عظمة الإسلام في نظر كانط الفيلسوف

3٬378

تمثل الحركة التي قام بها كانط فيلسوف التنوير الألماني أثناء كتابته البسملة بالأحرف العربية في بداية رسالته لنيل درجة الدكتوراه عظمة الإسلام وقوة تأثيره الكوني.

يتميز المسلمون في نظر كانط بمكانة خاصّة فـ “العربي الإنسان الأكثر نبلاً في الشّرق”. إنّ إيحاءات كانط المحتشمة حول المسلمين تستطيع أن تثبت في مرحلة أولى أن كانط يهدف إلى ربط الدّين بالأخلاق من خلال سمة التّسامح والاعتراف بالأديان الأخرى، وفي مرحلة ثانية نستشف إعرابه عن مدى إعجابه بالدّين الإسلامي، “على الرغم من أنّ كانط على حدّ علمنا لم يستعمل مصطلح الإسلام (Islam) إلا مرّة واحدة في نصّ ينتمي إلى الفترة ما قبل النّقدية من مسيرته، وهو “ملاحظات حول الشّعور بالجميل والجليل”. فإنّ إشاراته وتعليقاته الفلسفية على العرب، وعلى أخلاقهم، وعلى ديانتهم، وعلى نبيّهم، مبثوثة في نصوص عديدة، من قبيل “محاولة في أمراض الرأس”، “نقد العقل العملي”، وكتاب “الدّين في حدود مجرّد العقل”، ومقالة عن نبرة فائقة أخذت حديثاً في الفلسفة، وميتافيزيقا الأخلاق “نظرية الفضيلة”، ونزاع الكلّيات، والأنثروبولوجيا من وجهة نظر براغماتية، ودروس في الميتافيزيقا، ودروس في الإيتيقا، وعدد من المواضع الأخرى.

فما يجدر الإشارة إليه وما يمثّل محلّ إحراج هو هل أثّر كانط فينا من جهتنا كعرب مسلمين أم أنّه تأثّر بنا وبعقيدتنا؟

إنّ إشارات كانط إلى الدّين الإسلامي من البسملة إلى كتاب “الدّين في حدود مجرّد العقل” وإلى غير ذلك من المواضع الأخرى التّي ألمح فيها عن مدى إعجابه بهذا الدّين وبنبيّه، لا تقودنا إلى عدّ تلك التلميحات وكأنّه يريد اعتناق الإسلام، وهو ما نفاه الدّكتور المسكيني لأنّه لن يتعلّق الأمر بأي طمع في أسلمة كانط نفسه.

وهو جواب شاف لبعض العصريين المتعصّبين الذّي استنكروا من كانط كتابته البسملة بخط اليد على رسالة الدكتوراه “هل ينتمي الإسلام إلى ألمانيا سيدي كانط؟”

إنّ ما يمكن أن نكتسبه من هذه الإشارات هو انبهار كانط بالإسلام ولو بطريقة محتشمة غير علنية، فوقع الثّقافة العربية الإسلامية على الفكر الغربي والفكر الألماني الكانطي أساسًا ليس بالغريب على ثقافة جعلت من رهان التّنوير الأول الاستعمال المجدي للعقل، بالتالي الاعتراف بالمختلف ليس نشدانًا لقيم السلم والتسامح بقدر ما هو رغبة في إثراء الذّاكرة والثّقافة وانفتاحها على حضارات وثقافات أخرى لعلّها الأصوب من ناحية تعاطيها للمسألة الدّينية ومسألة الله ووجوده بصفة مخصوصة، أو ربمّا دفاعاً عن تهم لطالما عايشت الفكر النّقدي الكانطي وهي اتّهامه بانتصاره للمسيحية خاصة في كتبه الدّينية مثل كتاب “الدّين في حدود مجرّد العقل” وهي في نظر الدكتور المسكيني” مقابلة النّزعة  “المركزية الأوروبيّة(euro centric)”  المفترضة في نصوص كانط، بنوع من النّزعة “المركزية الإسلامية(Islam centric) “، في نحو من الثأر النّقدي المشرّف”.

