المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام

705

اسم الكتابالمرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام

الكاتبأسماء السيد

دارالنشرمدارات للأبحاث والنشر

عدد الصفحات: 317 

**********

يتميز هذا الكتاب بقراءة إسهام المرأة في نقل المعرفة الدينية من زوايا متعددة، خاصة من ناحية الدمج بين علم الحديث وعلم الاجتماع. فما تقوم به أسماء السيد هو تتبع إسهام المرأة في نقل الحديث النبوي تحديداً، ودلالة ذلك على مستوى مكانة المرأة في المجتمع ودرجة أهليتها لتكون مصدراً مشروعاً لرواية ونقل الحديث النبوي.

كما تتجاوز أسماء السيد في كتابها النزعات الاستشراقية المحملة بأجندات معينة، وترتكز في المقابل إلى أدوات استقرائية لتتبع حضور المرأة في رواية الحديث النبوي، وذلك عبر استقراء كتب التراجم المختلفة التي كتبها العلماء والمؤرخون المسلمون في التراث الإسلامي

وهي تنبه في أول الكتاب على نفي الصورة التي يقدمها الإعلام والتقارير الإخبارية حول ضعف مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي.

وبالإضافة إلى ذلك، لا تحمل الكاتبة سردية نسوية معينة تحاول فرضها على التراث، بل تمارس دور المحلل الموضوعي للمشهد. فحتى عندما تلحظ وجود انحسار في حضور المرأة في مرحلة معينة من التراث الإسلامي، فإنها تحاول رصد الأسباب الموضوعية والاجتماعية التي ساهمت في تشكل الأحداث بطريقة معينة.

ففي هذا السياق، تذكر أسماء السيد نقطة مهمة فيما يتعلق بحضور المرأة ودوافع هذا الحضور، حيث تقول: “ينبغي أن نتجنب القراءة في نصوصنا من منظور معاداة المرأة أو من منظور يحمل رغابتنا الصريحة في قراءتها على أنها تمكين للمرأة سواءً بسواءفلم تسع المرأة مطلقاً إلى تدمير القواعد الأبوية الورعة في الحقبة الكلاسيكية في مجال رواية الحديث، بل ما كان على المحك بالفعل هو الحفاظ المدفوع بالورع على تراث النبي“.

كما تستند المؤلفة في هذا الكتاب إلى أفكارطلال أسدعن التراث، باعتبار أن التراث يسعى إلىربط الممارسات والمؤسسات والظروف الاجتماعية في الماضي بهدف تقديم الممارسة في الوقت الراهن، ومن ثم إرساء دعائم تلك الممارسة للأجيال القادمة، وهكذا فإن الممارسات التراثية لا تسعى إلى مجرد تقليد السلف“.

وسنقدم هنا ملخصاً لكل مرحلة من مراحل إسهام المرأة، وذلك بحسب تقسيم المؤلفة. حيث استطلعت فيه أسماء السيد الإرثالمتقلبلنساء أهل السنة من المحدثات خلال ما يقرب من عشرة قرون (من القرن الأول الهجري وحتى القرن العاشر الهجري).

مرحلة الصحابيات

تستقرئ أسماء السيد في هذه المرحلة إسهام زوجات النبي والصحابيات من آل البيت والصحابيات الأُخريات في نقل حديث الرسول، وتشير إلى أن السمة البارزة لرواياتهن كانت تتجلى في كونها مروية في معظمها لأهداف معينة، حيث نقلن معلومات تتعلق بسلوك النبي وأقواله وأفعاله رداً على استفسارات محددة، كالشعائر والزواج والطلاق.

تُبرز الكاتبة الدور الكبير لعائشة زوجة الرسول في نقل الحديث، فـذاكرة عائشة كانت تعمل على توجيه المجتمع مرة أخرى إلى الجادة وإلى سنة النبي في مواجهة الحياد عنها“. كما تسلط الضوء على إسهام أم سلمة، ثم تُجمل دور الزوجات الأخريات وباقي الصحابيات.

وتؤكد أن هذه المرأة عززت من مكانة المرأة باعتبارها ناقلة يوثق بها في مجال الحديث وبالتالي المعرفة الدينية، وهو ما يظهر في استناد المحدثين إلى رواياتهن واعتبارها روايات يُستند إليها.

مرحلة التابعيات

تشير المؤلفة إلى أن القرن الثاني الهجري قد شهد تراجعاً في دور المرأة على ساحة الرواية التي لم تكن منظمة بعد، حيث كان هناك عدد قليل من التابعيات اللواتي تركنّ بصمات في روايات الحديث. وتندرج هذه الفئة القليلة من فئتين وهما: أولئك اللائي تعود معرفتهن بالحديث للزومهن صحابية بعينها، وأولئك اللائي اكتسبن شهرتهن بوصفهن نساءً زاهدات.

