريب التي تبنى أصحابها الدعوة إلى نبذ القديم والاقتداء بالغرب بكل ما فيه، ظهرت أفكار كثيرة وكتب، كان للأزهر موقفه منها.

فعندما ظهر كتاب علي عبد الرازق، الأزهري، “الإسلام وأصول الحكم” عام 1925م، الذي تحدث فيه عن أن الإسلام لا علاقة له بالسياسة والحكم، داعياً إلى فصل الدين عن الدولة، اعتبره الأزهر أنه خرج على الأصول الّتي سُميّ بها عالماً شرعيّاً، وكان بها أهلاً للفتيا والقضاء، وقامت هيئة كبار العلماء في الجامع الأزهر بمناقشته، وحكمت بالإجماع بإخراجه من زمرة العلماء[57].

وعندما ظهر كتاب طه حسين، “في الشعر الجاهلي” عام 1926م، قابله علماء الأزهر برفع دعوى قضائية على طه حسين لما تضمنه كتابه في أفكار وآراء استنكرها علماء الأزهر، واتهمه بعضهم بالكفر، على الرغم من أن طه حسين نفسه كان من خريجي الأزهر، لكن المحكمة برأت طه حسين، وتم نشر الكتاب من جديد، لكن بعد حذف الأجزاء التي أخذها عليه علماء الأزهر[58].

وكان أول من وضع نواة رقابة الأزهر على الكتب والمنشورات، شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي الذي تولى مشيخة الأزهر مرتين: 1928 ـ 1930م وما بين عامي 1935 ـ 1945م، حيث أنشأ هيئة تراقب البحوث والثقافة الإسلامية والكتب التي تهاجم الدين[59]، ومن يومها توالت معارك الأزهر مع الكتّاب والمفكرين، حتى عصرنا الحالي، فيما يبدو أنه ما يمكن القدرة عليه، فالأزهر الذي لا يملك حولاً وقوة أمام السلطة، لا يستطيع تقديم فتوى لا ترضى عنها تلك السلطة، وكل ما يمكنه القيام به، هو نشر بيان بشأن هذا الكتاب أو ذاك، أو فتوى بمنع هذا الكتاب أو ذاك[60].

4 ـ دعاوى تجديد وإصلاح يفرضها الواقع:
لم تفلح محاولات الإصلاح في الأزهر التي قام بها محمد عبده، نتيجة الظروف التي مرّ بها بعد تأييده لثورة عرابي، ونفيه إلى بيروت، ثم سفره إلى باريس للعمل مع جمال الدين الأفغاني في تحرير مجلة العروة الوثقى. وكانت تلك المحاولات قد وضعت بذرة بدأت بالنمو لكنها ركدت من جديد. وكان لفترة الاستعمار وما تلاه من تسلط للحكام على الأزهر أثره في بقاء الأزهر مراوحاً مكانه، فلا هو بقي على القديم وحافظ عليه، ولا هو استطاع تطوير الجديد والاستفادة منه بالشكل المطلوب.

وجاءت قوانين إصلاح التعليم بالأزهر، لا لتعمل على دعم الأزهر وإصلاحه، بشكل فعلي وعملي، لكن لتعمل على تقنين الأزهر، والسيطرة عليه، حتى لا يخرج عن سلطة الحاكم، دون اهتمام حقيقي بما يقدمه الأزهر من علوم، تؤثر في مسيرة المجتمع، أو تساهم في نهضة الأمة ككل.

وبعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001م، في أمريكا، عملت الولايات المتحدة على تغيير مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي، التي حمّلتها وزر الإرهاب. واستجابة للضغوط، سارعت الدول الإسلامية لتغيير مناهجها، لتنفي عنها أي شبهة إرهاب، وتم تغيير مناهج التعليم الأزهري بكامله حينها، كما تم تغييرها مجدداً بعد استلام عبد الفتاح السيسي للسلطة.

