نقد هادئ لکتاب الصراطات المستقیمة للدکتور عبد الکریم سروش

248

عبدالکریم سروش مفكر وفيلسوف إيراني واسمه الأصلي حسين حاج فرج الله دباغ، ولد في سنة 1945م في طهران العاصمة الإیرانیة، وعمل أستاذاً للعلوم والفلسفة بجامعة طهران،  ثم اشتغل كضيف محاضر في جامعات أمريكية مرموقة مثل هارفارد وبرنستون ومعهد برلين العلمي، وفي عام 2007 كان ضيفاً على جامعة أمستردام الحرة وعلى معهد دراسة الإسلام في العالم الحديث (ISIM) في لايدن وهو الآن مستقر في واشنطن وباحث زائر في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الإمریکیة.

ألف سروش کتباً کثیرة أثارت الجدل من أهمها کتاب «صراط های مستقیم» باللغة الفارسیة وقد ترجمه أحمد القباني ونشره دار الانتشار العربي باسم «الصراطات المستقیمة».

باختصار شدید یدعو هذا الکتاب إلی التعددیة الدینیة، ویراها ضروریة للتقدم والوصول إلی الصواب ویقول بأن منشأ التعددیة هو تعدد الأفهام للنصوص الدینیة.

التعددیة عند سروش علی قسمین: أ: تعدد الأفهام بالنسبة للمتن الدیني؛ ب: تعدد التفاسیر والتجارب الدینیة.

فهو یری أن النص ثابت وصامت ولکن الفضاء المعرفي خارج النص متغیر ومتحرك ومتراکم، لهذا تأتي التفسیرات مختلفة ومتنوعة. وعبد الکریم سروش معجب جدًا بجلال الدین الرومي، وقد صرح مراراً أن ما عنده أخذه من مائدة مولانا المنشورة في کتابه المعروف المثنوي، فیستشهد بما قاله مولانا جلال الدین الرومي في المثنوي:

از نظر گاهست ای مغز وجود

اختلاف مؤمن و گبر و جهود

یعني من خلال المنظر يا عقل، الموجود يختلف المؤمن والمجوسي واليهود.

فهو یری الاختلافات بین الأدیان هي في الرؤیة البرانية ولیس في قضية الحق والباطل. هذه هي الفکرة المحورية المطروحة في هذا الکتاب، وکل ما یقوله ویستشهد به ینصب في هذا الحقل مثل قوله «إنّ أول من غرس بذور التعدديّة في العالم هو الله تعالى الذي أرسل رسلاً وأنبياء مختلفين، وتجلّى لكلّ واحد منهم بمظهر خاص، وبعث كلّ واحد منهم إلى مجتمع خاص ورسم تفسيراً للحقيقة المطلقة في ذهن كلّ واحد منهم يختلف عن الآخر، وتعدّد التفاسير يمثل في الواقع وجوهاً متعددة للحقيقة؛ فالحقيقة لا تتمثل في مظهر واحد، ولا تتمتّع بوجوه متعددة فحسب، بل إنّ رؤية الناظرين لهذه الحقيقة بمناظر متعددة له دخل بتنوع التفاسير لها، ويشير المولوي (جلال الدين الرومي) إلى هذا المعنى بقوله:

«تو یکی تو نیستی ای خوشرفیق* بلک گردونی ودریایعمیق»

يعني أنت لست واحداً أيها الرفيق، بل دوامات وبحر عميق

هذه هي الفکرة الأصلیة التي یطرحها سروش في هذا الکتاب باختصار. ولا شك أن هناك العديد من اللفتات والأفکار والقضایا في الكتاب لا بد من الإقرار بوجاهتها، ولکني أرید أن أبیّن بهدوء الخلط الذي وقع فیه الدکتور سروش من البدایة، وبالتالي أثر هذا الخلط في کل ما کتبه من أفکار وقضایا.

وقبل الخوض في التفاصيل لا بد من وضع أي إنتاج فكري في سياقه الثقافي والحضاري حتى لا تغيب عنا الصورة الإجمالية الكلية. إن فكرة الكتاب ترديد لطرح متداول في أوساط حوار الأديان وأهل السياسة بأن كل الأديان متساوية ومتماثلة في تهذيب الإنسان وخلاصه وقبوله عند الله. ولا شك أن المسلمين معنيون بمناقشة وسائل التعايش السلمي وإبراز خطاب ديني إنساني، ولكن هذا يجب أن يتم بوعي تام لخصوصية الإسلام بأنه الرسالة الخاتمة وأن القرآن هو المهيمن والمصحح والمرجع لما وقع في الكتب السماوية من التبديل والتحريف. ولا بد أن يستحضر كل متحدث عن الإسلام هذه المرجعية مع التأكيد أن الله سبحانه هو وحده الحكم العدل وهو الذي يحاسب الناس على ما اختاروه من تصورات وسلوك. فالتعايش والتعاون الإنساني ممكن عند الاعتراف للإنسان بحق الاختيار وبيان مسؤوليته عن ذلك الاختيار وترك المحاسبة والجزاء لرب الناس يوم الجزاء.

