ماذا أعطى الإسلام للبشرية؟
يلح عليّ منذ سنوات سؤال هو: ماذا أعطى الإسلام للبشرية؟ ورغم أن الإسلام الوحي السماوي المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أكبر من أن يوضع موضع الاتهام أو يحتاج إلى من يدافع عنه، إلا أن مسؤولية تجلية حقائقه للبشرية مسؤولية إنسانية تختلف اختلافاً تاماً عن وعد الله لعباده بحفظ الذكر. وثمة خلط يقع فيه كثيرون عندما يتحدثون عن عطاء الإسلام الحضاري في مسيرة البشرية، إذ يعددون ما أنجزه المسلمون: علماً، وتفلسفاً، وتوسعاً، وثراءً، و… بوصفها عطاء الإسلام الحضاري.
وجمعيها منجزات مدنية لعبت العقيدة الإسلامية، برؤيتها: للذات والآخر والكون وما وراء الكون، والشريعة بأحكامها دوراً كبيراً في تهيئة المناخ لظهورها، لكن هذا العطاء هو في النهاية عطاء المسلمين كبشر تفاعلوا مع منظومة معرفية متكاملة فيها أبعاد ما ورائية وأخلاقية وقواعد تنظيمية أتاحت المناخ للعطاء الحضاري، ولكنه يظل مرهوناً في تحققه بالناس الذين يتفاوت تفاعلهم، مع الفكرة من ناحية، ومع الواقع من ناحية أخرى. ولذا فإن للإسلام عطاءً حضارياً لا دور للمسلمين فيه إلا تجسيده، وهو أمر يتفاوت نجاحهم فيه صعوداً وهبوطاً.
ما الحضارة؟
ورغم ما يمثله الدور الرائد الذي قام به المسلمون في التوصل للمنهج التجريبي في العلم من فضل على البشرية، ورغم ما قدمه العلماء المسلمون لمسيرة البشرية من منجزات في كل مجالات العلم التي كان لهم فيها مساهمة، فإن هذا العطاء يمثل الثمرة أما البذرة فأكثر قيمة من ذلك بكثير. ولعل المدخل الصحيح للإحاطة بهذا الدور تحتم تعريف الحضارة، وتحفل كتابات كثيرة قديمة ومحدثة بتعريفات مختلفة للحضارة، بعضها اختلط بمفهوم المدنية وبعضها اختلط بمفهوم الثقافة. وأفضل أن أطرح تعريفاً جديداً للحضارة أراه أكثر تحديداً من المفاهيم المتداولة فهي (حسب تصوري): ” كل تصور متكامل يدعي أنه قادر على تنظيم العلاقة بين قيم: الحق والحرية والنظام، على نحو خاص”.
الإنسان واليقين:
وكل تصور حضاري ينبغي أن يتضمن بشكل ظاهر أو مضمر تصوراً لنشأة الكون وطبيعته والإنسان والطبيعة والعلاقات بينها، وبناءً على تصوره لنشأة الكون يتحدد موقف كل تصور حضاري من قضية “الألوهية” اعترافاً أو إنكاراً، أو ربما تأسس تصور نشأة الكون على الموقف من الألوهية. والعلاقة بين هذه القيم الثلاث هي مدار حركة الإنسان على الأرض، والأديان السماوية والأفكار البشرية ذات الطبيعة الكلية (الأيدلوجيات) تشكل رؤى تستهدف تنظيم هذه العلاقة على نحو ما، حيث كل الأيدلوجيات تأخذ بناء الدين. ولأن تنظيم العلاقة بين هذه القيم، التي نراها قيماً حاكمة، يتأسس بالضرورة على تحديد معنى القيم الثلاث، فإن تاريخ الفكر البشري يكاد في مجمله أن يكون سجالاً بين “النبي” و “الفيلسوف”.
ولتحديد معنى القيم الثلاث التي تعد قيماً حاكمة لعملية صياغة التصور الحضاري لا بد من مفهوم لليقين، فالحضارة بنت اليقين. ومن أهم القواعد التي وضعها الإسلام للوصول إلى اليقين: “يعرف الرجال بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال“. لكن هذه القاعدة التي تنفي كون البشر طريقاً لمعرفة الحق تثبت أن الحق طريق معرفة البشر، تكتفي بالإثبات والنفي ولا تطرح طريقاً محدداً لمعرفة الحق ولا تطرح تعريفاً للحق. والطريق إلى الحق: نقل أو عقل أو حدس أو تجربة، أما الطريق الرابع فإنه طريق إدراك الحقائق الجزئية لا طريق معرفة الحق. أما الحق فمجرد وإن دلت عليه شواهد حسية، والقاعدة تعكس اهتمام الإسلام الشديد بهدم بنية الشرك العقائدية والمعرفية، بحيث لا يكون البشر دليلاً على الحق، وإن كان بعضهم علامات على طريقه. أما النقل فإما أن يكون عن سالف أو عن مصدر مفارق لعالم الموجودات المادية. فإن كان النقل عن سالف كان اتباعاً أعاد إنتاج ظاهرة الشرك، فإن كان ذلك السلف وسيلة للنقل لا مصدراً للحق تساووا في ذلك مع غيرهم من وسائل النقل.