من المؤكد أن تغيير المناهج ليس أمراً سيئاً، إذ إن الحاجة تكون متجددة لتطوير المناهج التعليمية، لتتماشى مع التغيرات الحاصلة في العالم، لكن من المؤكد أيضاً أن هذا التغيير إن لم يكن ناتجاً عن خطة، ودراسة فإنه سيكون مجرد حذف وقص لفقرات بعينها، لا يمثل حذفها أو قصها أو تعديلها تطويراً حقيقياً ناتجاً عن دراسة حقيقية للمنهج ككل، ومدى صلاحه ومواكبته لتغيرات العصر.

لقد كانت دعوات التطوير والتحديث في الأزهر، بعد ثوة يوليو 1952م، نابعة من فروض سلطوية، ولم يجد الأزهر فرصة حقيقية للتطوير إلا بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011م.

ففي 11إبريل/نيسان 2011، أصدر شيخ الأزهر أحمد الطيب، قراراً يحمل رقم 108، ينص على تشكيل لجنة قانونية برئاسة المستشار طارق البشري، وعضوية الدكاترة: محمد سليم العوا، عبد الله النجار، حامد أبوطالب، فؤاد محمد النادي، صابر عرب، ومحمد كمال الدين إمام. ونصت المادة الثانية من القرار على أن مهمة اللجنة إعداد مشروع قانون جديد للأزهر الشريف والهيئات التي يشملها، بما يحقق تطوير الأزهر ورسالته السامية.
إلا أن شيخ الأزهر ألغى قراره الأول بعد أربعة أشهر، وأصدر القرار رقم 285 بتاريخ 11 أغسطس/ آب 2011، عزل بموجبه المستشار طارق البشري والدكتور محمد سليم العوا والدكتور عبد الله النجار من عضوية اللجنة، وقرر تشكيل لجنة جديدة من 10 شخصيات لوضع قانون جديد للأزهر، عيّن نفسه رئيساً لها.

وذكرت وسائل الإعلام وقتها أن البشري عرض مشروع قانونه، الذي تضمن ضم جميع الهيئات الإسلامية الرسمية مثل دار الإفتاء والأوقاف للأزهر الشريف، وأن يكون شيخ الأزهر بالانتخاب، وهو ما رفضه شيخ الأزهر أحمد الطيب[61].

وبعد تنحية الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013م، إلى اليوم لم يظهر هذا القانون الجديد، ليكون بديلاً للقانون 103 لعام 1961م. وليس واضحاً إن كان سيظهر مثل هذا القانون أم لا، كون قانون 1961م، يحقق بشكل جيد المطلوب من حيث سيطرة الدولة على الأزهر وهيئاته.

خاتمة:
كان من الممكن أن يمثل الأزهر بمكانته التي اكتسبها عبر التاريخ، مركز المرجعية الكبرى للمسلمين في العالم، إلا أن هذه المؤسسة التي ولدت من رحم السياسة، تأرجح موقفها ومكانتها حسب الظروف التي مرت بها.

فالأزهر كان قادراً على تبوء مركز الصدارة في العالم الإسلامي بمقدار قدرته على أداء رسالته التعليمية والاجتماعية، وقدرته على مواجهة الساسة وتمثيل صوت العامة لمواجهة الظلم والعدوان.

وبتبعية الأزهر الكاملة للسلطة بعد ثورة يوليو 1952م، وإلغاء عالميته وتمصيره، فُتح الباب لظهور مرجعيات أخرى للمسلمين، كان بعضها على مستوى تنظيمي جيد كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي لم يأخذ مكانه الصحيح حتى اليوم، وبعضها الآخر لم يكن إلا عبارة عن تيارات دينية هشة عبّر عنها شيوخ الفضائيات، ومشايخ الموضة الذي أحدثوا فوضى عارمة في مجال الخطاب الديني، أوقعت كثيراً من المسلمين في شباك التطرف، سواء باتجاه التشدد الديني، أو الانحلال الخلقي.

