الخيال السياسي للإسلاميين: رؤية بديلة

156

عرضنا في القسم الأول مناقشة الكاتب للإشكاليات التي وقعت فيها كثير من الأدبيات الإسلامية عند تناول مسألة الدولة الحديثة. وفي هذا القسم الثاني، نعرض محاولة هبة رءوف عزت فتح آفاقٍ أوسع للمستقبل لتجاوز المشهد العربي الراهن، وتقدم مفاتيح لتجاوز الأزمة وإعادة بناء الخيال الإسلامي المتّزن في مسألة السياسة. وهذه المفاتيح هي:

  1. إعادة بناء مفهوم الأمة
  2. الخروج من أسر التفكير بمنطق المؤسسات والتنظيمات حصراً
  3. فهم تحولات علاقة الدين بالدولة في العالم وليس في ظل الربيع العربي فقط

أولا: إعادة بناء مفهوم الأمة

نتيجة للحراك الفكري والأيديولوجي الذي حصل في القرن العشرين، تصاعد الاهتمام الأمة. لكن نجد في غالبية الأدبيات التي تحدثت عن هذا المفهوم ارتباكاً بين خريطة مفهوم الدولة القومية وخريطة مفهوم الأمة. وبين العمل على بناء الأمة وبين التشديد على قوة الدولة.
وفي ظل هذا الجدل، افتقدت هوية الأمة كما تم تصورها في تلك الأدبيات لبعدي العالمية والبشرية والانتماء للإنسانية.
وتقترح المؤلفة أربعة مفاهيم لإعادة بناء مفهوم الأمة:

  1. مفهوم الفطرة: وهو يجعل رابطة الأمة عقدية وإيمانية في سياقها الإنساني الأوسع ورسالتها العالمية.
  2. مفهوم العالمين: وذلك لإخراج تصور الأمة من أسر الدولة، وتجاوز الفكرة التي توصم كل ما هو غير إسلامي بأنه غير أخلاقي بحكم الجوهر الأخلاقي للأمة الإسلامية.
  3. مفهوم المجتمع المدني العالمي: وهو ما يسمح بتجاوز ضيق الدولة القومية، والتدافع مع فكرة العولمة التي دعت لتجاوز الدولة عن طريق الحركات والأفراد والأفكار العابرة للدول.
  4. مفهوم المجال العام: من خلال اعادة الاعتبار لدور الأمة في الدعوة كأساس للفعل التواصلي – استناداً إلى هابرماس – والتأكيد على دور الحوار كأداة لبناء التوافق على طريقة إدارة المجتمع والسياسة.

ثانياً: توسيع دائرة النظر

هناك حاجة للخروج من منطق التفكير بالتنظيمات حصراً والانفتاح على الشارع السياسي والذات الفاعلة.

فقد أظهرت التحولات الجارية على حركة الناس في الواقع المعاصر كيف أن هناك اعتباراً للإنسان كفاعل ضمن علاقته بالمساحة والمجال والزمن. وذلك لأن تلك التحولات أثبتت أنه لم يكن الفعل المنظم وحده المؤثر والفاعل، بل أن هناك دز للفعل غير المنظم والتلقائي.
وقد كان لظهور لفضاء الإعلامي وتنامي الفضاء الإلكتورني الذي اتاح مساحة واسعة للشباب للتعبير عن رأيها وأفكارها، بالإضافة لاتساع المدن ونموها؛ كل ذلك أدى لبروز هذا التحول على حركة الناس والذات الفاعلة. وهذه التغيرات جعلت التغيير غير محصور بالنخب والقيادات، وجعلته يتسم بالفردية واللا رسمية.

ثالثاً: من “ما بعد الإسلاموية” إلى “ما بعد العَلْمانية”

“ما بعد الإسلامية مصطلع يُستعمل من قبل العديد من الباحثين – مثل آصف بيات وأوليفييه روا – في وصف تحولات الحركات والتنظيمات الإسلامية، كالتحول من الحركات الجماهيرية ذات الإطار البنيوي والأيديولوجي الثابت والتعبوي ذات الأهداف طويلة الأمة إلى مرحلة تبرز فيها حركات يقودها الشباب وذات بنية رخوة ترفع مطالب تتعلق بالكرامة والحقوق والديمقراطية. هذه الحركات الأخيرة ليست “ضد الإسلامية” ولا علمانية، ولكنها تعيد تعريف المشروع الإسلامي وتنقده وتطور أجنداته، وقد تتلاقى مع الحركات القديمة وقد تفترق عنها، بالإضافة أنها تقدم صيغ متنوعة وجديدة من التدين.
وبشكل عام، فإن الجديد والتجديد الذي تشهده الحركات الإسلامية يتجلى في ثلاثة مستويات:

  • المنطق الحركي، ومراجعة صيغ التنظيم والانخراط المجتمعي والسياسي.
  • الموقف من المشروع السياسي الذي تقدمه التنظيمات.
  • العلاقة بالعالم بالمعنى الواسع وإدراك مستجداته.

هذا أهم ما قدمته د. هبة رءوف عزت في هذا الكتاب، وهي محاولة منها لطرق باب مهم، وهو باب المراجعات وبيان مواضع الخلل عند الحركات الإسلامية، باعتبار هذه الحركات أهم معلم في الساحة السياسية العربية وأن تجديد وجهتها ومشروعها هو واجب المرحلة وواجب الأمة الشرعي.

 

10-07-2016/05-10-1437