المنهاجُ التربويّ عند الإمام الشافعيّ

3٬221

د. مصطفى فاتيحي[1]

مقدمة

ينطوي تراثنا التربويّ على كنوزٍ ودُررٍ مطمورة، تَحتاج إلى جهود فرديّة وجماعيّة لاستخراجها والعمل على تفعيلها والإفادة منها، استحضاراً لما تضطلع به المناهج التربويّة من أدوار طلائعية في صياغة عقول الناشئة وتشكيل وعي المتعلمين.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية الأنظمة التربويّة، كما يقول توما جورج خوري: يُمكن معرفة أيّ مجتمع كان من خلال نظامه التربويّ.[2] تجلت لنا أهمية البحث في تراثنا التربويّ لوصل الأجيال المتلاحقة بماضيها الثَّريّ والغنيّ وأفكاره المأصولة، ليس من باب التغني ووصف المحاسن والأمجاد، وإنما بالإفادة والتفعيل والتطوير من أجل تحقيق التفاعل البنّاء مع الرؤى الوافدة والمنقولة.

ومِن الروّاد الذين لهم إسهام وازن ومُعتبر في هذا الميدان الإمام الشافعي رحمه الله، الذي إذا ذُكِر أُصول الفقه تَبَادر إلى الذهن اسمه، واستحضرنا قامةً علميةً كبيرةً من مفاخر الحضارة الإسلامية، خالصة التكوين من كلِّ شائبة دخيلة.

وتكمن أهمية الموضوع بالنظر إلى مكانة الشافعي العلميّة وأهمية فكره ورُؤاه في تشكيل العقل المسلم الخالص.

وأيضاً عدم كتابة الشافعي في الموضوع بشكل مباشر، ومن ثمَّ فعالية استنطاق نصوصه من خلال ما كَتب وما كُتب عنه (سواء مؤلفاته الرسالة والأُمّ واختلاف الحديث) وما كتب عنه “مناقب الشافعي” للبيهقي و”مناقب الشافعي” للرازي، و”توالي التأسيس لمعالي محمد ابن إدريس” لابن حجر العسقلاني و”صفة الصفوة” لابن الجوزي و”مغيث الخلق” للجويني و”الشافعي” لأبي زهرة.

وسوف أحاول من خلال هذه الورقة استنطاق نصوص الشافعي مستعيناً بِمَن طالت صحبتهم لمؤلفاته لاستخراج مقومات المنهاج التربوي عند هذا الإمام الفذّ.

ولما كان المنهاج كما هو معروف في حقل التربية اليوم يَرد بالمعنى الآتي:

تصورٌ متكاملٌ ينطلق مِن المُدخَلات وصولاً إلى المُخرجَات، وما ينبغي أنْ يكون عليه المُتعلِم في مستوى دراسي أو سلك أو تخصص.[3]

فإننا سنهتدي بذلك كإطار يساعدنا على تنظيم المادة المعرفية المستخرجة والمستنطقة، تجنباً للتيه في التفاصيل والجزئيات، ولا نَرُوم بذلك إسقاط مفاهيم مستحدثة على إنتاج الشافعي، ولكن مادام الأمر يتسم بالأفق الاستشرافي من أجل الإفادة من الكسب الماضي لا بدَّ من إيجاد تمفصلات الربط ونُقط التلاقي.

وعليه، سيُقسم الموضوع إلى النقاط الآتية:

  1.  فلسفة التربية عند الإمام الشافعي؛
  2. أهداف التربية عند الإمام الشافعي؛
  3. 3-      وسائل وطرق التربية والتعلم عند الإمام الشافعي؛
  4. 4-      مواصفات المُدرس والمُتعلم؛
  5. المحتوى التعليمي؛
  6. نظام التقويم.

وقبل تفصيل تلك العناصر يكون من المفيد من الناحية المنهجية الحديث بشكلٍ مختصر عن البيئة الحضاريّة والثقافيّة التي احتضنت الشافعي:

  • السياق الفكري والحضاري للعصر الذي عاش فيه الإمام الشافعي.

قال أحمد شاكر في مقدمة تحقيق “الرسالة”:

“فإنّي أعتقدُ -غير غَالٍ ولا مُسْرِف- أنَّ هذا الرجل لم يظهر مثله في علماء الإسلام، في فِقهِ الكتاب والسُّنَّة، ونفوذ النظر فيهما، ودِقَّة الاستنباط، مع قوة العارضة، ونورُ البصيرة، والإبداعُ في إقامة الحُجَّة وإفحام مُناظِرِه، فصيحُ اللّسان، ناصعُ البيان، في الذروة العليا من البلاغة.

تأدَّبَ بأدب البادية، وأَخَذَ العلوم والمعارف عن أهل الحضر، حتى سَمَا عن كل عالمٍ قبله وبعده، نَبَغَ في الحجاز، وكان إلى عُلَمَائِه مرجع الرواية والسُّنَّة، وكانوا أساطين العلم في فقه القرآن، ولم يكن الكثير منهم أهل لسن وجدل، وكادوا يعجزون عن مناظرة أهل الرأي، فجاء هذا الشاب يناظر وينافح، ويعرف كيف يقوم بِحُجَّتِه، وكيف يُلْزِم أهلَ الرأي وُجُوبَ اتباع السُّنة، وكيف يُثْبِتُ لهم الحُجَّة في خَبر الواحد، وكيف يُفَصِّلُ للناس طُرُقَ فَهْم الكتاب على ما عَرف من بيان العرب وفصاحتهم، وكيف يدلّهم على الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسُّنَّة، وعلى الجَمْع بين ما ظاهره التعارض فيهما أو في أحدهما حتّى سمَّاه أهلُ مَكَّة ” ناصر الحديث ” وتَوَاترت أخباره إلى علماء الاسلام في عصره، فكانوا يفدون إلى مَكَّة للحج، يناظرونه ويأخذون عنه في حياة شيوخه”.[4]

عاش الإمام الشافعي في أوج ازدهار الدولة العباسية، حيث كانت الساحة الإسلامية تَمُورُ بشتى صنُوف المعارف والانفتاح الفكري الواسع والإنتاجات الحضارية الهائلة، ولقد وَصف الشيخ الخضري بدقة -فيها نبرة الحسرة والأسى- الحركةَ العلميّة والعطاء الحضاري في العصر العباسي، في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها في دمشق وقرطبة والقيروان، وغيرها من الحواضر الإسلامية.[5]

ويُعلّق أبو زهرة على قول شيخه قائلاً:

ولا شك أنَّ ذلك كان له الأثر الكبير في ثقافة الشافعي، وخصوصاً أنَّ فقه هذه المدائن كان يُدوّن، ويُنشر في الأقاليم المختلفة، ويتناوله العلماء بالنقد والتمحيص في مناظراتهم، ثُمَّ إنَّ الشافعي قد رَحَل إلى كثير من هذه الأقاليم، فهو قد رَحَل إلى أطراف الجزيرة العربية وجَابَ صحرائها، ورَحَل إلى اليمن عاملاً في بعض ولايتها، ورحل إلى الكوفة والبصرة، وناقش علماءها، أخذ عنهم وردَّ عليهم، وكتاب “الأُم” يسجل لنا أنه ناقش علماء البصرة الذين ينكرون حُجِّيّة الحديث، وهكذا أخذ في التطواف والتردّد بين مَكَّة، وبغداد، دراساً متعرفاً قارئاً ما يُدّونه العلماء في كل مدينة وإقليم حتى ألقى عصى التسيار في مصر، وهنالك ألقى بكل ثمرات هذه الدراسة وكل نتائج هذه التجارب.[6]

وهو ما حدث بالفعل حيث إنَّ شَغَف الشافعي بالعلم وإقباله عليه وَجَدَ الأرض الخصبة لنموه وتبرعمه سواء على مستوى ما تراكم من ذي قبل أو مجاليه من الطلاب والعلماء.