ولعل حاجة المسلمين اليوم لمؤسسة كالأزهر، تستطيع أن تكون مرجعية لهم، ومكاناً يملك الإمكانات لمواجهة تحديات المرحلة، هي حاجة كبيرة، في ظل ظروف التخبط والضياع الفكري والسياسي الذي تعيشه كثير من البلاد الإسلامية. لكن لا يبدو، في المستوى المنظور على الأقل، أن الأزهر قادر على أن يؤدي هذه الرسالة، ليس على مستوى العالم الإسلامي، بل حتى على مستوى بلد الأزهر مصر نفسها.

مصادر ومراجع:

1 ـ أحمد بن المقريزي: اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، تحقيق: جمال الدين الشيال، القاهرة، وزارة الأوقاف، ط2، 1416هـ/ 1996م.

2 ـ حسن إبراهيم حسن: الفاطميون في مصر، القاهرة، المطبعة الأميرية، ط1، 1932م.

3 ـ سعيد إسماعيل علي: دور الأزهر في السياسة المصرية، كتاب الهلال، القاهرة، دار الهلال، العدد 431، صفر 1407هـ/ 1986م.

4 ـ سيد بن حسين العفاني: زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين، القاهرة، دار العفاني.

5 ـ شوقي عطا الله الجمل: الأزهر ودوره السياسي والحضاري في إفريقيا، القاهرة، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ط1، 1988م.

6 ـ عبد الرحمن الرافعي: الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي، القاهرة، دار المعارف، ط4، 1404هـ/1983م.

7 ـ عبد الرحمن الرافعي: عصر محمد علي، القاهرة، دار المعارف، ط5، 1409هـ/1989م.

8 ـ عبد الرحمن بن حسن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصرية، ط1، 1998م.

9 ـ عبد الرحمن بن خلدون: مقدمة ابن خلدون، تحقيق عبد الله محمد الدرويش، دمشق، ط1، 1425هـ/ 2004م.

10 ـ عبد الله الشرقاوي: تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الملوك والسلاطين، تحقيق: رحاب عبد الحميد القاري، القاهرة، مكتبة مدبولي، ط1، 1416هـ/ 1996م.

11 ـ عمار علي حسن: الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان، القاهرة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ط1.

12 ـ مجموعة مؤلفين: الأزهر تاريخه وتطوره، القاهرة، وزارة الأوقاف وشؤون الأزهر، ط1، 1383هـ/ 1964م.

13 ـ مجموعة مؤلفين: موسوعة تاريخ مصر عبر العصور، محمد جمال الدين سرور، مصر في عصر الفاطميين، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1993م.

14 ـ محمد عبد العزيز الشناوي: صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر، القاهرة، مطبعة دار الكتب، ط1، 1971م.

15 ـ محمد عبد العظيم الخولي: الأزهر الشريف في العصر المملوكي، القاهرة، دار الفكر العربي، ط1، 1433هـ/ 2012م.

16 ـ محمد فوزي عبد المقصود: الفكر التربوي للأستاذ محمد عبده وآلياته في تطوير التعليم، القاهرة، ط1.

17 ـ مجلة الزّهراء، القاهرة، العدد 2 صفر، 1344.

مواقع إنترنت

1 ـ إذاعة صوت العراق الحر: شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب: ما يجري في سوريا “صراع طائفي بغيض”، 13/6/ 2013، على الرابط:
http://www.iraqhurr.org/a/25016352.html
2 ـ أشرف صالح محمد: الأزهر الشريف والسلطة في مصر، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 283، إبريل 2014، على الرابط:

http://www.gocp.gov.eg/Thkafa/newsd.aspx?NewsId=668
3 ـبرلمانيون يطالبون بعزل شيخ الأزهر، الجزيرة نت، على الرابط:

http://goo.gl/ds53tn

4 ـ دور الأزهر الشريف في ظل الثورات العربية: مجلة الداعي الشهرية، ديويند، دار العلوم، السنة 36، العدد 1ـ 2، محرم – صفر 1433هـ/ديسمبر 2011م ـ يناير 2012م، على الرابط:

http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1327223613fix8sub1file.htm