أما النقل عن مصدر مفارق للموجودات، وهو ما تسميه الأديان السماوية “الوحي” فهو توقيف مفارق لعالم الموجودات المادية يدركه العقل البشري ولا يحتويه، يفهمه ولا يقدر على إنتاجه. ولإدراك الحق بين ادعاءات المدعين وسائل تمح الغث من السمين، وأولها الحدس، فلا يقين بغير حدس، ظاهراً كان أو مضمراً. وقد يتأسس التمحيص على التعقل وقياس لزوم النتائج عن مقدماتهاً، لكن ذلك لا يعدو أن يكون تسويغاً تتدخل فيه ميول النفس وما يزينه الحدس، وإن لم يدركه الموقن نفسه.
إشكالية المسلمات:
وبقدر لزوم الحدس لكل يقين يلزم التسليم بمعرفة أولية لكل يقين، فإذا أخذ كل جيل من البشر على عاتقه مهمة إعادة النظر عقلياً في المسلمات بادئاً من نقطة الصفر المعرفية (على افتراض وجود هذه النقطة إذ لا وجود لها في الحقيقة)، فمن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى توالي أجيال متعاقبة لا تتوارث إلا الشك، والكفر بالحق كمفهوم مجرد. فعمر الإنسان في حده الأقصى قرن من الزمان، يذهب خمسه تقريباً (20 عاماً) قبل اكتمال الإدراك العقلي والقدرة على البحث والاستنتاج والتجريد والتعميم، وكلها من لوازم السعي نحو بلورة مفهوم لليقين من غير طريق الوحي أو اتباع الأسلاف. كما أن عمر الإنسان يذهب ربعه أو أكثر قليلاً (25- 30 عاماً) في النوم. وكل استثناء من هذه المتوسطات – زيادةً أو نقصاً – يؤكد القواعد المطردة ولا ينفيها.
فإذا افترضنا أن الإنسان يمكن أن ينفق ما تبقى من عمره (50 إلى 55 عاماً) في البحث العقلي المجرد عن اليقين، دون أن تشغله معايش أو عوارض (عمل- طعام- راحة – مرض…) فإنه لن يكون قادراً على الوصول للحق. ذلك أن حجم المعارف والنظريات التي تراكمت في وعي البشرية ومدوناتها يجعل تحقيق مثل هذا الغرض وهماً لا يدرك. ويخطئ البعض عندما يتصور أن عليه اختراع المسلمات لا اكتشافها، فالمسلمات جزءٌ من نظام كوني يحتوي الإنسان ولا يحيط به الإنسان.
وطرق اليقين متراتبة لا تتساوى وإن بدت متوازية. ولكون إدراك اليقين مسألة مركبة، فحتى الآن على الأقل، يعد بسطها بسطاً مفصلاً مما يستعصي على العقل. فلكي يدرك العقل اليقين ينبغي أن يدرك: أولاً، أنه عقل، وأنه يعقل، وأن يدرك كذلك كيفية – أو كيفيات – التعقل ولوازمه (المقدمة – النتيجة – اللزوم – الجوهر – العرض – المتعين – المجرد – القانون العام – الثابت – المتغير…)، وأن يدرك كذلك مشكلات التعقل (الإدراك) ومزالقه، حتى يتبين الحقيقي من الزائف مما يعقله، أو يظن أنه يعقله. ثم ينبغي أن يدرك أن ثمة يقيناً.
وقد يصرفنا عن التفكير في هذا أننا تلقينا ذلك عمن سبقونا، لكن من سبقونا تلقوه هم أيضاً عمن سبقوهم… وهكذا حتى نصل إلى أول متعقل. لكن هذا المتعقل الأول يظل مجرد فرض لا يقوم عليه دليل قاطع ولا يستقيم تأسيس اليقين على فرض. فالقول بأن الإدراك العقلي حدث كطفرة بيولوجية، في تاريخ متسلسل الحلقات من التطور بدأ بالأميبا وانتهى بالإنسان، تكذبه معطيات كثيرة، فضلاً عن أنه لا يتمتع بوجاهة عقلية تجعله أرجح من القول بوجود إله خالق لا تدركه الحواس، فكلاهما غيب.