ولا ريب أنَّ لكل هذا عظيم الأثر على فكر الشافعي وتصوراته وتنظيراته.

  1.  فلسفة التربية عند الشافعي

 تحتلُ فلسفة التربية المركز الأول في العملية التربوية، ومن هذه الفلسفة تنبثق أهداف التربية ومناهجها ومؤسساتها وطرقها ووسائلها في التعليم وفي التقويم كما تنبثق الجذور والسيقان والأغصان والأوراق والأزهار والثمار من البذرة التي تُودع في باطن الأرض، ثم يكون منها تلك الشجرة أو ذلك النبات اللذين يكونان المصادر الأولية لأسباب الحياة للإنسان والحيوان وغيرهما من الكائنات الحية.

لذلك تتأثر الأهداف والمناهج والتطبيقات التربوية بفلسفة التربية التي تنبثق عنها وتكون نسبة الصواب والفاعلية فيها بالقدر الذي يكون في فلسفة التربية نفسها. وتكون فلسفة التربية صائبة فاعلة إذا كانت لا تقف عند توليد الوسائل والأساليب التي يحتاجها العمل التربوي وإنما تتضمن أيضاً الغايات والأهداف النهائية التي وُجد الإنسان من أجلها في ضوء علاقاته مع الخالق والكون والإنسان خلال رحلته عبر الزمان والمكان في المنشأ والحياة والمصير.[7]

تستند فلسفة التربية عند الإمام الشافعي إلى عمق التصور الإسلامي الواضح فيما يتعلق بأنَّ للكون خالقاً وأنَّ الإنسان مخلوقٌ مُستخلفٌ ومُكلّف ولحياته معنى وأنَّ مصدر الخير والشر نجده في الوحي.

ومن ثمَّ فإنَّ مجموعةً من الثنائيات هي ثنائيات متكاملة وليست متقابلة مثل: العقل والوحي، والغيب والشهادة، والروح والجسد، والفكر والوجدان، والفرد والمجتمع…

وعليه نستحضر في هذا السياق خصائص التصور الإسلامي من ربانية وتوازن وشمول وواقعية.

وإذا استحضرنا أنَّ الإمام الشافعي ينتمي إلى مدرسة أهل الفقه والأصول فإنَّ أهل هذه المدرسة يهدفون إلى تعريف الناس بأحكام دينهم، فهم يهتمون بكل طبقات الناس المتعلمين منهم وغير المتعلمين، إذ إنّ أحكام الشريعة يحتاج إليه كل أحد، التاجر في سوقه، والعامل في معمله، والعابد في مسجده ومن هنا فإن دور الفقهاء في عملية التعليم يشمل جميع جوانب الحياة، فأحكام الدين تشمل علاقة الإنسان مع ربه، ومع نفسه، ومع الناس بأصنافهم، وليس هناك فرع من فروع الدين إلا وهو جزءٌ من اهتمام الفقهاء، فهم يهتمون بتربية الفرد ليكون ربانياً، ويُولون العناية التامة بأخلاقه وسلوكه، ويهتمون بمسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقومون بإعداد مربين وتعليمهم ليقوموا بدورهم في تثقيف الناس وتعليمهم، وبإعداد القضاة ليقوموا بدورهم تجاه معالجة مشاكل الناس وقضاياهم.[8]

ولتحقيق تلك البغية ونيل تلك الطلبة عُنِيَ الفقهاء والأصوليين بمسألة التأصيل بما يجعل أصول الوحي منابع صافية يَنهل منها المسلم وتصوغ عقله وتشكل فكره وجدانه، ولقد كان الشافعي سبّاقاً إلى ذلك ورائداً مهماً في هذا المضمار.

قال الرازي في “مناقب الشافعي”: واعلم أنَّ نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة أرسطاطليس إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض، وذلك لأنَّ الناس قبل أرسطاطليس يستدلون ويعترضون بمجرد طباعهم السليمة، لكن ما كان عندهم قانون مخلص… كذلك الناس هنا كانوا قبل الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه ويستدلون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معارضتها وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانوناً كلياً يُرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع.

كانت نظريات الشافعي وآراؤه التربوية نبراساً هادياً ومنطلقاً قيّماً لرواد التربية من بعده يقتبسون منه، كالغزالي وابن خلدون وابن جماعة وغيرهم، حتى كان هؤلاء امتداداً طبيعياً لفكره التربوي، وكثيراً ما كانت آراؤهم مجرد صدى لآراء الشافعي، وتقوم فلسفة التربية عند الشافعي على أساس أنَّ العلم النافع هو الذي يستطيع أنْ يُحقق السعادة والاستقرار للإنسان وأنَّ العِلمَ في نظره عبادة.

آراء الشافعي وأفكاره التربوية ليست وليدة دراسات في الفلسفة أو في علم الكلام كما أنها ليست ترديداً لفكر قديم شرقي أو غربي وإنما هي اقتباس من مشكاة النبوة من القرآن والسُّنَّة لذلك جاءت فكراً إسلامياً صافياً من الالتواءات والشطحات.

عَاَلَجَ الشافعي في آرائه التربوية الإنسان من كل جوانبه المادية والروحية في الحياة وبعد الممات وذلك يبين ما في آرائه التربوية من شمول واكتمال.[9]

وإذا استحضرنا ذلك اتضح لنا السّر وراء الهجوم الشرس من قبل الحداثيين على الشافعي كما هو صنيع الجابري في “البنية والتكوين” ونصر حامد أبو زيد في “الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية”.

لأنَّ الشافعي مثّل بالنسبة إليهم عائقاً أمام التغريب المنشود، لكن الشافعي خريج النسق القرآني، وابنٌ خالص للحضارة الإسلامية دون مبالغة أو تعصب.

وتكمن أيضاً أهمية فعل الشافعي في علاقته بفلسفة التربية من خلال عنايته بالتقعيد من الناحية اللغوية باعتبار اللغة ليست مجرد ناقل للمعارف بل هي تختزن رؤية الإنسان للوجود والحياة، وهو الاهتمام الذي رأى فيه الجابري قدحاً ومثلباً من خلال نقده الصارم للعقل البياني.

