رسالة السلام وضبط العنف في الإسلام

209

تحتاج الأمة في أزمة وجودها إلى فكر هندسي وإدراك كلي ومعرفة منطلقات وأسباب الأزمات، لا الانغماس في قضايا جزئية ومظاهر يومية.

إن تتبع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وملاحظة كيفية تعامله مع قومه ومع أعداءه ومع أهل الخارج، نجد أن رؤيته عليه الصلاة والسلام وتصرفاته منضبطة غير متغيرة بتغير الظروف. والانحطاط الذي ألم بالأمة يتمثل في الخلط بين البعدين الداخلي والخارجي، بينما القواعد والقوانين والسنن التي تتحكم بكلا البعدين مختلفة.

في مكة ظلّ الرسول صلى الله عليه وسلم يُحارب ويُنكر عليه ويلقى أصحابه أخطاراً جمّة تصل حدّ الموت، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يمنع باستمرار أي فعل يتجه نحو استخدام العنف في تلك الفترة. ولما ترك مكة وهاجر إلى المدينة، استخدم ضد قريش وضد كل أعداءه كل أصناف العنف بما فيها الاغتيال السياسي. ومعنى ذلك أن العنف كان يتم برؤية منضبطة وليس اعتباطاً. ثم نجده صلى الله عليه وسلم عندما كان يكاتب الملوك والأمراء كانت له سياسة خارجية معينة في التعامل مع الصفوة السياسية، فمن دخل في عهد وتفاهم سياسي تُرك على حاله، أما من أبى التفاهم السياسي، والمتمثل بإعطاء الحرية الدينية، فلا بديل عن الحرب وإزاحة هذه الصفوة السياسية وإخلاء وجه الشعوب وحملها على اتخاذ قرارها بنفسها.

أما وأن الإسلام هو دين السلام فهذا مما لا شك فيه، خاصة في عصر العولمة حيث لا بديل عن الإسلام لإحلال السلام في العالم. لكن كي يتحقق السلام في أية علاقة هناك ثلاثة شروط: 1. لا بد من فلسفة سلام ومفاهيم سلام وهي في جوهرها تؤدي إلى الانتماء. في فلسفة الغرب تجد أن الآخر مغاير ومختلف، وغالباً ما تطغى على العلاقة بين الطرفين علاقة نزاع وصدام. الإسلام يقول بتمايز الشعوب والقبائل لكنه تمايز إيجابي “لتعارفوا”، التعارف الذي يحقق التناسق والتكامل. 2. ولا يمكن أن يقوم سلام دون عدل. 3. وحتى يقوم عدل بين الناس لا بد من الإحساس بالمسؤولية والضمير.

لذلك رسالة الإسلام هي رسالة للعالمين؛ لأنها رسالة عدل وسلام.