والغيب إذن مهيمن على العقل منذ البداية. أما التسليم بمقدمات لا يتوقف الإيمان بها على إخضاعها للتمحيص العقلي “مسلمات”، فهو، كما قال الفيلسوف البريطاني المعروف برتراند راسل أمر لا مفر منه وهو يعبر عن ذلك بقوله: “ليس من الممكن أن ننتقل خطوة واحدة إذا نحن بدأنا من الشك الديكارتي”، “وعلينا أن نبدأ من تسليم عريض بكل ما يبدو أنه معرفة أياً كان”. وهذه المسلمات موجودة في كل التصورات الحضارية سواء تأسست على الإيمان بوجود قوة وراء الوجود خلقته ومنحته المعنى، أو تأسست على أن هذه القوة خلقت الكون وأودعت فيه قوانين الحركة ثم تركته، أو تأسست على إنكار وجود هذه القوة ورفض مقولة الخلق. وقد تكون هذه المسلمات كامنة يحتاج إدراكها إلى جهد عقلي.
المنهج والحضارة:
والعقل كطريق لإدراك الموجودات وصولاً إلى إدراك اليقين يدركها من خلال منهج، ومناهج البحث ظلت تتطور وتنضج حتى أصبحت معروفة لكل الحضارات. وما يحدد نطاق استخدام كل منهج هو الإطار الحضاري والقيمي، فهو سابق على المنهج، وثمة تأثيرات متبادلة بين المنهج ومستخدمه، وهو تأثير يثمر تحيزات معرفية لا يمكن إدراكها إلا بالنظر إلى القضايا نفسها من خلال منهج مغاير. وفي الطريق لليقين يكون مدار عمل العقل فهم المحكم من النقل، وتأويل ما يقبل التأويل منه، والاجتهاد في ما سكت عنه العقل. وهو في كل ذلك يسترشد بالبدهيات والحقائق النقلية التي لا تقبل التأويل.
أما الحدس فهو على أهميته الشديدة مما تزل بسببه الأقدام، وتحار في الإحاطة به، على وجه الدقة، الأفهام. فهو إشراق لا يتبع خطوات الاستدلال المعروفة، بل يقفز فيه العقل من المقدمة إلى النتيجة مباشرة. وهو معين على تذوق النقل، وطريق إلى ترجيح ما تستوي فيه أدلة العقل. ولا يستقيم بناء اليقين على الحدس وحده، كما لا ينتج عنه ما تستقيم به مصالح الجماعة، كما لا يؤدي إلى إنشاء حقائق جزئية جديدة ما لم يؤيدها نقل، أو عقل، أو تجربة.
والحدس دليل على أن العقل ليس صفحة بيضاء، وهنا نتوقف أمام إعجاز حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك”. والانتقال من المقدمة إلى النتيجة في أي قياس، بسيط أو مركب، والانتقال من الحالات الفردية إلى القانون العام في أي استقراء، يقتضي أن يدرك العقل معاني: المقدمة، والنتيجة، والحالة الفردية، واللزوم، والجوهر، والعرض، والمتعين، والمجرد، والقانون العام، والثابت، والمتغير… وهنا نصبح أمام الدور ما لم نقل بالأفكار السابقة على اليقين، فيعود الوحي للهيمنة على العقل.
إشكالية اليقين:
وأول ما يضل الناس عن الحق حصره بين حدود متقابلة ينشئها العقل أو العرف ويجعلها مقياساً له. بل الحق يدرك أولاً ومنه تستنبط ثوابت منطق التفكير، وهي تسبق المناهج وتضع حدوداً لاستخدامها. وأول ما يوجبه الحق الاتباع والتسليم، فالله واحد لأنه واحد، وليس فقط لأن المنطق يقتضي ذلك. وتأييد المنطق لذلك يدل على الحق ولا ينشئه، فإذا أدرك الموقن بالحدس ودله العقل وربما أعانته الشواهد الحسية في حقائق جزئية، صار عليه أن يقبل من هذا المصدر ما يوحي إليه به من حقائق عن الكون والإنسان وعالم الغيب وعالم الشهادة، وأن يطيع أوامره ونواهيه. فإذا اشترط الإنسان على نفسه ألا يتبع من الحق إلا ما استطاع إدراك كنهه فقد جعل نفسه مساوياً لمصدر الحق، فإن ألزم نفسه بأن يترك من الحق ما لا يدل عليه العقل، فقد جعل العقل مقياساً للحق، بل إن العقل عندئذ يصبح ‑ولو ضمناً‑ مصدراً للحق ومقياساً له في آن واحد. ولو كان العقل قادراً على ذلك لكان أولى بأن يكون قادراً على إنتاج الحق ابتداءً، وادعاء الإنسان قدرة العقل البشري على إنتاج الحق يعني وجود “إنسان معياري”، فالناس متفاوتون حساً وعقلاً في القدرات العقلية عموماً.