لقد سعى الشافعي حسب المختصين إلى حلّ مشكلة الفهم مستجيباً لتحدي حضاري مهم وآنيّ: ففي سياق التأريخ لأصول الفقه يرى فريد الأنصاري رحمه الله أنَّ الشافعي اشتغل على المرحلة الفهمية وذلك أن الأساس الذي بني عليه علم أصول الفقه، أول ما بني من حيث التدوين والتصنيف، إنما هو حلٌّ لمشكلة الفهم اللغوي الخاص للدليل الشرعي، سواء من حيث مقاصده الدلالية، أو متعارضاته الإشكالية، ولا أعني بمشكلة الفهم ههنا خصوص الدلالة الشرعية، التي هي معنى زائد على الدلالة اللغوية في المجتمع، وإنما فهم خصوص الدلالة الشرعية، التي هي معنى زائد على الدلالة اللغوية الصرفة.[10]

يقول رمضان البوطي: لقد كان لهذا النهج الذي رسمه أو دونه الإمام الشافعي أثرٌ كبير في تخليص الفكر الإسلامي من التشويش، ومن عكر الآراء والمناهج الفلسفية التي كانت قد تسربت إلى عقول الكثير من الناس (تهريباً) من خلال النوافذ والشقوق، وحسبنا أن نشير هنا إلى أبرز مظهرين لهذا الأثر الكبير الذي لا يزال تاريخ الفكر الإسلامي يحمده للإمام الشافعي.

أولهما: القضاء على التباعد الخطير الذي كان يتزايد بسرعة بين مدرستي الحديث والرأي.

ثانيهما: ضمور التيار الاعتزالي ثم ذوبانه وانطواؤه، خلال أقل من قرن من تاريخ ظهور (الرسالة)… لاريب أنَّ ثمّة عوامل متعددة، ولكن ما من شك في أنّ على رأس هذه العوامل، من حيث الأسبقية الزمنية، ومن حيث الأهمية العلمية، انتشار أفكار الإمام الشافعي هذه وإنّها لمدونة ملأت أخطر فراغ فكري كان يجتازه العالم العربي والإسلامي، خلال قرنٍ من الزمن، بدءاً من أواسط القرن الثاني إلى أواسط القرن الثالث.[11]

 ويُؤكد هذه الحقيقة محمد أمزيان في سياق الحديث عن أهمية المنهج الأصولي في تشكيل العقل المسلم وتحقيق استمرارية الإفادة من الوحي: فالمقصود بالمنهج الأصولي هو ذلك النهج الذي نهجه الإسلام في صياغة أفكارهم وثقافتهم وتصرفاتهم وفق الأصول الشرعية الكلية حتى تأخذ الصفة الدينية التي تستمد شرعيتها من عقيدة التوحيد، وهو الميزان الذي تُوزن به كل المنطلقات والتصورات وتُضبط به كلُّ الآراء والفلسفات والمعتقدات مهما تعددت منابعها ومفاهيمها، وهو مجموع هذه الموازين التي تُحفظ بها قدسية الوحي وعصمة الرسالة من فقدان معالمها لتظل الرؤية المهيمنة على العقل المسلم هي رؤية الوحي وصبغة الحياة بالصبغة الشرعية وتحقيق معنى الألوهية في الأرض، والمنهج الأصولي هو السياج الذي استخدمه علماء المسلمين للحفاظ على جوهر الإسلام من الذوبان والحفاظ على الذات الإسلامية وصقل الشخصية الإسلامية ونفض كل العلائق الأجنبية عنها.[12]

2-أهداف التربية ومخرجات التعلم

ليست التربية عند الإمام الشافعي ترفاً علمياً أو ذوقاً وجدانياً، وإنما هي مسؤوليةٌ تجعل العَالِم والطالب في مصاف الإمامة الاجتماعية والقيادة التربوية يُوجِه ويقود، وهكذا كان علماء الإسلام في مجملهم، كانوا ضمير الأمة وملاذ المستضعفين.

وكذلك كان الشافعي رحمه الله، فقد كان بالاصطلاح المعاصر مثقفاً عضوياً يشارك في قضايا الشأن العام باعتبار ذلك واجبات حضارية، وكاد ذلك أنْ يُودي بحياته أيام الرشيد لولا فصاحته وذكاؤه.

لم يكن رحمه الله من شاكلة منظري الأبراج العاجية ومثقفي الصالونات الفارهة، بل كان محترقاً بقضايا الواقع الذي يعيشه ويحياه، ولذلك عاش عمراً عريضاً رغم أنه لم يتجاوز أربع وخمسين سنة.

وقد خَلَّدَ الكثير من الأقوال التي يمكن اعتبارها قواعد منهجية من شأن الاهتداء بها أن يرقى بوعينا ويعلو بهممنا، من ذلك قوله: من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم: لا تسكن بلداً لا يكون فيه عالماً يفتيك عن دينك ولا طبيب يُنبئك عن أمر بدنك.[13]

يُستَشف من قَوليّ الشافعي أنّهُ يعتبر العلم من الواجبات الحضارية التي تُسهم في تحقيق كفاية الأمة من الطاقات اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار.

من أهداف التعلم ومخرجاته أيضاً تحقيق الملكة والصنعة وهو ما يسمى اليوم بالكفاية، يقول عبد الوهاب أبو سليمان: القياس سواء بمعناه الأعم الواسع عند الإمام الشافعي، أو بمعناه الأخص المحدود عند الأصوليين المتأخرين يُعدُّ عملية ذهنية صعبة، يَبذل لها الفقيه المجتهد أقصى جهده للتوصل إلى حُكمٍ شرعي صحيح، هذا يتطلب استعداداً فطرياً، وكفاءةً عِلميّةً في علوم القرآن، والسُّنَّة والخلاف وهو ما صَرَّحَ به في أكثر من موضع وأكثر.[14]

ولا يقيس إلا من جمع الأدلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله فرضه وآدابه، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصه، وإرشاده.

ويستدل على ما احتمل التأويل منه بسُّنَن رسول الله، فإذا لم يجد سُّنة فإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس، ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى قبله من السُّنن وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم ولسان العرب.[15]

ولذلك نجد أحمد وفاق بن مختار يُثبت في أُطروحة جامعية أنَّ الشافعي له إسهامٌ مُعتبر في التنظير والتطبيق المقاصديين، وهو ما يدل على الكفاية العلمية الممكنة من التفاعل البنّاء مع الأحكام الشرعية وحُسنُ تنزيلها على الواقع ومراعاة الظروف والملابسات والنظر في مآلات الأعمال.

ممن أهداف التعلم أيضاً اكتساب مجموعة من المهارات الاجتماعية وذلك من خلال الصداقات الجيدة والسفر واكتساب القيم. قال الشافعي: مَنْ تَعلَّم القرآن عَظُمت قيمتُه ومن نظر في الفقه نَبُل قَدرُه، ومن كتب الحديث قويت حُجَّتُه، ومن نظر في اللغة رقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جَزُلَ رأيُه، ومن لم يَصُن نفسُه لم ينفعُهُ علمه.[16]

ومن القضايا المشهورة عند الناس أنَّ الشافعي كان على علم بالواقع وتأثيره في استنباط الأحكام حتى صار تغيير مذهبه من العراق إلى مصر مضرب المَثَل، عند حديث المختصين عن أهمية في فقه الواقع في تحقيق التنزيل الأمثل للأحكام الشرعية.