أول خلط وقع فيه الدکتور هو في عنوان الکتاب حیث سماه  «صراط های مستقیم» باللغة الفارسیة. فکلمة صراط مفردة ولیس لها جمع في القرآن الکریم، فلا یوجد کلمة «صُرُط» في القرآن، وبما أن الصراط يذكر ويؤنث كالطريق والسبيل یمکن أن یجمع «الصراطات» علی غیر القاعدة وهذا ما فعله المترجم.

ولقائل أن یقول لماذا أنت تهتم إلی هذا الحد بالعنوان والعنوان باللغة الفارسیة، فأجیب وأقول إن الدکتور انتخب العنوان بعنایة شدیدة، ویبني کل نظریته علی العنوان، فانتخب کلمتین عربیتین وهما الصراط المستقیم وقد وردا بنفس الصیغة في القرآن الکریم مراراً، ثم جمعه بأداة الجمع الفارسیة وهي «ها» وکتب «صراط های مستقیم».

«الصراط المستقیم» في القرآن واحد ولا ثاني ولا ثالت له، وهو  یعني الطریق الأصلي الکبیر الواسع الذي یوصل إلی المقصد في أقصر مسافة وأقرب وقت.

ففي القرآن أتت لفظة الصراط معرّفة. قال الله تعالی: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]؛ {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ… وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)} [الصافات: 114- 118].

وفي مواضع أخرى وردت ألفاظ سواء الصراط والصراط السويّ. قال تعالی: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص: 22]؛ {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} [طه: 135].

وهناك استعمال ثالث يأتي الصراط معرفاً بالإضافة، صراط الله وصراط العزیز الحمید. قال الله تعالی: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 52، 53]؛ {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6]؛ قال الله تعالی: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران : 51]؛ {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المؤمنون: 73].

فکما رأينا لم تأتِ کلمة الصراط بصیغة الجمع أبداً، ولکن سروش یقول بما أن کلمة صراط وردت نکرة مثل {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} یفهم أن هناك صراطات مستقیمة والرسول یدعوهم إلی صراط مستقیم من هذه الصراطات المستقیمة. ولکن هذا الاستدلال لا یستقیم، لأن الکلمتین جاءتا أولاً في سورة الفاتحة التي هي أمّ الکتاب وأمّ القرآن معرّفتین للدلالة علی أن هذا هو الأصل وکلّما جاء الصراط نکرة يرجع من فهم السياق إلی هذا الأصل، فالتنكير له دلالات أخری مثل التفخيم والتعظیم والأهمیة وغیر ذلك…

ثم کیف يمكن أن نستنبط أمراً کبیراً کالتعددیة الدینیة التي تتعلّق بالإیمان والکفر والجنة والنار من مجيء کلمة بصیغة النکرة في موضع يشهد السياق برجوعه إلى الأصل المعروف، بینما جاءت هذه الکلمة معرّفة  بالإضافة إلى الله سبحانه للدلالة على التفرد والاختصاص في جميع المواضع الأخرى. والأكثر دلالةً أنه جاء السبیل والسبل مفرداً وجمعاً، والطریق والطرائق مفردًا وجمعًا ولم یأتِ الصراط إلا مفردًا.

هناك دلالات أخری أذکرها علی النحو التالي:

الصراط المستقیم هو دین الإسلام الذي لا یتعدّد ولا یتنوّع، وهو من لدن آدم علیه السلام إلی خاتم النّبیین واحد لا يتعدد لأنه يمثل الحقيقة والرؤية الكونية التوحيدية الواحدة التي تبين للإنسان مركزه في الكون عبداً لله مكلفاً بالخضوع لأمره يتلقى من الله وحده الشرائع والتصورات والقيم ومسؤول عن اختياره وكسبه يوم الجزاء. فهذا الدين لا یمکن أن یکون متعدداً وهو دين جمیع الأنبیاء والمرسلین، لا کما یقول الدکتور سروش أن کلّ نبيٍ جاء بدینٍ جدید.