إن هدف كانط حين يقول: “أمّا دين محمّد (der Mohammedanism) فهو يتمّيز بالكبرياء إذ بدلاً من المعجزات، وجد التأييد الخاص بإيمانه في الانتصارات، وفي قهر الشّعوب الأخرى، وطقوس عبادته كلّها من نوع شجاع”، لا يعبّر عن رغبة في الانحياز إلى عقيدة دون غيرها وتمجيدها على حساب بقية العقائد أو ليس تعبيرًا عن رغبة في اعتناق الإسلام. إنّ ولع كانط بالإسلام ليس نزوة شباب. إنّ الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط قد وضع على شهادة الدكتوراه التي تحصل عليها سنة 1755، بالأحرف العربيّة عبارة البسملة، التي هي فاتحة السّور القرآنيّة: بسم الله الرحمن الرحيم،) لأنّه أعاد اهتمامه بهذه العقيدة في شيخوخته (في كتاب الدين في حدود مجرّد العقل في 1793 حين يقول: “إنّ المحمديين إنما يعرفون) كما بيّن ريلاند) كيف يمنحون وصف فردوسهم، الموسوم بكلّ شهوة حسيّة معنىً روحياً جدّاً، حقاً، وذلك ما فعله الهنود مع تفسير الفيداس، على الأقل بالنسبة إلى القسم المتنور من شعبهم”. وحتّى في قمّة نضجه النّقدي عام 1788 في نقد العقل العملي.

الفكر الإسلامي في نظر كانط كان الفكر الأذكى من بين العقائد الأخرى لأنه حاول لو بطريقة تخيلية حسية أن يلامس المطلق ” الذوبان في الألوهية”، دون الإعلان صراحة عن الالتزام بحدود العقل من خلال المعنى الحسّي الروحي والخيالي لمفهوم العالم الآخر. يقول كانط في نقد العقل العملي “في الواقع بقدر ما يوضع العقل العملي في أساس هذا الأمر، وذلك من حيث هو مشروط بشكل باثولوجي، نعني يتحكم فحسب في مصلحة الأهواء تحت المبدأ الحسّي للسّعادة، فإنّ هذا التكليف الثّقيل لا يمكن أن يطلب من العقل التأملي. إنّ جنّة محمد، أو الذوبان في الألوهية لدى الحكماء الإلهيين والمتصوفة، وكلّ طرف كما هفّت نفسه، ووقع في خاطره، هي أمور تفرض على العقل أهوالها، وقد يكون من الأحسن أن يكون لنا عقل من أن نلقي به، بهذه الطريقة إلى كلّ هذه الأخيلة والأحلام، ولكن إذا كان العقل المحض يستطيع، من تلقاء نفسه، أن يكون عمليًّا- وهو في حقيقة الأمر كذلك كما يثبته الوعي بالقانون الأخلاقي‑ فذلك لأنّه، دائماً، عقل واحد يحكم وفقاً لمبادئ قبليّة. عليه أن يقنع، لأنّ ذلك ليس ببصيرة من بصائره، بل هو بالفعل من جهة توسعات ما لاستعماله بأي قصد آخر، وهنا بقصد عملي، ولا يتنافى ذلك، على الإطلاق، مع مصلحته التي قوائمها الحدّ من جريرة ما هو تأملي”.

يذهب كانط إلى أن تخيل مفهوم الجنة في الإسلام وتصويرها في شكل حسّي نابعٌ من الانفعال الذي يؤثر في النّفس وبالتالي الإرادة لأنّ “الانفعالات أصيلة”على عكس “العلوم مصطنعة” إذ “وحده عن عقل نظري يفعل بشكل عفوي ومحض، ما عدا ذلك، نحن ندخل في قارة الانفعال البشري، ومن ثمة، العقل الأقرب إلى طبيعتنا البشرية، كما هي في انفعالاتنا الحميمة، هو العقل العملي وليس العقل الذي في العلوم (…) ولو كلفنا النّفس إدارة شؤون الانفعال لوجدنا أنفسنا أمام وضعية الباحث عن السعادة بحواسه أو بخياله، وليس بأيّ شيء آخر لذلك تختار النفس أفضل ملكاتها لتدبير الانفعال من دون تدميره ولا الخضوع لسلطته”.