ويربط الإمام الشافعي بين العلم والقيم عندما يقول:

شَكوتُ إلى وَكيِعٍ سُوءَ حِفظي   وأَرشَدَني إلى تَركِ المَعاصي

فَقَالَ لـِــــــــي إنَّ العِلمَ نورٌ        وَنورُ اللهِ لا يُهدى لِعاصي

3-أساليب وطرق التربية

تُشكل طرق التعليم وأساليبه حجر الزاوية في العملية التعليمية التعلمية، وأيّ خلل فيها ينعكس على مخرجات التعلم لذا نجد الإمام الشافعي يوليها اهتماماً كبيراً في سياقات عديدة، يقول عبد الوهاب أبو سليمان مُلخِصاً منهجية الإمام:

إن استيعاب منهج الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتاب “الأم” جديرٌ بالأخذ به، وتَبَنيه في مؤسسات التعليم الشرعي من معاهد وكليات وجامعات، خصوصاً في المراحل الدراسية الأعلى، فإنه سيُسهم بلا شك في إصلاح التعليم بها، وتوجيهه الوجهة التربوية السليمة، والارتفاع بمستوى الفقهاء، حيث تُساعد على تفتح الأذهان وتنمية المواهب وصَقل المَلَكات، وهو ما تهتم به التربية الحديثة إلى جانب تفهم مقاصد الشرع الشريف بصورة نقية مستقيمة، فمن ثم تضمن الأمة تخرج أجيال من الفقهاء متبصرين وموجهين بروح الشريعة وأسرارها، يحثون الخطى نحو اجتهاد فقهي معتدل، محصناً بالتقوى يهتمون بالحقائق.[17]

ويقول أيضاً مثّل كتاب “الأم” للإمام الشافعي مع ما سواه من كتب الفقه مثل مُعلم يُركز على تعليم كيفية استخراج المعلومة في تدرج منطقي، يُنمي ملكة المتعلم وآخر يُلقن المعلومة، ويُقدم النتيجة جاهزة ناضجة؛ الأولى تُربي في المُتفقه مَلَكة الاستنباط والاستنتاج وهو الأسلوب العلمي الناجح لإيجاد أجيال من الفقهاء يملكون الأدوات العلمية مع الاستخدام الصحيح، والمعرفة التامة للعلوم الشرعية والعربية التي تساعد على الفهم والاستنباط السليم.[18]

ومن هنا نستوعب لماذا أَلَحَّ الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله على ضرورة التخرج على أمهات الكتب والمظان المُعتبرة، فهو أنجع السبل المُفضية إلى تكوين العالمية باعتبارها قيادة اجتماعية وإمامة ربانية؛ أما التخرج على الحواشي والملخصات والمختصرات فقصارى ما يحصله الطالب لا يعدو أن يكون ثقافة عناوين.

لم يكن إذن موقف عبد الوهاب أبو سليمان مجرد موقف عاطفي، أو كلام إنشائي، وإنما عن تأملٍ حَصيف في مؤلفات الشافعي وخبرةٍ طويلةٍ بالقضايا الفقهية المكنونة فيها والمباحث الأصولية المؤصلة، ويُقدم كبرهان على ذلك قوله:

يَتّبع الإمام الشافعي في كتابه “الأم” الخطوات التالية:

أولاً: استقراء الآيات القرآنية ذات العلاقة، يسردها، ثم يتناولها بالتحليل، معتمداً في هذا على اللغة العربية وأساليبها، وما أُثر عن أرباب الفصاحة.

ثانياً: استقراء الأحاديث النبوية الشريفة ذات العلاقة بالموضوع.

ثالثاً: عرض الآثار المنقولة عن سلف الأمة.

رابعاً: النظر العقلي والقياس الشرعي.

يقتضي المنهج لديه استقراء الأدلة المذكورة حسب ما يتوافر منها فيُحلل جزئياتها وفق اللغة العربية، ومشتقاتها من القواعد الأصولية يُقلّبها على كافة وجوهها، لبيان الصحيح الموافق، وإبعاد ما ليس صحيحاً من المأثورات والتفسيرات والقياسات، مرتباً هذه الاستدلالات والتحليلات وفق تنظيم خاص وتسلسل فكري معين، في أسلوب حواري يؤدي إلى النتيجة المطلوبة من البحث سواء كان حكماً شرعياً أو قاعدةً أو ضابطاً فقهياً.[19]

ويزيد الأمر إيضاحاً وتفصيلاً أحمد وفاق بن مختار عندما يساعدنا على استنطاق طريقة الشافعي في التأليف لنعرف منهجيته في التدريس ذلك أنَّ الشافعي: يعتمد على منهج الاستقراء، فكتاب الرسالة مشحونٌ بهذا المنهج[20]، واعتماد الاستقراء يَدلُ على عقلية علمية تروم التنظيم والتفكير المنطقي، ويمكّن من التأصيل بناءً على قواعد واضحة ويمكّن من جمع الجزئيات ضمن كليات حاكمة، وبالاعتماد عليه تمكنت البشرية من تحقيق نَقلَات نوعية هائلة في ميادين العلم المختلفة.

ثُمَّ عَمِلَ رحمه الله أيضاً على تأصيل الفقه لأجل العمل، فلم تكن مجرد قواعد نظرية، ولا فروضاً ذهنية كالذي نراه في صنيع كُتّاب الأصول الذين جاءوا من بعده حيث أدخلوا في أصول الفقه مسائل لا ينبني عليها فقه، كمسألة ابتداء الوضع، ومسألة الإباحة أهي تكليفٌ أم لا؟ ومسألة هل كان النبي متعبداً بشرعٍ أم لا؟

وأيضاً تأصيل أصول الفقه لسَدِّ حاجة الأمة، فمن تتبع بداية تدوين أصول الفقه يجد أنَّ الإمام الشافعي كان يعالج مشكلات الأمة الإسلامية ويَسُدُّ حاجتها في فهم النصوص الشرعية وكيفية التدين، وهذا كان السبب الرئيس لتأليف الرسالة.[21]

وهو ما يصطلح عليهم اليوم بالمعرفة الوظيفية، أي أنَّ التدريس ينبغي أنْ ينطلق من الحاجات الحقيقية للفرد والمجتمع لا أن يناقش مثاليات حالمة أو يشتغل على فضول القول والقضايا المرجوحة.

ما ذكرناه سابقاً يُشكل وصفاً عاماً لمنهجية الشافعي، ولتفصيل ذلك يحسن ذكر أهم الإجراءات التطبيقية التي يتوسل بها الإمام في بناء الدروس وعرض التعليمات.

أ-المناظرة: كان الشافعي رحمه الله تعالى واسع الأفق رحب التفكير لا يضيق بالمخالف، يَقبل الحوار ويُشجع عليه إيماناً منه بأنه وسيلة لتفتيق الأذهان وبناء الشخصية العلمية المستقلة. لذلك نجد حلقة الإمام مفعمة بالمناظرات، من أجل تمحيص القضايا والمسائل المطروحة فتتصفى المعاني وتندهق الدلالات، ويحصل التعلم لا التعليم.

وقد وضع رحمه الله للمناظرة شروطاً علمية صارمة ليتحقق المقصود منها، وحتى لا تكون مجرد جدل عقيم يُباعِد بين المتناظرين، وقد قال جواباً عن سؤال الربيع: من أقدر الناس على المناظرة؟ فقال: من عود لسانه الركض في ميدان الألفاظ ولم يتلعثم إذا رَمَقَته العيون بالألحاظ، ولا يكون رَخيّ البال قصير الهِمة، فإنَّ مدارك العلم صعبة لا تُنال إلا بالجهد والاجتهاد، ولا يستحقر خَصمه لصغره فيسامحه في نظره بل يكون عن نهج واحد في الاستيفاء والاستقصاء، لأنَّ تَرك التحرز والاستظهار يؤدي إلى الضعف والانقطاع.[22]

 تتميز آراء الشافعي في المناظرة بأنها حصيلة واقع وثمرة معايشة للإمام مع تلاميذه في حلقات العلم فهو رحمه الله لا يعتمد على الكتب وحدها في مدارسة العلم، ولكنه يتخذ من المناظرة طريقاً لشَحذّ الهِمَم وإثارة الروح العلمية وتهيئة الجوّ العلمي النابض بالحركة الموّارة بالحياة المتجددة الباعث على البحث، وليس كالمناظرة من وسيلة تربوية علمية تصطرع فيها الأفكار وتتلاقى فيها روح التجديد والابتكار ويبذل كل مناظر غاية جهده لإثبات فكره، والتدليل على رأيه وفي هذا إثارة لروح التنافس المحمود في ميدان يشرف بكل باحث ويتسع لكل طالب، فتقلب المعاني على وجوهها وتنضج الأفكار بترديدها… والحقُّ أنَّ حلقات العلم لم تصل إلى هذا المستوى الضَحلْ من تردي في الفكر وضعف في تحصيل العلم إلا عندما حُرمت من المناظرة وأصبح المُدرس جهاز إرسال يتحدث بلا توقف ويخرج من الفصل دون أن يسمع فيه صوتاً غير صوته.[23]

وإنَّ المُدرس الناجح اليوم هو الذي يجعل من أسئلة طلبته واستشكالاتهم وقوداً يقدح زناد همّة البحث واستشراف أرحب الآفاق، يقول إدوارد سعيد: فأنا أدرس منذ أربعين عاماً تقريباً، ولطالما تعلمتُ أثناء الدروس نفسها. أفتقد لشيء ما عندما أقرأ وأفكر من دون وجود طلاب. لذلك، طالما عددت دروسي لا روتيناً مفروضاً عليَّ القيام به، بل تجربة بحث واستكشاف. وأعتمد كثيراً جداً على ردود فعل طلابي. في الأيام الأولى، عندما بدأتُ التدريس، كنتُ أفرط في التحضير، كنتُ أخطط لكل ثانية من الدرس. في ما بعد، نظراً إلى أنَّ طلابي في جامعة كولومبيا كانوا استثنائيين، اكتشفتُ أنَّ تعليقات الطلاب يمكنها أن تُحفز أفكاراً ونقاشات لم أكن أتوقعها مسبقاً. وفي كثير من الأحيان كان ذلك يجد مكانه في كتاباتي.[24]

ولنقارن ما ورد عند إدوارد سعيد وثقافة “اِخرس وصه”، والثقافة التي ترى التساؤل والاستدراك سوء أدب وقلة حياء.

ولذلك كان الفقه عند العلماء الرواد من أمثال الشافعي يستجيب للتحديات المعاصرة ويتفاعل معها تفاعلاً بناءً، مما جعله في قلب اهتمامات الناس وليس على هامش انشغالاتهم.

ب- ويتواشج مع المناظرة أسلوب (الفنقلة) القائم على افتراض وجود محاور يقدم اعتراضاته ويناقش، مما من شأنه أن يساعد على طرح القضايا بطريقة يطبعها النفَس الاستشكالي، وما يُسمى اليوم بتقنية العصف الذهني، وهو ما يُتيح نمو المفاهيم بطريقة لولبية بعيداً عن كل أنماط التقرير وإعطاء المعارف الجاهزة، لأنَّ الشافعي رحمه الله من الرواد الذين عنوا بتكوين الملكة لدى الطلاب والقراء.

ج-الطريقة الحوارية وذلك بعرض المسائل العلمية على أنظار الطلاب ويتمرنون على الاستدلال والاستنتاج والاستنباط واقتراح الفرضيات.

د-القراءة من أمهات الكتب على الشيخ كما فعل الإمام الشافعي نفسه لما قرأ “الموطأ” على الإمام مالك.

4-مواصفات المدرس والمتعلم

أ-مواصفات المدرس: أجمعْ نص ورد فيه الحديث عن المسألة هو قول الإمام الشافعي: لمؤدب أبناء هارون الرشيد (أبي عبد الصمد) ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإنَّ أعينهم معقودة فيك. فالحُسنُ عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تركته، عَلِمهم كتاب الله ولا تُكرِهم عليه فيملوا ولا تتركهم فيهجروه، ثم روّهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للسمع.[25]

فلنلاحظ هنا أنَّ الإمام الشافعي رحمه الله يُركز على قدوة المعلم وضرورة تحليه بالصفات الحسنة التي تجعل منه قدوة للمتعلم، ويلفت النظر إلى أنّ المتلقي يتأثر بالأفعال والممارسات السلوكية أكثر مما يسمع من أقوال.

وكم تكون الحيرة والتمزق عند المتعلم لما يرى هناك تناقضاً بين ما يسمع وما يرى.

ثم يدعو الإمام إلى الابتداء بتعليم كتاب الله فهو المنطلق وهو المرجعية التي ينبغي أنْ يصدر منها النشء، ولقد كانت لهذا الحرص آثار إيجابية من حيث سلامة اللغة وصحة المعتقد والتوازن النفسي، وقد أثبتت كثيرٌ من الدراسات اليوم أنَّ هناك علاقة طردية بين منسوب المعجم الذي يُحصّله المتعلم في صغره ومستوى ذكائه وإبداعه، وهو أمرٌ تؤيده التجربة العملية والواقع المشاهد، ذلك أننا نلحظ أنَّ الذي أُتيح لهم حفظ كتاب الله تعالى في الصغر، انعكس ذلك بشكل إيجابي على أدائهم في الكبر في مختلف الميادين والمجالات.