5 ـ رفض إسلامي واسع لتصريحات شيخ الأزهر بشأن الحجاب، الجزيرة نت، على الرابط:

http://goo.gl/1FGNhH

6 ـ زياد أبو غنيمة، الإخوان المسلمون ثمانون عاماً من الصمود والتحدي، حلقة رقم 14، 15 / 8/ 2015م، على الرابط:

http://goo.gl/nlfX2m

7 ـ شيخ الأزهر: الحرب في سورية بين روسيا وأمريكا، الوفد، 23 فبراير/ شباط 2016م، على الرابط:

http://goo.gl/FsLgVC

8 ـشيخ الأزهر مجدداً: لا أستطيع تكفير داعش، العربية نت، 20 صفر 1437هـ/ 2 ديسمبر كانون الأول 2015م، على الرابط:

http://goo.gl/kK8Erl

9 ـالطيب يعزل البشري والعوا من لجنة الأزهر، الوفد، 2011، على الرابط:

http://goo.gl/gdzHQq

10 ـ عبد الرحمن أبو العلا: الأزهر والسلطة، الجزيرة نت، 25 ذو الحجة 1434هـ الموافق 30 أكتوبر/ تشرين أول 2013م، الرابط:

http://goo.gl/ht5hw1

11 ـ محمد وفيق زين العابدين: أثر منصب شيخ الأزهر في الحياة السياسية في الدولة، شبكة الألوكة، 23 ربيع الأول 1432هـ الموافق 27 فبراير/ شباط 2011، على الرابط:

http://www.alukah.net/culture/0/29929/

12 ـ معهد العربية للدراسات: الأزهر وثورة 25 يناير رصد توثيقي وقراءة موضوعية، 29 ذو القعدة 1433هـ الموافق لـ15 أكتوبر/ تشرين أول 2012، على الرابط:

http://www.alarabiya.net/articles/2012/10/15/243828.html

13 ـ هدى زكي ولؤي علي: في ذكرى تأسيسه الأزهر تاريخ طويل من المعارك بدأت مع طه حسين وانتهت بدعاوى تجديد الخطاب الديني، اليوم السابع، 23 يوليو/ تموز، 2015، على الرابط:

http://goo.gl/TI7Xlk

[1] ـ انظر: أحمد بن المقريزي: اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، تحقيق: جمال الدين الشيال، القاهرة، وزارة الأوقاف، ط2، 1416هـ/ 1996م، ج1، ص 102 وما بعد.

وانظر: حسن إبراهيم حسن: الفاطميون في مصر، القاهرة، المطبعة الأميرية، ط1، 1932م، ص 112 وما بعد.

وانظر: محمد عبد العظيم الخولي: الأزهر الشريف في العصر المملوكي، القاهرة، دار الفكر العربي، ط1، 1433هـ/ 2012م، ص 19 وما بعد.

وانظر: مجموعة مؤلفين: الأزهر تاريخه وتطوره، القاهرة، وزارة الأوقاف وشؤون الأزهر، ط1، 1383هـ/ 1964م، ص 3 وما بعد.

وانظر: شوقي عطا الله الجمل: الأزهر ودوره السياسي والحضاري في إفريقيا، القاهرة، الهيئة العامة المصرية للكتاب، ط1، 1988م، ص 11 ـ 16.

وانظر: مجموعة مؤلفين: موسوعة تاريخ مصر عبر العصور، محمد جمال الدين سرور، مصر في عصر الفاطميين، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1993م، ص 255 وما بعد.

[2] ـ انظر: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصرية، ط1، 1998م/ ج2 وج3.

وانظر: عبد الله الشرقاوي: تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الملوك والسلاطين، تحقيق: رحاب عبد الحميد القاري، القاهرة، مكتبة مدبولي، ط1، 1416هـ/ 1996م، ص 122 وما بعدها.

وانظر: محمد عبد العزيز الشناوي: صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر، القاهرة، مطبعة دار الكتب، ط1، 1971م، ص 54 وما بعد.

وانظر: عبد الرحمن الرافعي: عصر محمد علي، القاهرة، دار المعارف، ط5، 1409هـ/1989م، ص 31 وما بعد.