ويؤدي هذا بالضرورة إلى ظهور طبقة ‑أو فرد‑ تخص نفسها بالقدرة على إنتاج الحق، فيعود الإنسان إلى فكرة الكهنوت مرة أخرى، حيث الكهنة وحدهم مصدر الحق، وهو باب من أبواب الشرك أغلقه الإسلام، عندما جعل العلاقة بين الله والإنسان علاقة مباشرة، وجعل فكرة الخلاص قابلة للتحقق وفق قوانين مطردة، وزود كل الإنسان بالملكات التي تمكنه من الحصول على الخلاص، من خلال علاقة مباشرة مع الإله، مدارها أفعال قابلة للكسب، لا تقتصر على جنس، ولا تتوقف على مباركة وسيط أياً كان. كما أن ادعاء القدرة على إنتاج الحق ابتداءً يعني أن العالم يمكن أن يصدر من العدم من غير موجد قادر، وهو ما ينكره العقل نفسه.
ولكون الإدراك حالة عقلية نفسية مركبة فإن الإنسان يلجأ أحياناً إلى حيل يحاول بها الهروب من حتمية اليقين وواحديته، إذ يحاول صنع مسافة بين النقل وتأويله، وهو موطئ قدم لا يلبث أن يتسع حتى يتحول الفرع إلى أصل ويحل محل الأصل نفسه. وفي هذه الحالة يصبح التأويل في حد ذاته هدفاً ويصير النقل إناءً يفرغ فيه العقل قناعاته، وهنا تأتي أهمية التفرقة بين “الثابت” و “المتحول”، وهو ما يعبر عنه في الإسلام بمصطلحي “المحكم” و “المتشابه” فيصبح المحكم سياجاً يمنع التأويل من تخريب النص.
وقد شيد الفقهاء المسلمون على هدي من هذه التفرقة بناءً متماسكاً هو استخلاصهم ما يسمى: “مقاصد الشريعة”، الذي يعد شكلاً متفرداً من أشكال التفاعل الخلاق بين العقيدة والشريعة لا نظير له في دين سماوي أو معتقد أرضي آخر. ومن يتأمل الانقلاب الذي أحدثه ظهور المذهب البروتستانتي في المسيحية، والزلزال الذي ترتب على سيطرة الأفكار الصوفية “القبالاه” على اليهودية، يدرك إلى أي حد نجح الإسلام في بناء سياج (تدعمه ضمانات بنيوية) يضمن حماية الدين من التحريف والتدجين، ولا يعوقه في الوقت نفسه من التفاعل الخلاق مع متغيرات الواقع.
التوحيد والتجاوز:
ومفهوم الحق في الإسلام واحد من أهم عطاءات الإسلام للبشرية، فهو مفهوم مركب لم يقم على التنافي بين وسائل المعرفة انتصاراً لأحدها على الآخر، وهو مفهوم متجاوز لعالم الموجودات المادية لا يرتبط بجنس بشري، والإله ‑الذي جعل الحق اسماً من أسمائه‑ ليس كمثله شيء. وبذلك هدم الإسلام بنية “الحلول” الذي كان واحداً من أكبر أسباب شقاء البشرية عبر التاريخ، فالقول بحلول الإله في الإنسان أدى إلى تصور مشابهة الإله للبشر، وهو ما عبر عنه أحد رؤساء كنيسة كانتربري إذ يقول: “إن الله خلق الإنسان على صورته، من ثم فإن الله أشقر”. وظهرت نتيجة ذلك أيقونات عديدة كل منها تعطي الإله (المسيح) ملامح جنس من الأجناس، فهناك مسيح أشقر، وآخر زنجي، وثالث أصفر، وهكذا. أي أن تصور إمكان قيام علاقة مشابهة بين الإله والإنسان كان سبباً من أسباب ظهور مشاعر التعالي العنصري، بل منحها تبريراً دينياً، فهذا الاتصال أحد أسس الفكرة العنصرية. أما تصور حلول الله في شعب فأدى إلى ظهور عقيدة “شعب الله المختار” اليهودية التي ساهمت في عزل اليهود في كل المجتمعات التي عاشوا فيها تقريباً، والتفريق في الالتزام الأخلاقي بين التعامل داخل المجموعة الخاصة والتعامل مع البقية من البشر الـ”أميين”. بينما كان الإيمان بأن الإله كمال مطلق متجاوز لا يحل في شخص ولا جماعة عرقية الضمان الأكيد للمساواة في الإنسانية، بمعناها الشامل الذي لا ثغرات فيه ولا استثناءات.
وبنفي فكرة الحلول بمستوياتها كافة، حلول الإله في إنسان أو شيء أو شعب، أغلق الباب أمام تقسيم البشر بشكل واحدي صارم إلى مقدس ومدنس، بما كان يستتبعه ذلك على مدى التاريخ من أن يقوم كل من يعتقد أنه مقدس باستباحة من يعتقد أنه مدنس. فالإله “ليس كمثله شيء”، وهو “في السماء” (حسب الحديث الصحيح الذي رواه مسلم)، وبالتالي فالناس متساوون في البشرية، كلهم يملك اختيار الخير والشر، وليس لأحد أن يدعي صلة خاصة بالله يدعي لنفسه على أساسها حقوقاً خاصة تميزه عن غيره من البشر.