ثم ينبه الإمام إلى عدم الإكراه على تعلمه، لأن الإكراه يولّد النفور ويوقع في السآمة فيحدث نقيض المقصود، ولكن ليس معنى ذلك أن يُترك الحبلُ على الغارب، بل لا بد من المتابعة وعدم السماح بهجره. وهنا يبرز دور المعلم الناجح الذي يُبدع طرقاً تُحفز المتعلم على التعلم والعمل على حفزه وخَلق الدافعية عنده، ولذلك نجد الإمام الشافعي يبدأ بالتركيز على مسألة القدوة. يقول الشافعي: إن الأفئدة مزارع الألسن، فازرع الكلمة الكريمة فإنها إن لم تنبت كلها نبت بعضها.[26]

-ولقد كان الإمام رحمه الله ضد العقاب في العملية التربوية: ومعلم الكتاب والآدميين كلهم مخالف لراعي البهائم وصُنّاع الأعمال فإذا ضرب أحدٌ من هؤلاء في استصلاح المضروب أو غير استصلاحه فتلف المضروب كانت فيه ديته على عاقلة ضاربه… والآدميون يؤدبون على الصناعات بالكلام فيعقلونه وليس هكذا مؤدب البهائم.[27]

-ثم يدعو الإمام إلى انتقاء الشعر العفيف، وهو ملحظ على قَدْرٍ كبيرٍ من الحس التربوي عند الإمام، فالشعر يتضمن مخزون ثقافي هائل، خصوصاً إذا استحضرنا ارتباط أغلبه بالوجدان، ثم ارتباطه الوثيق باللغة، التي ليست مجرد ناقل للمعارف والمعلومات، وإنما هي رؤية للوجود والعالم، واستقامة اللسان تعني استقامة التفكير، ووسيلته آنذاك الشعر.

-كما يُنبه الإمام إلى لزوم تدريس أشرف الحديث، والحديث كله شريف، ولكن يفهم من كلامه تجنب الحديث الضعيف وتجنب الأحاديث التي قد تثير إشكالات عند المتعلم في بداية الطلب.

-ثم نستنتج من قوله رحمه الله (ولا تُخرجنّهم من علمٍ إلى غيره حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للسمع) ضرورة مراعاة التدرج والمراحل العمرية والنمائية، وأهمية الاشتغال المنهجي والكيفي وليس الكمي، فالتعلم مثل جرعات الدواء إذا لم (تُقدر) بالشكل المطلوب يصبح ضررها أكبر من نفعها.

-كما نستنتج من ذلك أيضاً أنَّ الشافعي يرى ضرورة المعلم، لأنه يطوي المسافات أمام المتعلم، ولذلك يقول من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام.[28]

-ولقد كان يُطبق ذلك في منهجيته أثناء التدريس، قال الربيع بن سليمان لو رأيتم الشافعي وحُسُنُ بيانه، وفصاحة ألفاظه لتعجبتم، إلا أنه كان يجتهد في مصنفاته في الإيضاح وتقريب المعاني إلى الأفهام، فكان يترك الفصاحة.[29] وصنيعه هذا هو ما يُصطلح عليه اليوم بالنقل الديداكتيكي، بحيث يُراعي المدرس المستوى المعرفي للمتعلم، فلا يَجنح إلى استعراض المعارف بما يُدهش المتعلم ولكن دون أن يحصل التعلم.

-مراعاة الفروق الفردية: يقول في ذلك: الناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به. فحق طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصاً واستنباطاً والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يدرك خير إلا بعونه.[30]

-فراسة الأستاذ وفهم نفسية طلابه: قال الربيع بن سليمان: كنتُ عند الشافعي إذ جاءه رجل برقعة فقرأها، ووقع فيها، ومضى الرجل فتبعته إلى باب المسجد فقلت: والله لا تفوتني فتيا الشافعي فأخذت الرقعة من يده، فوجدت فيها:

سَلْ العَالِم المَكّي هلْ مِنْ تزاور … وضمّة مشتاقِ الفؤاد جُنَاحُ

فإذا قد وقع الشافعي:

فقلتُ معاذ الله أن يُذهِب التُقى … تلاصق أكبادٍ بهنَّ جراحُ.

قال الربيع: فأنكرت على الشافعي أن يُفتي لحدث بمثل هذا فقلت: يا أبا عبد الله، تفتي بمثل هذا شاباً؟ فقال لي: يا أبا محمد هذا رجل هاشمي قد عرس في هذا الشهر -يعني شهر رمضان- وهو حدث السن، فسأل هل عليه جناح أن يقبل أو يضم من غير وطء؟ فأفتيته بهذه الفتيا، قال الربيع: فتبعت الشاب، فسألته عن حاله، فذكر لي أنه مثل ما قال الشافعي، فما رأيت فراسة أحسن منها.[31]

ولذلك يتحدث رواد التربية اليوم عن أهمية العلاقة الوجدانية بين المتعلم والأستاذ، فكلما كانت العلاقة ودية انعكس ذلك بشكل إيجابي على التعلم، إذ لا نتعلم ممن لا نحبه.

ب-مواصفات المتعلم:

-الحرص الشديد والإرادة القوية؛

قيل للشافعي كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف مما لم أسمعه فتود أعضائي أن لها أسماعاً تتنغم به مثل ما تنغمت به الأذنان. فقيل له: كيف حرصك عليه؟ قال حرص الجموح الممنوع في بلوغ لذته للمال. فقيل له: فكيف طلبك له؟ قال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره.[32]

وهذا تلخيص بليغ للمسألة عند الإمام الشافعي لم تزده الدراسات التربوية إلا رسوخاً وتجذراً، من حيث الدعوة إلى خلق الدافعية لدى المتعلم والتفنن في حفزه للإقبال على التعلم.

وهذا يحصل عندما تكون الهمم عالية والنفوس متوفزة وكريمة، قال رحمه الله: من ضُحك منه في مسألة لم ينسها[33]

-من مواصفات المتعلم أيضاً: التركيز وملكة حصر الذهن: استعينوا على الكلام بالصمت، وعلى الاستنباط بالفكر.[34]

وهو توجيه عميق الغور، فالتجربة العملية تُبين أنَّ داء شرود الذهن عند المتعلمين يَحُول دون الاستفادة المرجوة، لذلك ينصح المدرسون ويوجهون إلى ضرورة تغيير إيقاعات الحصة تحقيقاً للتركيز لدى المتابع.

-ثقافة التوثيق: قال من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق كان كمن حضر الطاحون بغير قمح.[35]

ولقد اشتهرت الأبيات التالية عنه:

العِلمُ صَيدٌ والكِتَابةُ قَيـــــــدُهُ            قَيّدْ صيودَكَ بالحِبالِ الواثِقَة

فَمِنَ الحَماقةِ أَن تصيدَ غزالةً          وَتترُكهَا بَينَ الخَلائِق طَالِقـة

-الرحلة في طلب العلم: وقد جسّد ذلك عملياً من خلال رحلاته، وخلّد ذلك في ديوانه:

سافر تَجِد عَوضاً عمَّن تفارقهُ    وَانْصبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ

5- المحتوى التعليمي

نستنتج ذلك من موسوعية الشافعي الذي كان بحراً في العلوم والمعارف، ونَهَل من مختلف الفنون، وكذا تنوع مضمون حلقاته العلمية مع طلابه.

قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه عن تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا، وحضر قوم للمناظرة، ثم يجيء أهل العربية والعروض والنحو والشعر.[36]

هذا التنوع والغنى في حلقات الشافعي هو الذي صان تكامل علوم الشريعة وتلاقح عناصرها وأجزائها، فأثمرت ثمارها اليانعة، ولما حدث الفصام بينها في العصور اللاحقة وأصبحت المعارف جزراً معزولة حدث الخلل فانفكت أوصال تلك العلوم وتباعدت عناصرها وانحسر عطاؤها.

