وشاح القمر: المرأة بين الحجاب والسفور

829

اسم الكتاب: وشاح القمر: المرأة بين الحجاب والسفور

الكاتب: مجموعة إيوان: سارة النوري، فاطمة سامي، منيرة الذكير، أسماء الشطي، مها المنيع

مكتبة الكويت الوطنية، 1440/2019، (92 صفحة)


بدأت فكرة موضوع هذه المراجعة عندما أراني أحد الزملاء، وهو بريطاني الجنسية، مقطع فيديو قديم تم تصويره قبل أكثر من 100 سنة تظهر فيه نساء وفتيات بريطانيا عام 1901م وهنّ يرتدين الحجاب ويسترن كامل أجسادهن. فكتبت منشوراً خاصاً وضعته على حسابي في الفيسبوك مضمونه أنّ نساء الغرب المسيحي كنّ يتحجّبن كالنساء المسلمات قبل فترة ليست بالطويلة جداً، ويبدو أنّهن كنّ يفعلن ذلك بدافع ديني وثقافي أيضاً. أرسلت مقطع الفيديو إلى بعض الأصدقاء المهتمين، وبعد فترة قصيرة جداً أرسل إليّ أحد الأصدقاء نسخة إلكترونية من كتاب “وشاح القمر”، وقال لي إنّ هذا الكتاب يتناول الفكرة التي يتناولها مقطع الفيديو ومنشوري. فتحت الملفّ، وقرأت الكتاب كاملاً في جلسة واحدة لقصر الكتاب وسلاسته وشدّة حماسي.

أول ما يلفت انتباه القارئ أنّ الكتاب من تأليف ثلةّ من النساء شكّلن مجموعة أطلقن عليها اسم مجموعة “إيوان”، ولعلّه اسم رمزي يدلّ على القصر أو “البنيان العجيب الصنيعة المتناهي الحصانة والوثاقة” (معجم اللغة العربية المعاصرة)، في دلالة واضحة للحجاب وشرع الله. والأمر الآخر الذي يلفت الانتباه أيضاً عنوان الكتاب “وشاح القمر” حيث تشبّه المؤلفات النساءَ بالقمر، وحجابهن بالوشاح الذي يلفّ القمر فيبرز نوره وجماله.

يقع الكتاب في حوالي 90 صفحة، متوسطة الحجم. لكنّ العبرة ليست في الكمّ، وإنّما في النوع والكيف وطريقة العرض والتوثيق. فالكتاب أشبه ببحث علمي رصين، يوثّق بالأدلة المتنوعة من مصادر ثقافية ودينية وأدبية وعلمية وفكرية متنوعة بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية التاريخية القديمة حسب كلّ فترة ومرحلة تاريخية.

يضمّ الكتاب مقدمة وأربعة فصول رئيسة؛ تتفرّع عن كل فصل أجزاء تخدم الفكرة العامة للفصل الأمّ. يحمل الفصل الأوّل عنوان “بين الشرائع السماوية والحضارات القديمة مداد وامتداد”. يطل هذا الفصل بفقرة تضع النقاط على الحروف منذ البداية فتقول المؤلفات، “ولو كشفنا عن جذور مبدأ حجاب المرأة، لوجدنا في الحضارات تشابهاً عجيباً، وفي الديانات اتصالاً وثيقاً، …سيتّضح مع التاريخ جلياً أنّ الحجاب خلق اجتماعيّ في الحضارات بادٍ، وحكم شرعيّ في الديانات باقٍ.” (ص 15). يبدأ الفصل بتوثيق الحجاب لدى الحضارات القديمة؛ حيث تم العثور على أقدم إشارة موثقة للحجاب عند الآشوريين بين (1100 – 1400) قبل الميلاد، وكان هناك قانون ينصّ على أنّ “المرأة الحرّة تلبس الحجاب، ويحظر على الإماء والبغايا لبسه، ومن تفعل ذلك منهنّ تواجه عقوبات قاسية” (ص 16)، فقد ارتبط الحجاب عند الآشوريين بالحرية وعلو المنزلة والعفّة. ويذكر هذا الفصل أنّ الحجاب كان شائعاً عند اليونانيين أيضاً بين (323 – 550) قبل الميلاد. كما وكان شائعاً ومستخدماً لدى الرومان. ويدعم هذا الفصل هذه الإثباتات التاريخية القديمة بصور فوتوغرافية موثّقة توضّح ارتداء النساء للحجاب في تلك الفترات التاريخية. فالحجاب لدى تلك الحضارات كان يعبّر عن رمزية اجتماعية أخلاقية مرافقة للحشمة والعفّة والفضيلة. وينتقل هذا الفصل للحديث عن الحجاب في الشرائع السماوية؛ حيث يذكر ثبوت فرضه على النساء في كل الشرائع السماوية، ابتداء من اليهودية فالمسيحية والإسلام، كونه رمزاً للاحتشام والعفة والستر. ففي الديانة اليهودية لم تكن المرأة اليهودية “تظهر، في الأماكن العامة بغير خمار؛ لما فيه من مخالفة لشريعتهم” (ص 22)، وتذكر المؤلفات قصّة امرأة يهودية اسمها “رِفْقَة” وردت في “سفر التكوين” لتوضيح لباس النساء آنذاك. تقول القصّة، “وخرج إسحاق ليتأمّل في الحقل، عند إقبال المساء، فرفع عينيه ونظر، وإذا جِمالٌ مقبلة، ورفعت رِفْقَة عينها، فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل، وقالت للخادم: من هذا الرجل القادم في الحقل للقائنا؟ فقال الخادم: هو سيدي، فأخذت الحجاب، واحتجبت” (ص 23). إذن كان الحجاب شعيرة دينية واجبة على النساء في الديانة اليهودية.