وهنا يجدر الإشارة إلى أمرين، وهو أن هؤلاء التابعيات اللواتي روين الحديث لم يكن يرين بأساً في مخالطة الرجال، حيث كانتأنشطتهن بمثابة شهادة على مشاركة النساء الورعات حيث تبدو الحدود الجنوسية أقل رسوخاً في هذا المجال مما عليه في مجالات أخرى من التعليم الديني، وحيث يمكن للنساء أن يكنّ شيخات للفقه والحديث والزهد“.

تحيل أسماء السيد التراجع النسبي لمشاركة المرأة في الرواية إلى أسباب موضوعية مهمة وتتلخص الأسباب في التالي:

  1. تطور مساحة رواية الحديث وتحوله إلى حقل علمي متخصص، وبالتالي ضرورة تحقق معايير أعلى في مؤهلات رواية الحديث ومزيداً من التدقيق في أحوالهم.
  2. الجدل الذي جرى بين أصحاب الحديث وخصومهم بشأن استخدام الحديث كمصدر أساس في التشريع والعقيدة.
  3. شيوع ظاهرة الرحلة في طلب الحديث بوصفها الدعامة الأساسية لنقل الحديث، وهو ما كان صعباً على النساء.

الحقبة الكلاسيكية

في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، عادت النساء إلى ساحة الحديث باعتبارهن راويات ثقات. وتسلط الضوء المؤلفة في هذه المرحلة على القرنين الرابع والخامس الهجريين. ففي حقبة ما بعد القرن الرابع الهجري كان حضور النساء كبيراً وبارزاً، فالخطيب البغدادي وابن عساكر والذهبي، وهم من كبار العلماء، ثلاثتهم درسوا الحديث على أيدي بعض النساء.

وتؤكد شيخات هؤلاء العلماء على زيادة وتيرة تأثير المرأة في هذا المجال“. كما بدأت في هذه المرحلة انتشار مصطلحالمحدثة” (أي المرأة التي روت مجموعة أو أكثر من مجموعات الحديث)، وهو مصطلح يختلف عنالراوية” (أي المرأة التي روت عدداً قليلاً من الأحاديث).

وتحيل المؤلفة أسباب إحياء دور المرأة في رواية الحديث إلى العوامل التالية:

  1. تزايد الاعتراف بمجموعات الحديث، مثل صحيحي البخاري ومسلم، وبالتالي استقرار ساحة رواية الحديث في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري.
  2. نمو النص المكتوب على قدم المساواة مع الرواية الشفهية، وبالتالي التخفيف من بعض المطالب التي كانت تعيق المرأة عن المشاركة في رواية الحديث.
  3. انتشار شبكات القرابة بين العلماء، وإعادة توجيه النساء إلى رواية الحديث، ومثلت إسهاماتهن ضمن هذه الشبكات رأس مال ثقافي واجتماعي بحيث أنها مكنت النخبة العلمية من البقاء والازدهار.

ومن الدلالات على صعود مكانة المرأة في هذا السياق هو اعتبارها من الروات الثقات والمعتمدات لصحيح البخاري، والذي لم يكن معتمداً بشكل كلي في تلك المرحلة وكان لا يزال عرضة للتنقيح والنقاش، وهو الذي ظهر فيكريمة المروزية“.

ثم ازداد هذا الصعود في المرحلة التي أطلقت عليها المؤلفة مرحلة السلفية.

لا تستخدم المؤلفة هنا مصطلح السلفية بالمعنى المعهود لها، أي المذهب السلفي بتفرعاته المختلفة، بل تقصد به معنى أوسع يشير إلى النظرة التي كانت تقوم على وضع مكانة عالية للحديث، واعتبار كبير لقيمة الإجماع، ووضع السلف كمثل أعلى وقدوة للأجيال التالية، بالإضافة إلى تجنب السجال اللاهوتي، وذلك بحسب تعبير أسماء السيد.

وتبين أن هذه المرحلة مثلت ذروة ازدهار إسهام المرأة في نقل الحديث.

*** *** ***

يشكل هذا الكتاب إلهاماً للباحثين والمهتمين في شؤون المرأة بشكل عام، وحضور المرأة في التراث الإسلامي بشكل خاص، وهي ساحة تحتاج لتوسيع الجهود فيها. ويأتي هذا الكتاب ليضيف للمكتبة العربية طرحاً جديداً لينضم إلى الكتب الأخرى التي تناولت هذا الموضوع من زوايا مختلفة، مثل كتابوقف المرأة في عالم الإسلاملمحمد الأرناؤوط، وسلسلةتحرير المرأة في عصر الرسالةلعبد الحليم أبو شقة.

*** *** ***