 فالدین عند الله تعالی الإسلام لا غیر. قال الله تعالی: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. وهو الدین الوحید المقبول عند الله، قال الله تعالی: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

بتعبیر آخر نستطیع القول إن هناك توحّد في الأدیان وتعدد في الشرائع، وهنا وقع الخلط عند سروش حیث جعل الأدیان متعددة بدل الشرائع التي یمکن أن تکون متعددة ومتنوعة، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].

فالإسلام الذي يعني الخضوع القلبي للرؤية التوحيدية والامتثال لمقتضياتها العملية هو دین کل الأنبیاء، فنبي الله نوح  کان مسلماً: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ} [یونس: 72].

ودعا إبراهیم وإسماعیل أن یجعلهما الله مسلمین له: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَیْنِ لَكَ…} [البقرة: 128]. بل أکثر من هذا، دعوا أن یجعل من ذرّیتهما ونسلهما أمة مسلمة له: {… وَمِنْ ذُرِّیَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128].

{مِلَّةَ أَبِیكُمْ إِبْرَاهِیمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِیَكُونَ الرَّسُولُ شَهِیدًا عَلَیْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]، {مَا كَانَ إِبْرَاهِیمُ یَهُودِیًّا وَلَا نَصْرَانِیًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِیفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِینَ} [آل عمران: 67].

{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ} [البقرة: 131]. {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِیمُ بَنِیهِ وَیَعْقُوبُ یَا بَنِیَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِی قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة: 131-133]. {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِیَ مُوسَى وَعِیسَى وَمَا أُوتِیَ النَّبِیُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]. {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَیْنَا وَأُنْزِلَ إِلَیْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46].

ولقد خاطب موسی قومه بالتوكل على الله إن كانوا مسلمين: {وَقَالَ مُوسَى یَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَیْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِینَ} [یونس: 84].

والسّحرة حینما آمنوا بربّ موسی وهارون دعوا أن یتوفوا مسلمین: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِینَ} [الأعراف: 126]. ودعا یوسف عليه السلام ربه :  {تَوَفَّنِی مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ} [یوسف: 101]. وأعلنت ملکة سبَأ أیضًا الإسلام: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّی ظَلَمْتُ نَفْسِی وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَیْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ} [النمل: 44]. وأشهد الحواریون عیسی عليه السلام بأنهم مسلمون: {قَالَ الْحَوَارِیُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52].

وقد جمع قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]، بين معنى الإسلام الذي يعني الخضوع والطاعة والاستسلام لله وبين المعنى الواحد الذي يجمع رسالات الأنبياء المتمثل في الرؤية الكونية التوحيدية التي لا تتعدد إلا أن يتورط الإنسان في الشرك والميلان عن التوحيد. وإلى هذا المعنى تشیر الآیة الكريمة: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 67].

 ویؤکد الحبیب المصطفى هذا المفهوم قائلاً: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» (مسند أحمد، 45 / 255). فدین إبراهیم الإسلام وهو دین جمیع الأنبیاء.

فلا یجوز أن نقول الصراطات المستقیمة، لأن هناك صراط مستقیم واحد هو الإسلام الذي یوصل إلی الجنة، کما أن هناك صراط غیر مستقیم -وأنا أرجح أن الصراط غیر المستقیم أیضاً واحد فقط- وهو صراط الکفر الذي يتنكر للرؤية التوحيدية ويتورط في الشرك في التصور والاعتقاد ویوصل  بذلك إلی النار وهو صراط الجحیم أعاذنا الله منه. قال الله تعالی: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 22- 23].

وقد يرد لفظ السبيل للدلالة على معنى الصراط. فقوله تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. فحيث أضيف السبيل إلى الرسول ذي رسالة التوحيد دل ذلك على الترادف وانتفت إمكانية التعدد في التصور والاعتقاد.

والله تعالی یشیر إلی هذا في قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]. فالصراط المستقیم هو الإسلام والمراد بالسبل هنا کل سبیل انحرف عن سبیله في صراطه المستقیم.

والنتیجة هي أن الصراط المستقیم واحد لا ثاني له ولا ثالث، يمثله الخضوع لرؤية كونية توحيدية تميل عن الشرك في كل صوره وأشكاله. وأن الدین الحق والدین المقبول عند الله من لدن آدم إلی أن یرث الله الأرض ومن علیها هو دين واحد لا يتعدد وهو الإسلام والذي يعني الخضوع والطاعة والاستسلام لله وشريعته.