ولم تختلف المسيحية عن اليهودية فيما يتعلّق بالحجاب والتزام النساء بارتدائه، وهناك إشارات كثيرة للحجاب، “فقد جاء في “الدسقوليّة” “وإذا مشيت في الطريق، فغطي رأسك بردائك؛ فإنك إذا تغطيت بعفة، تُصانين عن نظر الأشرار” (ص 25). ولا عجب أننا ما نزال نرى الراهبات يرتدين الحجاب إلى الآن لأنه فرضٌ واجبّ في الشريعة المسيحية بلا أدنى شكّ. وتورد المؤلفات نصّاً للقديس ترتوليان في رسالته “عن حجاب العذارى” يقول فيه، “أيتهن الشابات: إنكن ترتدين الحجاب في الشارع، لذا يجدر بكنّ ارتداؤه في الكنيسة، وعندما تكنّ مع الغرباء، ثم بين إخوتكن” (ص 26). وخلاصة القول، إنّ حجاب المرأة الغربية عموماً هو الأصل، وبقي كذلك حتى فترات زمنية متقدّمة جداً، وصل بعضها إلى بداية القرن العشرين المنصرم.

أمّا الفصل الثاني فيحمل عنواناً مميزاً هو “بين الجاهلية والإسلام حياة وإحياء”، تتفرّع عنه موضوعات متداخلة تصبّ في الفكرة العامة لهذا الفصل. وتستهل المؤلفات هذا الفصل بالتأكيد على أنّ الحجاب في الجاهلية العربية خالف ما كان متعارفاً عليه بين الشعوب والحضارات الأخرى، من حيث ارتداء الحجاب واحتشام المرأة عموماً؛ فتقول، “مفهوم الاحتشام والحجاب، الذي مرّ علينا آنفاً، لم يكن سائداً في مجتمع الجاهلية قبل الإسلام، فقد مالت تلك الحقبة عن الفطرة التي سادت واستقرت، وقد كانت المرأة في الجاهليّة، تخرج متبرّجةً بين الرجال، كما ورد في القرآن الكريم {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب: 33]” (ص 31). وأغرب ما ميّز تلك الفترة، حسب مؤلفات الكتاب، أنّ الناس كانت تطوف حول الكعبة دون لباس يسترها، لا سيما النساء. وتذكر المؤلفات حديث عن ابن عباس يقول فيه: ” كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يعيّرني تطوافاً؟ تجعله على فرجها وتنشد قائلةً:

اليوم يبدو بعضه أو كله         فما بدا منه فلا أحلّه (ص 32).

وعندما جاء الإسلام بعد هذه الفترة الطويلة من الجاهلية أعاد للمرأة منزلتها وحشمتها المعهودتين فأمر المؤمنات أن يتستّرن ويحتشمن بالخمار والحجاب ليمتزن عما كانت تفعله نساء الجاهلية فنزل قوله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]؛ وروي أنّه أول ما نزلت هذه الآية، سارعت النساء المسلمات آنذاك بستر نحورهن وصدورهن بخمرهن امتثالاً للأمر الرباني العظيم. ثمّ تذكر المؤلفات أنّ حشمة المرأة وسترها يكتمل بارتداء لباس، يستر الجسد كلّه، ويكون واسعاً لا يظهر مفاتن الجسد. يختلف هذا اللباس من بلد إلى بلد حسب نوع اللباس السائد، ولكنّ الأصل أن يستر كامل الجسد ولا يوصفه امتثالاً لأمر الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب: 59]. وتصف المؤلفات الحجاب في هذا الفصل بأنه هوية المرأة المسلمة وصبغة لها وزينتها واتزانها.

أما الفصل الثالث فيحمل عنوان “بين الحجاب والسفور شروق وغروب” في إشارة بيانية واضحة لقلب المفاهيم المغلوطة عن الحجاب والسفور، فالحجاب في المعنى الحقيقي التاريخي والحضاري والديني نور وإشراق؛ والسفور هو الغروب والأفول والجهل والظلام. وترصد المؤلفات في هذا الفصل تاريخ تخلي الغرب عن الحجاب، الذي بدأ ينتشر إلى باقي البلدان والقارات تباعاً كالعدوى. وحسب مصادر المؤلفات، فإنّ بداية السفور ونزع الحجاب في أوروبا بدأ مع عصر النهضة الذي ظهر في أواخر القرن الرابع عشر وامتد حتى منتصف القرن السابع عشر الميلادي. فمع التطور الاقتصادي والعلمي والفكري الذي ميّز هذه الفترة، التي سبقتها فترات طويلة من الركود الاقتصادي والظلام الفكري، تأثرت المرأة بذلك التطوّر كما تأثر بها الرجل. وبدأ الانفصال بالتدريج عن الكنيسة وتعاليمها وسلطتها. وبدأت نساء أوربا في تلك الفترة تهتم بالموضة واللباس عموماً. وأخذت تنتشر صالونات الحلاقة النسائية انتشاراً كبيراً، وأخذت النساء تتفنن في لباس الرأس والجسد؛ حيث بدأ الحجاب واللباس المحتشم يتناقص تدريجياً حتى القرن الثامن عشر الميلادي؛ حيث بدأت الدعوات تصل إلى النساء لحضور الحفلات الراقصة في البلاط. ورويداً رويداً انتشرت الأزياء والقبعات الفارهة، وتسريحات الشعر الخاصة، واللباس الفاضح؛ مما دفع المؤرخ والفيلسوف الأمريكي “وليام ديورانت” للقول، “واستُخدمت العباءات الشفافة بما يكفي للإيحاء بخطوط الفخذين والساقين” (ص 57). وإبّان الثورة الفرنسية مباشرة أخذ غطاء الرأس والحجاب يفقد دلالته الثقافية والدينية والأخلاقية.

وكان لكلّ هذا التطوّر الملحوظ في أوربا أثره الكبير في العالم العربي المسلم؛ فكانت مصر، حسب المؤلفات، بوابة عبور السفور الغربي “وذلك لأنها كانت الوجهة الأولى للمبشرين الصليبيين… كانت تتمتع بالصدارة، ممّا أهّلها للقيادة الفكريّة، فكانت أسوة وقدوة في شتى المجالات، لذلك كانت الوجهة الأنسب للتأثير من قبل دعاة التحرير داخل العالم الإسلاميّ وخارجه” (ص 62).

وفي القرن التاسع عشر بدأت حركة “تحرّر المرأة” تنتشر في مصر من خلال البعثات الخارجية إلى فرنسا وأوربا عموماً. وتذكر المؤلفات أنّ “رفاعة الطهطاوي” رافق البعثات إلى فرنسا واعظاً دينياً، وعاد داعياً إلى السفور والاختلاط. وكانت ذروة هذه الدعوات إلى تحرر النساء من خلال تخليهنّ عن الحجاب وغطاء الرأس في عام 1919 عندما خرجت النساء في ثورة احتجاجية على السياسة البريطانية آنذاك في مصر “حيث خرجت النساء محجبات… حتى كان في نهاية المظاهرة ما هو مدبّر له؛ فقد انقلبت المظاهرة فيما بعد إلى دعوة صارخة إلى تحرير المرأة من الحجاب” (ص 68).

ويختم الكتاب بالفصل الرابع والأخير الذي يحمل عنوان “قمر بما ربّها قد أمر” في إشارة واضحة للمرأة المسلمة المراعية الحدود الله والممتثلة لشرعه؛ فالحجاب ولباس المرأة الساتر تكريم وصون للمرأة المسلمة وأنوثتها، وهو شعار وشعيرة ربانية ينبغي أن يبقى ظاهراً مميزاً لها ودالاً عليها دون غيرها من النساء.

مُراجع الكتاب: د. عمر عثمان جبق