الإنسان – الوحي – القدر في بناء القرآن
يمتاز القرآن بأنه: الكتاب الوحيد الذي يقدم نفسه كتحدٍ وليس كمقدس؛ أي للتفكر وليس للتبرك. والقرآن كتابٌ لا يقدم نفسه للخاصة من الناس فقط، إنما يدعو الناس جميعاً للتعامل معه {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}. وهو كذلك يقدم نفسه كبناءٍ مكتمل البناء من خلال قراءته {إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأنه فاتبع قرآنه}.
في تدارسنا لبعض المفاهيم القرآنية مثل: الإنسان، الوحي، والقدر، متبعين منهجية البناء ومحورها التوحيد نجد أولاً أن توحيد الله مرتبط بالإنسان وبالكون؛ مع وجود ميزة خاصة للإنسان كونه الكائن الوحيد الذي حمل الأمانة المهددة دائماً بالظلم والجهل.
في القرآن الكريم هناك نظرة مميزة للكون، فكل ما يقال على الإنسان يُسحب على الكون والوجود، مثل السجود (الإسلام) هو عام ليس صفة خاصة بالإنسان، لكن في الوقت نفسه يُظهر القرآن السجود والتسبيح كإمكانية في المجال البشري. هذا السجود لا يتحقق بإدارة ظهر الإنسان إلى العالم بل بإقامة حوار دائم معه. والتحدي هنا في التوجه إلى العالم المادي مع المحافظة على التسامي؛ فالإنسان يعترف بالواقع ويضعه في مفهوم أعم، المتمثل في حركته نحو تحقق سجوده لله.
ثم يصور القرآن الوحي من خلال التوحيد على أنه غير خاص بالإنسان، بل هو مفهوم غير منعزل عن التوجه للكون، هو توجه يساعد الإنسان على فهم الوحي الموجه له، إلا أن أعلى مستويات فهم الوحي تكمن في المجال الإنساني في القرآن/ التوحيد الذي يجعل الوحي وجوداً دائماً في مجالي الكون والإنسان.
أما مفهوم القدر من خلال بناء القرآن، فغالبية الآيات ترتبط بالقدرة والمقدرة على فعل كل شيء، هذا الفعل المرتبط بالحكمة والعلم. القدر في القرآن يعكس دعوة الإنسان للعمل الدائم للتمكن من القيام بالسجود الأكبر واكتمال التوحيد في حركته نحو القبلة. دور الإنسان هنا في فكرة القدر يشكل دوراً مسؤولاً للتحرر الدائم من العبودية صوب التوحيد في مشروعه البشري، والذي تمثل تحققه الأعلى في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. الخير والشر في فكرة القدر يشكلان تحدياً للإنسان في توجهه وحركته الدائمة في الوجود للابتعاد عن الشر والتوجه نحو الخير.