الضرر المعنوي: رؤية شرعية

455

بحثٌ مهمّ في مسألة الضرر المعنوي، يشير إلى معاني غائبة عن الأذهان. وإن المسائل الرمزية المعنوية هي من أعمق ما يجول في خاطر النفس البشرية، يفوق أهميةً وأثراً على العوامل المادية التي تظهر على السطح فيطغى بريقها أحياناً، إلى أن ينكشف زيفُها أو تفاهتها، أو تُستحضر أبعاد مادية من أجل تدعيمٍ إضافيٍ لأصلٍ فحسب. وعلى صعيد الحياة الخاصّة والصداقات وتربية الأولاد ومعاملة النساء، تتصدّر الأبعاد المعنوية. وكذا في الحياة العامة نرى أهمية الرموز الجماعية ومقام أهل العلم ومنزلة قادة المجتمع، بحيث لو تمّ الاعتداء عليها لأحدث ذلك غضبة عامّة رغم غياب الأذيّة المادية المباشرة. وفي كل ذلك لا يستقيم إلا وأن تهتمّ الشريعة الغرّاء بهذه الأمور.

غير إنه لا بدّ من التنبيه إلى أن البحث يستحضر صورة اجتماعٍ مسلمٍ تحضُر فيه المؤسسات الفطرية كالأسرة والجيرة والعشيرة، بحيث يتمّ السعي إلى الصلح وتبعُد الحاجة إلى الإحالة للقضاء. وحتى القضاء يومها كان حميم الاتصال بحياة الناس، من ناحية مكانة القاضي وكونه عالِماً من لُحمة المجتمع، ومن ناحية الاحتفاء بالأعراف ومعالجة الأمور بالتراضي ما أمكن.

ولقد لزم هذا التنبيه من أجل أن نُبعد صورة القانون في دولة الحداثة، حيث أصبح بمثابة سلاحٍ للمبارزة، وأهمل الأعراف وربما زهد بالقيم والضوابط الأخلاقية، معتمِداً على طريقة تفكيرٍ ميكانيكية، ففسح المجال للتلاعب بالإجرائيات وَفق منطق حيتان يوم السبت. ولعلّ أوضح صورةٍ للوضع البائس لممارسات الثقافة الغربية اللبرالية يظهر في مسائل حضانة الأطفال، حيث يتأذّون بذات عملية الانفصال القانونية علاوة على تأذّيهم النفسي بذهاب العشّ الأول. ومثله مسائل الطلاق والخلاف الزوجي وتحويله إلى حلبة ملاكمة قانونية. ويلتقي هنا العَمَه النظري مع التحكّم الأداتي، فطفت مفاهيم لا تستقيم عقلاً ولا شرعاً، وإسقاط فكرة مسؤولية إعالة الزوج، ومن جهة الأدوات يجري تسييس القانون ومحاولة حيازته على الفضاء الخاص. وإن أهل النهى من هذه الثقافات نفسها أصبحوا يوصون بالابتعاد عن المحاكم في هاتين المسألتين بخاصة. وبالمناسبة ندرك أن بعض القوانين في مسائل الأسرة التي تعتمدها المحاكم في المجتمعات المعاصرة للمسلمين تعتمد فتاوى مرجوحة أو قيلت لوضع مختلف عن أحوال هذا الزمان.

عودة إلى صورة المجتمع المسلم الـمِثال الذي تخاطبه الشريعة، فإنها تعتمد ما ذكرناه من الأدوات الوسيطة البعيدة قدر الإمكان عن القهر المؤسسي. ولكن حين يصل الأمر إلى القضاء، لا بدّ من تنزيل الأحكام ومراعاة الحال، وقد يرافق محاولة الإنصاف تعويضٌ مادّي أو قد لا يرافقه، حيث لا يمكن أصلاً اختزال معالجة المعنوي بما دونه من المادي. ومن هنا يأتي موضوع البحث أدناه من أجل بيان شمول الشريعة وفي أن الفقهاء والعلماء لاحظوا البُعد المعنوي وأولَوه أهميةً واعتباراً.

يمكن الاطلاع على البحث كاملاً من هنا: