الزلزال

173

مدينةٌ تنكّرتْ سماؤها لبسمة الهلال

ولم يعُدْ يطوف في منارها بلال

وألقت الخمار عن جبينها

وكان موطن الجمال

مدينةٌ تبيع قلبها بحفنةٍ من الرِّمال

وتُغلقُ النوافذ التي على يمينها

وتستديرُ للشمال

مدينةٌ تُطارد العفاف في الخدورْ

وللفساد تفتحُ الصدور

وتُطلق البخور

مدينةٌ فُسَّاقُها يُعربدون

وأتقياء أهلها مُحاصرون

مدينةٌ تحول بين هدْي ربِّها

وبين روضة الأطفال

وتهدمُ المحاضن التي

يُغرِّد الصغار في غُصونها

ويشربون من حليبها

مكارم الخصال

مدينةٌ كهذهِ تنكَّبت طريقها

تصدَّعت وزُلزلت

من قبل أن يصيبها الزلزال

*          *          *

وأنتمُ يا شمعةً لم تنطفئ

في ليلة الضلال

لكم أصابكم من العناء ما تنوء تحته الجبال

وكم تحمَّلت صدوركم من النبال

مُبشّرين كنتمُ ومنذرين

بمثلِ ذلك المآل

ولم تروا من قومكم سوى

مباءة الجدال والسجال

ومنطق النِّعال

تصبّروا يا إخوتي

فتلك محنةٌ يُرى بها معادن الرجال

وكلّ محنةٍ إلى زوال

ومَنْ قضى فسابقٌ، وكلّنا متابعون

وحسبُهُ شهادةً ينالها بلا قتال

ونِعمَ ما ينال

*          *          *

وأمّتي من حولكم يا إخوتي

تُطلُّ من خلف التلال

تُراقبُ الذي جرى

لعلّها

تهتزُّ من أعماقها

تستوعب المِثال

فلا يُصيبها الذي أصاب قوم عادٍ

من نكالٍ أو وَبال

والعالم الفسيح في انتظارها

أتكتفي بمقعد المُحوقلين؟

وتذرفٌ الدموع والقصائد الطّوال؟

أأمّةُ المقال والخيال؟

أم أمّةٌ تفيض بالعطاءِ دونما سؤال؟

*          *          *

سبحان ذو الجلال والكمال

فتلك حكمةٌ تحرّك القلوب في الصدور

تزحزح الرواسخ الثِّقال

لعلّهُ أن يحدث الذي نظنّهُ المُحال

أن يحدث التغيير في النفوس

وذاك غاية المنال

أن يحدث الزلزال