وللحق في التصور الإسلامي مركزية تجعله معياراً للحكم على كل الأفكار والعلاقات والأوضاع، وهو واحد لا يتعدد، معيار صحته ذاتي لا يتوقف على ما يحقق من نفع. وهذه المركزية والواحدية كانا مانعاً من ظهور تصورات متعارضة للحق. ولهذا الأمر صلة مباشرة بسيادة الأفكار الصراعية، والعجز عن قبول الآخر، وصولاً إلى الإبادة. وهو ما سنتعرض له بشيء من التفصيل بعد قليل. وإذا كانت القاعدة أن الأشياء تتبين بضدها، فإن المقارنة بين هذا التصور للحق والتصور البراجماتي للحق تجعل الصورة أوضح.
ففضلاً عن أن البراجماتية تعني، في النهاية، إحلال فكرة المنفعة محل فكرة الحق، فإنها أدت إلى جعل القدرة معياراً وحيداً للأفضلية، بحيث تنقسم البشرية بشكل صارم إلى قسمين: القوي: “سوبرمان” كائن فوق الإنسان له حقوق مطلقة لا تقيدها قيود أخلاقية. والضعيف: “سبمان” (subman) كائن دون الإنسان عليه أن يذعن للقوي.
وبناءً على هذا التقسيم أضفيت القداسة على الصراع كصيغة للعلاقات بين الفريقين، وتحول الاختيار من مفهوم أخلاقي مداره الخير بمعناه المطلق إلى مفهوم هو مزيج بين الداروينية والنيتشوية يمجد القوة في ذاتها ويعتبرها علامة على الاختيار. وبتعدد الحق زالت عنه قدسيته وزالت معها مفاهيم التراحم والخير والترفع التي كانت دائماً مدار إنسانية الإنسان.
وقد حفل تاريخ الغرب وبخاصة في فترة ما سمي “عصر النهضة” بكتابات تنتقص مكانة الأمم الأخرى بسبب ما كانت تمر به من فترة تخلف، فانطلقت عبارات مثل: “إن رفّاً واحداً من مكتب فرنسية أهم من عطاء شعوب بأكملها في الجنوب”. مع وصول قطار العلم الغربي إلى النصف الثاني من القرن العشرين تساءل أحد العلماء الغربيين الحاصلين على جائزة من جوائز نوبل العلمية: “بأي مبرر يحق للشعوب التي لا تشارك في إنتاج العلم أن تبقى على قيد الحياة؟”.
وهذه العبارة تلخص المسافة الشاسعة التي تفصل الإسلام عن الحضارة الغربية التي ينظر إليها ‑في الغالب‑ بوصفها الحضارة الأرقى، وكيف حولت حق الحياة نفسه ‑أقدس الحقوق الإنسانية‑ من منحة إلهية لا يتوقف استحقاق الإنسان لها إلا على مشيئة الإله إلى قضية نسبية، يتوقف الحكم عليها على اعتبارات نسبية يحل الغرب نفسه فيها محل الإله. فهو، وإن لم يملك حتى الآن القدرة على منح حق الحياة فإنه يريد أن يعطي نفسه حق إهدارها بناء على معايير “موضوعية” قياساً إلى صورته بوصفه “النموذج” و “المركز”.
فلسفة التوافق:
وعلى المستوى الفلسفي كان تاريخ الفلسفة حتى ظهور الإسلام يكشف عن توجهين متمايزين، التصور الفلسفي السائد عن فكرة “التناقض” وهو: “المقابلة الضرورية التي لا مفر منها بين عاملين / عنصرين ‑أو أكثر‑ مختلفين ومتمايزين، والتي تؤدي بالضرورة إلى الصراع بين العاملين / العنصرين ‑أو أكثر‑ بالمعنى الفكري. أي الصراع بين الأطروحة ونقيض الأطروحة، الذين يحددان التركيب كنتاج لهما، وهو التصور السائد لمفهوم التناقض من أفلاطون إلى هيجل وماركس، كما أنه التيار الرئيس في الفلسفة الأوربية/ الغربية. التقليد الثاني هو التقليد الفلسفي الذي يفترض أن “التناقض جوهر الكينونة (الوجود نفسه)”، أي أن التناقض هو جوهر الوجود نفسه. وجاء الإسلام ليرسي أسس تقليد فلسفي ثالث يقف على مسافة منهما ومن التصور التصادمي للتناقض عموماً، ويميل إلى تصور تجميعي للوجود شاملاً كل أوجهه وتناقضاته.