وانظر: سعيد إسماعيل علي: دور الأزهر في السياسة المصرية، كتاب الهلال، القاهرة، دار الهلال، العدد 431، صفر 1407هـ/ 1986م، ص 36 وما بعد.

وانظر: عبد الرحمن الرافعي: الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي، القاهرة، دار المعارف، ط4، 1404هـ/1983م، ص 82 وما بعد.

وانظر: محمد عبد العظيم الخولي: الأزهر الشريف في العصر المملوكي، ص 58 وما بعد.

[3] ـ عبد الرحمن بن خلدون: مقدمة ابن خلدون، تحقيق عبد الله محمد الدرويش، دمشق، ط1، 1425هـ/ 2004م، ج2، ص 170.

[4] ـ المصدر نفسه، الجزء نفسه، الصفحة نفسها.

[5] ـ انظر: مجموعة مؤلفين: الأزهر تاريخه وتطوره، ص 170.

[6] ـ للتوسع حول أروقة الأزهر انظر: المرجع نفسه، ص 171 ـ 173.

[7] ـ للاطلاع على أوقاف الأزهر وجهة صرفها انظر: المرجع السابق، ص 175 ـ 191.

[8] ـ انظر: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج2، ص 12 ـ 13.

[9] ـ انظر: المصدر نفسه، ج2، ص 389 ـ 390.

[10] ـ انظر: المصدر نفسه، ج2، ص 27 ـ 28.

[11] ـ انظر: محمد عبد العزيز الشناوي: صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر، ص 33 ـ 34.

[12] ـ انظر: المرجع السابق، ص 131 ـ 132. وانظر: عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج3، ص 41 ـ 43.

[13] ـ انظر: عبد الله الشرقاوي: تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الملوك والسلاطين، ص 122.

وانظر: محمد عبد العزيز الشناوي: صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر، ص 146.

[14] ـ انظر: مجموعة مؤلفين: الأزهر تاريخه وتطوره، ص 66. وانظر: محمد عبد العزيز الشناوي: صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر، ص 216 ـ 217.

[15] ـ للتوسع انظر: عبد الرحمن الرافعي، عصر محمد علي، ص 65 وما بعد.

[16] ـ للتوسع انظر: المرجع السابق، ص 84 ـ101.

[17] ـ انظر: المرجع السابق، ص 82 ـ 83.

[18] ـ للتوسع انظر: عبد الرحمن الرافعي: الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي، ص 295 وما بعد.

[19] ـ انظر: سعيد إسماعيل علي: دور الأزهر في السياسة المصرية، ص 165 ـ 168.

وانظر: عبد الرحمن الرافعي: الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي، ص 351 ـ 356.

[20] ـ انظر: عبد الرحمن الرافعي: الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي، ص 413 ـ 414.

وانظر: سعيد إسماعيل علي: دور الأزهر في السياسة المصرية، ص 176 ـ 177.

[21] ـ انظر: مجموعة مؤلفين، الأزهر تاريخه وتطوره، ص 79 ـ 87.

وانظر: شوقي عطا الله الجمل: الأزهر ودوره السياسي والحضاري في إفريقيا، ص 129 ـ 155.

[22] ـ بيان أصدره شيخ الأزهر حينها أحمد الطيب، ونُشر في وسائل الإعلام المصرية في 3 فبراير/ شباط 2011م.

[23] ـ انظر: معهد العربية للدراسات: الأزهر وثورة 25 يناير رصد توثيقي وقراءة موضوعية، 29 ذو القعدة 1433هـ الموافق لـ15 أكتوبر/ تشرين أول 2012، على الرابط:

http://www.alarabiya.net/articles/2012/10/15/243828.html

[24] ـ انظر: سيد بن حسين العفاني: زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين، القاهرة، دار العفاني، ج1، ص 467 ـ 525.

وانظر: عمار علي حسن: الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان، القاهرة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ط1، ص 153 وما بعد.