واليوم نشاهد أن مأتى كثير من الاختلالات مرده إلى هذا الفصل المتعسف، فلما فُصل الفقه عن الحديث أو الفقه عن الأصول أو اللغة عن التفسير انعكس ذلك بشكل سلبي على استمرارية العطاء.

-كذلك نستنتج المحتوى العلمي من خلال شروط الفتوى عند الشافعي عندما يقول: ولا ينبغي للمُفتي أن يُفتي أحداً إلا متى يجمع أن يكون عالماً علم الكتاب وعلم ناسخه ومنسوخه خاصه وعامه وأدبه، وعالماً بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقاويل أهل العلم قديماً وحديثاً، وعالماً بلسان العرب، عاقلاً يميز بين المشتبه ويعقل القياس.

فإن عَدِم واحداً من هذه الخصال لم يحل له أن يقول قياساً، وكذلك لو كان عالماً بالأصول غير عاقل للقياس الذي هو الفرع، لم يجِز أن يقال لرجل قِس وهو لا يعقل القياس، وإن كان عاقلاً للقياس وهو مضيع لعلم الأصول، أو شيء منها لم يجِز أن يُقال له قِس على ما لا تعلم، كما لا يجوز أن يُقال قِس لأعمى وصفت له اجعل كذا عن يمينك، وكذا عن يسارك فإذا بلغت كذا فانتقل متيامناً وهو لا يبصر ما قيل له يجعله يميناً ويساراً، أو يُقال سِر بلاداً ولم يسرها قط ولم يأتها قط، وليس له فيها علم يعرفه ولا يثبت له فيها قصد سَمْت يضبطه، لأنه يسير فيها عن غير مثال قويم، وكما لا يجوز لعالم بسوق سلعة منذ زمان ثم خفيت عنه سنة أن يُقال له: قوّم عبداً من صفته كذا، لأن السوق تختلف، ولا لرجل أبصر بعض صنف من التجارات وجهل غير صنفه والغير الذي جهل لا دلالة عليه ببعض علم الذي علم قوم كذا، كما لا يقال لبناء انظر قيمة الخياطة ولا لخياط انظر قيمة البناء.[37]

واضح إذن أن هذه الشروط الواجب توافرها في المفتي تحيل إلى طبيعة ومضمون المحتوى التعليمي المفضي إلى تحصيل هذه المكتسبات وتحقيق تلك الملكات والقدرات.

ولأن الشافعي معلمٌ بارعٌ كما وقفنا على ذلك آنفا فإنه يجلي الصورة من خلال سوق الأمثلة الواقعية حتى يستطيع الملتقي أن يتصور المسألة بوضوح.

 -إنَّ الاطلاع الواسع يمكّن من النظر المقاصدي في النصوص الشرعية بما يحقق حُسنُ تنزيلها على واقع الناس فتصبح رحمة تحقق مصالحهم بشكل متوازن، وقد تجلى ذلك عند الشافعي في كثير من نصوصه وأقواله التي شكلت هاديات وبصائر.

قال الجويني قال الشافعي: إنَّ الحجَ عبادةٌ عظيمةٌ وقُربةٌ جسيمةٌ كبيرةٌ لا يكون إلا بكبير كلفة، وعظيم مشقة وهو عبادة عمر، قال الشافعي رضي الله عنه اللائق بهذه العبادة ومنهاجها أن تكون على التراخي لأنّا لو قلنا أنه على الفور لأدى إلى أن يلزم على كافة العالمين وعامة الخلق أجمعين أن يحجوا في سنة واحدة، ولأدى ذلك إلى حرج عظيم وكلفة ومشقة من حيث أنه يؤدي إلى تخريب البلاد وإفساد أمور العباد من حيث أنَّ فيه إجلاء العباد عن البلاد، فتبقى الأموال ضائعة ويبقى الفقراء عيلة على الأغنياء من غير أن يجدوا ملجأً وملاذاً ومعتصماً ومعاداً يلجؤون إليه ويعتمدون عليه.

وأيضاً لو وجب على كافة الأغنياء شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً الحج في دفعة واحدة، أي صوب يجمعهم وأي طريق يسعهم، وفي ذلك حرج عليهم فلا جرم كان على التراخي.[38]

6-نظام الامتحان والتقويم

حاولتُ جاهداً أن استنطق نصوص الشافعي لعلي أجد مقترحات لامتحان الطلاب، ولكن كما يرى عدنان حسن الخطيب: لم يكن هناك نظام امتحان بالمعنى المصطلح عليه اليوم بحيث لا ينتقل الطالب من سنة إلى أخرى إلا بعد النجاح فيها واجتيازها.

وهذا لا ينفي وجود الامتحان أصلاً، فإن عرض الكتب لإجازتها هو نوعٌ من الامتحان، إذ لم يكن الطالب يحصل على إجازة بكتاب ما إلا بعد اتقانه رواية ودراية وعَرضِه على عالم أو عدد من العلماء، ولم يكن ذلك يتم بالضرورة، فقد كان الأستاذ يستطيع بالممارسة أن يتعرف على درجة تلميذه العلمية بالسؤال والمناظرة والمذاكرة.

وتجدر الإشارة إلى نوع آخر من الامتحانات الميدانية للمدرسين والطلبة، فقد كانت المحاضرة يوم تعيين المدرس نوعاً من الاختبار الضمني له، وكانت تحظى باهتمامٍ عالٍ حيث يحضرها العلماء والأعيان، وسرعان ما تنتشر أصداؤها على نطاق واسع.

كما كانت تُعقد بعض المجالس لامتحان العلماء الذين برعوا في علم من العلوم أو جهل حالهم للتيقن من علمهم وإتقانهم.

وتُعد الحياة العملية أكبر امتحان للمتعلم، بأن يستطيع الإجابة عن الأسئلة التي تُطرح عليه، ويَثبت أمام النقاش في المجلس، ولهذا كان الطالب يحسب طويلاً قبل أن ينقل نفسه من مجلس التعلم إلى مجلس التعليم، ولم يكن يتردد في الرجوع إلى مجلس أستاذه طالباً يتلقى العلم بسبب سؤال لم يستطع الإجابة عنه.[39]

على سبيل الختم

ظَلَّ  الحديث عن التجديد حبيس دائرة التنظير ولم يبرح ذلك إلا لماماً، ونعتقد من خلال ما سبق أنَّ المدخل البيداغوجي يُشكل مفتاحاً فعالاً لولوج ميدانه، خصوصاً إذا استحضرنا أنَّه يتيح لنا امتلاك الوسائل الناجحة للإفادة من المظان والمصادر المؤسسة للعلوم الإسلامية من أجل تلمس الهاديات والبصائر الممكنة من استئناف النظر تحقيقاً لاستدرار العطاء الذي لا ينضب من الوحي، كما أنَّ الاستيعاب الجيد للمعطيات البيداغوجيا في تراثنا يتيح حسن الإفادة من الكسب الإنساني المعاصر في هذا المجال، لأن التجربة العملية تُثبت أنَّ الانفتاح على الغير دون مرجعية مكينة يؤدي إلى الاستلاب والضياع، وأنَّ الصدور من منطلق راسخ يجعل الانفتاح مثمراً وناجعاً، بحيث تكون مصفاة الاستبقاء والاستبعاد في مكانها ووضعها الطبيعيين.