وعلى أساس هذه الفلسفة الجديدة كل الجدة في التاريخ البشري عرفت الإنسانية مع الإسلام ‑لأول مرة في تاريخها‑ من خلال فكرة ” الوسطية ” القدرة على التوفيق بين الكثير من الثنائيات المتعارضة التي تحكم حياة البشر (المادة/المعنى – العقل/القلب – الروح/الجسد …). وبين كل الأفكار التي قدمت تصوراً متكاملاً لمسيرة الإنسان على الأرض، حقق الإسلام أهدافه بالإنسان وليس على حساب الإنسان، فلم يسمح بوجود أوثان سياسية أو اقتصادية أو فلسفية يقدم الإنسان نفسه على مذبحها، ولم يحطم فطرة الإنسان لأجل مزيد من التقدم.
ولعل التجربة الغربية في هذا السياق تقدم لنا درساً بليغاً على مستويات عدة، فمنطق الصراع أدى إلى قيام علاقة مختلة بين الإنسان والطبيعة سعى فيها الإنسان إلى السيطرة على الطبيعة خارج أي إطار أخلاقي، فقضى على الكثير من التوازنات القائمة فيها، ليجد نفسه أمام مشكلة بيئية عميقة ترجع أسبابها الأساسية إلى غياب الإطار الأخلاقي لعلاقة الإنسان بالطبيعة. بينما جعل الإسلام الطبيعة بعناصرها المختلفة تحت سقف المسؤولية الأخلاقية. وكان لمفهوم التسخير دور كبير في انتفاء غياب لصراع كأساس لعلاقة الإنسان بالطبيعة، فما دام الله قد سخر الطبيعة للإنسان فلا حاجة لأن يقهرها أو يحاول السيطرة عليها.
وعلى مستوى آخر تقدم التجربة الغربية درساً فيما يمكن أن يدفعه الإنسان من ثمن فادح نتيجة اعتناقه “عبادة التقدم”، فما يعانيه الغرب من أزمات مستحكمة تعصف بحياة الفرد والأسرة والمجتمع، مما يدرج دائماً ضمن “ثمن التقدم” يؤكد أن نجاح أية منظومة في تحقيق أهدافها لا يجوز أن يكون على حساب الإنسان.
فكرة الحدود:
ويعد موقف الإسلام من قضية الحرية أحد المرتكزات الرئيسة لرسالة الإسلام وفي مواجهة أشكال الإذعان العديدة التي كانت تحاصر البشر على المستويات: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، أعلى الإسلام قيمتي التعاقد والتراضي كنتيجتين لازمتين بالضرورة عن امتلاك الإنسان حق الاختيار، فأبطل الإكراه في العقائد والمعاملات، وقام بتفعيل قيمة التراحم ليكبح جماح التعاقدية ويمنعها من أن تتحول إلى علاقة صارمة، فأقام بناءً مركباً من هذه المفردات جميعاً. واكتملت المنظومة بجعل معيار التفاضل مما يستوي كل الناس في القدرة على كسبه “التقوى”، فلم يجعله قابلاً لأن يورث أو يمنح بإرادة مانح أو يمنع بإرادة مانع.
وقد كان الصحابة يدركون ذلك إدراكاً صحيحاً ويعبرون عنه تعبيراً دقيقاً بعبارة تكررت على لسان كثير منهم: “جئنا لنخرج الناس من ظلام العبودية إلى نور الحرية”. وثمة علاقة جدل بين التوحيد بوصفه قلب المنظومة العقائدية الإسلامية وبين الحرية، بوصفها شرطاً لازماً لصحة الإيمان نفسه. ومن يتأمل ما جاء به التشريع الإسلامي من أحكام تنظم حياة البشر، سواء في ذلك الموقف من الرق أو المرأة أو الاستبداد السياسي، يجد تحرير الإنسان: الفرد والجماعة على السواء سمة راسخة، فالموقف المعادي للإكراه، بدءاً من الإكراه في الدين إلى الإكراه في المعاملات هو من أهم ما أعطاه الإسلام للبشرية على المستوى الحضاري.
ومفهوم التحرير في الإسلام شامل يمتد من العقيدة إلى المعاملات إلى الثقافة، ولعل هذا ما جعل الحوار وسيلة أساسية من وسائل التفاعل داخل المجتمع الإسلامي تعبيراً عن حقيقة أن الخلاف مشروع، وأن الإقناع والاقتناع معيار ما يمكن أن نسميه: “التداول الثقافي”، وهو مصطلح وضعناه لنصف متغيراً تاريخياً إسلامياً جاء ليقطع مسيرة متواصلة من القمع والقهر وفرض القناعات بقرارات فوقية سواء أصدرتها سلطة سياسية أو دينية. وفي ظل منطق التداول الثقافي تعايشت أديان مختلفة ومذاهب فلسفية متباينة، وانتقلت مراكز السيادة والتأثير الثقافي بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه، ولم يمتنع العالم العربي، وهو يحتل عبر تاريخ الأمة الإسلامية موضع القلب من أن يقر للأطراف من الأندلس إلى وسط آسيا بدوره وعطائه وحقه في المشاركة الفاعلة في تأسيس البناء المعرفي للثقافة الإسلامية التي تعرّب لسانها.