وانظر: عبد الرحمن أبو العلا: الأزهر والسلطة، الجزيرة نت، 25 ذو الحجة 1434هـ الموافق 30 أكتوبر/ تشرين أول 2013م، الرابط:

http://goo.gl/ht5hw1

وانظر: انظر: معهد العربية للدراسات: الأزهر وثورة 25 يناير رصد توثيقي وقراءة موضوعية، على الرابط:

http://www.alarabiya.net/articles/2012/10/15/243828.html

وانظر: أشرف صالح محمد: الأزهر الشريف والسلطة في مصر، مجلة الثقافة الجديدة، العدد 283، إبريل 2014، على الرابط:

http://www.gocp.gov.eg/Thkafa/newsd.aspx?NewsId=668

وانظر: محمد وفيق زين العابدين: أثر منصب شيخ الأزهر في الحياة السياسية في الدولة، شبكة الألوكة، 23 ربيع الأول 1432هـ الموافق 27 فبراير/ شباط 2011، على الرابط:

http://www.alukah.net/culture/0/29929/

وانظر: دور الأزهر الشريف في ظل الثورات العربية: مجلة الداعي الشهرية، ديويند، دار العلوم، السنة 36، العدد 1ـ 2، محرم – صفر 1433هـ/ديسمبر 2011م ـ يناير 2012م، على الرابط:

http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1327223613fix8sub1file.htm

[25] ـ انظر: سيد بن حسين العفاني: زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين، ج1، ص 473 ـ 475.

[26] ـ عبد الرحمن الجبرتي: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج1، ص 481.

[27] ـ عبد الله الشرقاوي: تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الملوك والسلاطين، ص 122.

[28] ـ المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

ولمزيد من الشرح حول موقف علماء الأزهر من الفرنسيين راجع: محمد عبد العزيز الشناوي: صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر، ص 195 ـ 213.

[29] ـ انظر: سعيد إسماعيل علي: دور الأزهر في السياسة المصرية، 116 ـ 117.

[30] ـ المرجع نفسه، ص 130.

[31] ـ انظر: عبد الرحمن الرافعي: عصر محمد علي، ص 84 وما بعد.

[32] ـ انظر: سعيد إسماعيل علي: دور الأزهر في السياسة المصرية، ص 150 ـ 156.

[33] ـ المرجع السابق، ص 46.

[34] ـ شوقي عطا الله الجمل: الأزهر ودوره السياسي والحضاري في إفريقيا، ص 22.

وانظر: محمد وفيق زين العابدين: أثر منصب شيخ الأزهر في الحياة السياسية في الدولة، على الرابط:

http://www.alukah.net/culture/0/29929/

[35] ـ انظر: سيد بن حسين العفاني: زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين، ج1، 487 ـ 488.

[36] ـ سعيد إسماعيل علي: دور الأزهر في السياسة المصرية، ص 277 ـ 284.

وانظر: عمار علي حسن: الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان، ص 165.

[37] ـ انظر: شوقي عطا الله الجمل: الأزهر ودوره السياسي والحضاري في إفريقيا، ص 26 ـ 35.

وانظر: محمد وفيق زين العابدين: أثر منصب شيخ الأزهر في الحياة السياسية في الدولة، على الرابط:

http://www.alukah.net/culture/0/29929/

[38] ـ عبد الرحمن أبو العلا: الأزهر والسلطة، على الرابط:

http://goo.gl/ht5hw1

[39] ـ زياد أو غنيمة، الإخوان المسلمون ثمانون عاماً من الصمود والتحدي، حلقة رقم 14، 15 / 8/ 2015م، على الرابط:

http://goo.gl/nlfX2m

[40] ـ انظر: عمار علي حسن: الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان، ص 167.

[41] ـ المرجع نفسه، ص 168.

[42] ـ دور الأزهر الشريف في ظل الثورات العربية: على الرابط:

http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1327223613fix8sub1file.htm

[43] ـ انظر: برلمانيون يطالبون بعزل شيخ الأزهر، الجزيرة نت، على الرابط:

http://goo.gl/ds53tn

وانظر: رفض إسلامي واسع لتصريحات شيخ الأزهر بشأن الحجاب، الجزيرة نت، على الرابط:

http://goo.gl/1FGNhH

[44] ـ عبد الرحمن أبو العلا: الأزهر والسلطة، على الرابط:

http://goo.gl/ht5hw1

[45] ـ انظر: معهد العربية للدراسات: الأزهر وثورة 25 يناير رصد توثيقي وقراءة موضوعية، على الرابط:

http://www.alarabiya.net/articles/2012/10/15/243828.html

[46] ـ عبد الرحمن أبو العلا: الأزهر والسلطة، على الرابط:

http://goo.gl/ht5hw1

[47] ـ الرابط السابق نفسه.

[48] ـ انظر: إذاعة صوت العراق الحر: شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب: ما يجري في سوريا “صراع طائفي بغيض”، 13/6/ 2013، على الرابط:

http://www.iraqhurr.org/a/25016352.html

[49] ـ انظر: الوفد: شيخ الأزهر: الحرب في سورية بين روسيا وأمريكا، 23 فبراير/ شباط 2016م، على الرابط:

http://goo.gl/FsLgVC

[50] ـ انظر: العربية نت: شيخ الأزهر مجدداً: لا أستطيع تكفير داعش، 20 صفر 1437هـ/ 2 ديسمبر كانون الأول 2015م، على الرابط:

http://goo.gl/kK8Erl

[51] ـ انظر: معهد العربية للدراسات: الأزهر وثورة 25 يناير رصد توثيقي وقراءة موضوعية، على الرابط:

http://www.alarabiya.net/articles/2012/10/15/243828.html

[52] ـ انظر: محمد فوزي عبد المقصود: الفكر التربوي للأستاذ محمد عبده وآلياته في تطوير التعليم، القاهرة، ط1، ص 203 وما بعد.

وانظر: شوقي عطا الله الجمل: الأزهر ودوره السياسي والحضاري في إفريقيا، ص 18 ـ 35.

وانظر: هدى زكي ولؤي علي: في ذكرى تأسيسه الأزهر تاريخ طويل من المعارك بدأت مع طه حسين وانتهت بدعاوى تجديد الخطاب الديني، اليوم السابع، 23 يوليو/ تموز، 2015، على الرابط:

http://goo.gl/TI7Xlk

[53] ـ انظر: عبد العزيز محمد الشناوي: صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر في أواخر القرن الثامن عشر، ص 76 ـ 86.

[54] ـ انظر: مجموعة مؤلفين: الأزهر تاريخه وتطوره، ص 229 ـ 230.

[55] ـ انظر: محمد فوزي عبد المقصود: الفكر التربوي للأستاذ محمد عبده وآلياته في تطوير التعليم، ص 202.

ولمعرفة قوانين الأزهر، انظر: شوقي عطا الله الجمل: الأزهر ودوره السياسي والحضاري في إفريقيا، ص 18 ـ 35.

[56] ـ للتوسع انظر: المرجع السابق، ص 203 ـ 208.

[57] ـ نُشر هذا الحكم في مجلة الزّهراء التي كانت تصدر في القاهرة، العدد 2 صفر، 1344، وكان ملحقاً معها.

[58] ـ انظر: هدى زكي ولؤي علي: في ذكرى تأسيسه الأزهر تاريخ طويل من المعارك بدأت مع طه حسين وانتهت بدعاوى تجديد الخطاب الديني، على الرابط:

http://goo.gl/TI7Xlk

[59] ـ انظر: عمار علي حسن: الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان، ص 161.

[60] ـ انظر: هدى زكي ولؤي علي: في ذكرى تأسيسه الأزهر تاريخ طويل من المعارك بدأت مع طه حسين وانتهت بدعاوى تجديد الخطاب الديني، على الرابط:

http://goo.gl/TI7Xlk

[61] ـ انظر: الوفد: الطيب يعزل البشري والعوا من لجنة الأزهر، على الرابط:

http://goo.gl/gdzHQq