والمنظومة القيمية الإسلامية في شمولها أسست العلاقة بين الإنسان وكل من: الله، والكون، والمجتمع على أساس الحرية، فلم يمنع الوجود الإسلامي في البلقان مدة أربعة قرون من بقاء المسيحية بفرقها المختلفة والأمر نفسه ينطبق على الأندلس والهند اللتين حكمهما المسلمون قروناً. واكتملت المنظومة بالمسؤولية، وهي مسؤولية دينية ودنيوية معاً يتحمل فيها كل إنسان نتائج اختياراته، فهما وجها عملة واحدة.
فالحرية كانت ‑وما زالت‑ شرطاً لازماً لصحة الإيمان وهي كذلك شرط لانعقاد كل العلاقات التعاقدية في المجتمع سياسية كانت أو اقتصادية، وغيابها ليس مجرد إشكال ثقافي يهم نخبة المثقفين بل معضلة اجتماعية، لأن النظم السياسية يجب أن تتسم بما يلي:
أولاً: يجب أن تكون تعبيراً عن قناعات الأمم التي تًحكَم بها.
ثانياً: يجب أن تعمل على الحفاظ على المجتمعات بوصفها القاعدة التي تستند إليها كل النظم، ومنها تستمد الكثير من مبررات مشروعيتها.
ثالثاً: أن يستهدف أداؤها الحفاظ على عوامل قوة هذه المجتمعات لا أن تسعى عمداً إلى إضعافها والسيطرة على مقدراتها وسلبها أدوارها لضمان استمرار ولائها لها.
وقد أقام الإسلام العلاقات بين البشر على أساس حدود واضحة أسبغ عليها صفة القداسة وجعل مصدرها إلهياً ليكتب نهاية فكر “الاستباحة” بمعنييه السياسي والأخلاقي، فلم يعد مشروعاً أن يستبيح الأقوياء حقوق الضعفاء، ولم يعد مقبولاً أن يستبيح الإنسان كل ما يقدر على استباحته. وقد عزز الإسلام فكرة الحدود بأن أكد بشرية حامل الرسالة نفسه. وجاءت فكرة ختام النبوة عطاء من أهم عطاءات الإسلام للبشرية إذ بختامها أصبح الإنسان يملك من المعطيات الغيبية والتنظيمية (الشرعية) ما يكفي لعمارة الكون وتحقيق هدف الاستخلاف.
وعلى امتداد تاريخ البشرية كانت العلاقة بين الأديان تقوم على التناكر التام، فلم يعترف دين بآخر، وبناءً عليه خاض أتباع الأديان في بحار من الدم، أما الإسلام فأقر بسماوية المسيحية واليهودية وأشار إلى ما لحق بهما من تبديل، كما أنه شاد بناءً مركباً للعلاقة بين المسلمين وأتباع الديانتين الأخريين يستند إلى العمل لا إلى العنوان، فكان هناك بنص القرآن الكريم “الأقرب مودة”، “والأشد عداوة”. وهو لم يجعل الصراع مدار العلاقة بهما بشكل مبدئي بل صان الحقوق الأساسية وجعل حمايتها واجباً شرعياً، وهو ما لم تعرفه البشرية في تاريخها في علاقة “الأنا” و”الآخر” أن تكون حماية حقوق الآخر واجباً دينياً مقدساً. كما أنه جعل هداية غير المسلم للدخول فيه الهدف المركزي للعلاقة، وحرم الإكراه في الدين، ليؤكد أن الحرية المسؤولة مدار التفاعل في التاريخ البشري، فحماها حتى من أن تنتهك لهذا السبب.
واستجاب الإسلام لما هو مركوز في الفطرة الإنسانية من النوازع فأباح للإنسان أن يشبع غرائزه دون أن يسقط في مستنقع الاستباحة أو يدخل في حرب مع فطرته، ومنحه حق الامتلاك وجعله مصوناً “من مات دونه فهو شهيد”، وجعل الفرد والجماعة طرفي علاقة تفاعل خلاق لا علاقة صراع.
الإسلام والعلم:
ورغم ما يتسم به العطاء الضخم الذي قدمه الإسلام للبشرية على المستويات الإيمانية والأخلاقية والفلسفية من أصالة، فإن له إسهاماً آخر لا يقل أهمية كان منعطفاً في تاريخ البشرية وثيق الصلة ببزوغ فجر التقدم العلمي. ولنقرأ القصة التالية التي أوردها الكاتب الأمريكي ريتشارد نوكس في مشاركة له في كتاب The Book of Time :
“لاحظ الفلكيون المصريون، طيلة مئات من السنين التي سجلوا فيها الأحداث الفلكية، أن كسوف الشمس وخسوف القمر يتبعان دورة تستغرق ثمانية عشر عاماً وأحد عشر يوماً، تقريباً، لكي تكتمل… وكل خسوف ويشكل جزءاً من سلسلة من الخسوفات تتغير فيها تدريجياً مواقع: الشمس والقمر والأرض بالنسبة إلى بعضها، وذلك نتيجة تغير بطيء غير منتظم. …وهذه الدورة وتسمى “الساروس” احتفظ كهنة المعابد الفرعونية بأسرارها ضمن سائر المعارف العملية الأخرى”.
“ومنحتهم هذه المعرفة بالأسرار قوى مدهشة، ظاهرياً، على التنبؤ، بل عل التحكم الظاهري في السماوات، إذ كان بوسعهم أن يتنبأوا بأن الإله الشمس سوف يحتجب نتيجة المعاصي التي يرتكبها الشعب. فإذا ما حدث الكسوف أمكن الكهنة أن يبشروا باستعادة الشمس، وفق شروطهم الخاصة!”.
تلك صورة من صور الكهانة التي كان العلم فيها وسيلة للقهر والسيطرة على العامة، وهي صورة لعب الإسلام الدور الأكبر في القضاء عليها، بأن أدخل العلم دائرة المسؤولية الخلقية، وجعل عقاب من يكتم علماً أن “يلجمه الله يوم القيامة بلجام من نار”، ما أخضع النشاط العلمي نفسه للمعايير الأخلاقية الإسلامية وصنفه إلى: “علم ينفع” و “علم لا ينفع” فأسدى بذلك خدمة جليلة لتاريخ العلم. وتأسيساً على هذه القناعة قام المسلمون ‑عبر معابر معروفة‑ بإتاحة ما لديهم من علوم بأنفسهم للشعوب الأخرى، وهي علوم كان لها الدور الأكبر في بزوغ فجر نهضة الغرب.
ومن يرجع إلى دور العقيدة في مثل هذه المسالك يكتشف أثر العقيدة الإسلامية، وفيها يرسل الله الأنبياء بالهدي السماوي، فيتحملون المشاق، ويجادلون الخصوم، ويجاهدون، وأحياناً يدفعون حياتهم ثمن رغبتهم في هداية الآخرين. فإذا قارنا ذلك بصورة “بروميثيوس” الذي يصعد جبل الأوليمب ليسرق النار المقدسة وينزلها للناس ظهر لنا الفرق بين التصورين، وأثر هذا الفرق في تاريخ العلم، وفي تاريخ الحضارة بعامة.
وفي السياق نفسه تأتي قضية أثر التوحيد في نضوج المنهج التجريبي وارتفاع وتيرة تقدم العلم، فالتوحيد يكرس حقيقة أن العالم تحكم حركته نواميس كونية تتصف بالاطراد لكونها صادرة عن مصدر واحد. ولأن هذا المصدر يعدل بين خلقه عدلاً مطلقاً، فلا يحابي أحداً منهم، ولأنه يجعل الكون كتاباً مفتوحاً لا ينفرد بقراءته فرد أو طبقة، ولا تحكمه صيغ سحرية بل قوانين ونواميس لا تتبدل سنة الله: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّة اللَّهِ تَحْوِيلَّا} [فاطر: 43]، فإن القدرة على معرفة هذه النواميس تتوقف أولاً على صحة المنهج.
وماذا عن واقعنا؟
وليس من شك في أن قضية العطاء الحضاري للإسلام تطرح بقوة تساؤلاً مشروعاً عن صلة ذلك بحالة التخلف التي يشهدها العلم الإسلامي، وقد قدم المفكر الإسلامي المرموق الدكتور علي الأمين المزروعي جزءاً من الإجابة، في محاضرة قيمة ألقاها في المجمع الثقافي بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، حملت عنوان: “الإسلام والديمقراطية الغربية والثورة الصناعية الثالثة: صراع أم التقاء”، يقول في محاضرته: “عادة ما يتم نقد المسلمين بسبب عدم وصولهم إلى الأفضل، ولكن قلما يهنؤون على ما لديهم من معايير أخلاقية جنبت وقوع الأسوأ . فلم يعرف الإسلام مثيلاً لمعسكرات الإبادة النازية المنظمة… هل التوحيد درع تحول دون الفساد والفسوق البشري في أوسع صوره؟”. ويركز المزروعي على الإسلام كمانع من “حدوث الأسوأ”.
فإذا تجاوزنا مساهمة الدكتور المزروعي في الإجابة عن السؤل، وهي رغم ما فيها من بصيرة نافذة سجلت عطاءً واحداً. فالإسلام قدم للبشرية الكثير مما يجب أن نعرفه ونعرف العالم به، حتى لا تكون صورة واقع المسلمين المعيار الوحيد للحكم على عطاء الإسلام. ويبقى كل ذلك مجرد محاولة متواضعة للإجابة عن السؤال حفزتني لخوضها السطور التي كتبها الدكتور المزروعي واستثارتني لتدوينها تصريحات بيرلسكوني الطائشة عن الحضارة العربية الإسلامية.
03-1423 هـ / 05-2002 م