 وإذا استحضرنا أنَّ المدخل البيداغوجي قمين بصياغة أنماط التفكير وصياغة العقول كان الاشتغال عليه وفيه من واجبات الوقت، وذلك ما وقفنا عليه من التأمل في مؤلفات الشافعي رحمه الله، إذ لاح لنا سبقه التربوي في كثير من المجلات التي قُدمت لنا في النظريات المعاصرة كأنه لا عهد لنا بها، وأنها من أفكار غيرنا ولا نملك إلا تلقيها بأفواه مفتوحة مندهشة.

ولنا أن نتوقع ونفترض مآل كثير من الحقول المعرفية لو أنَّ منهجية الأقدمين في العصور الزاهية استلهمت وفعلت.

لو حصل ذلك ما تكلست وتشرنقت الأفهام، ولا نقول ذلك من باب التغني بأمجاد الماضي ولكن إدراكاً منّا أنَّ حركة التاريخ ليست مساراً خطياً صارماً، وإنما حركة الإنسان تمضي فيه بطريقة لولبية، مما يحتم من الناحية المنهجية الالتفات إلى الماضي والوعي بالحاضر من أجل استشراف المستقبل.

ومن دون شك أنَّ الحضور النسقي للقصص في القرآن الكريم أمرٌ له دلالاته على المستوى المنهجي والتصوري في هذا المضمار.

المراجع

  • مناقب الشافعي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي أبو بكر، تحقيق، أحمد صقر، دار التراث، مصر، ط1، 1970م.
  • توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين تحقيق عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، 1986م.
  • الإمام الشافعي، وأثره في منهج التفكير الإسلامي، بحث ضمن مؤتمر الإمام الشافعي، محمد سعيد رمضان البوطي.
  • مناقب الإمام الشافعي، فخر الدين الرازي، ت: 606هــ، تحقيق أحمد حجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، ط1، 1986م.
  • الأم، محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب، دار الوفاء، 2001م.
  • تاريخ التشريع الإسلامي، محمد الخضري، دار الفكر، ط8، 1968م.
  • تذكرة السامع والمتكلم في آدب العالم والمتعلم، ابن جماعة، محمد بن مهدي العجمي، دار البشائر الإسلامية، ط3.
  • التراث التربوي الإسلامي، حالة البحث فيه، ولمحات من تطوره، وقطوف من نصوصه، تحرير فتحي حسن ملكاوي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2018م.
  • حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أحمد بن عبد الله الأصفهاني أبو نعيم، ت: 430هـ، السعادة، مصر.
  • الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي.
  • الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي، ت: 204هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة الحلبي، مصر، ط1، 1358هـ/1940م.
  • السبق التربوي في فكر الشافعي، بدر محمد ملك، وخليل محمد أبو طالب، الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، الكويت، ط2، 1989م.
  • الشافعي حياته وعصره آراؤه وفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، ط2، 1948م.
  • المصطلح الأصولي عند الشاطبي، فريد الأنصاري، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 2004م.
  • صفة الصفوة، جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي، ت 597هـ، تحقيق خالد مصطفى طرطوسي، 2012م.
  • الفقيه والمتفقه، أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي أبو بكر، ت: 462هـ، دار ابن الجوزي، 1417هـ.
  • فلسفة التربية الإسلامية، دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفسفات التربوية المعاصرة، ماجد عرسان مكتبة المنارة، ط1، 1987م.
  • المدرسة الإسلامية نشأة وتطوراً وواقعاً ومستقبلاً، عدنان حسن الخطيب، ط1، 2017م.
  • مغيث الخلق في ترجيح القول الحق، أبو المعالي عبد الملك الجويني، المطبعة المصرية.
  • مقاصد الشريعة عند الإمام الشافعي، أحمد وفاق بن مختار، دار السلام، ط1، 2014م.
  • المناهج التربوية مرتكزاتها وتطبيقاتها، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، ط1.
  • منهجية الإمام محمد بن إدريس الشافعي في الفقه وأصوله، عبد الوهاب أبو سليمان، دار ابن حزم، ط1، 1999م.
  • منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، محمد أمزيان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1991م.
  • السلطة والسياسة والثقافة، إدوارد سعيد، ترجمة نائلة حجازي، دار الآداب، بيروت، ط، 1، 2008م.

[1] أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي، دكتوراه في الأصول والتفسير، من أعماله: مستجدات منهاج التربية الإسلامية مقاربة ابستمولوجيا وبيداغوجية وديداكتكية (كتاب ثنائي) شارك في الكتب الجماعي التعليم الديني بالمغرب تشخيص واستشراف- شارك في الكتاب الدولي: تعليمية العلوم الإسلامية النظرية والتطبيق عن مركز العلوم الإسلامية والحضارة بالأغواط الجزائر.

[2]  المناهج التربوية مرتكزاتها وتطبيقاتها، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، ص 11.

[3]  الدليل البيداغوجي، ص 10.

[4]  الرسالة 1/5/6.

[5]  تاريخ التشريع الإسلامي، ص 116.

[6]  الشافعي، أبو زهرة، ص 58.

[7]  فلسفة التربية الإسلامية، ماجد عرسان الكيلاني، ص 14.

[8]  التراث التربوي الإسلامي، حالة البحث فيه، ولمحات من تطوره، وقطوف من نصوصه، تحرير فتحي حسن ملكاوي، ص 264.

[9]  السبق التربوي في فكر الشافعي، ص 385.

[10]  المصطلح الأصولي، ص 124.

[11]  الإمام الشافعي وأثره في منهج التفكير الإسلامي.

[12]  منهجية البحث الاجتماعي، محمد أمزيان، ص 400.

[13]  مناقب الشافعي، الرازي، ص 325.

[14]  منهجية محمد بن إدريس، عبد الوهاب أبو سليمان، ص 131.

[15]  الرسالة، ج 3، ص 509.

[16]  توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس، ص 136.

[17]  منهجية الإمام محمد بن إدريس، ص 81.

[18]  نفسه، ص 215-216.

[19]   منهجية محمد بن إدريس، عبد الوهاب ابو سليمان، ص 78. 

[20]  مقاصد الشريعة عند الإمام الشافعي، ص 125.

[21]  نفسه ص 225.

[22]  الفقيه والمتفقه، 1/ 367.

[23]  السبق التربوي في فكر الشافعي، ص 316.

[24]  السلطة والسياسة والثقافة، إدوارد سعيد، ترجمة نائلة حجازي، ص 305.

[25]  حلية الأولياء، ص 147.

[26]  مناقب الشافعي، البيهقي، ج2، ص 76.

[27]  الأم، ج 6/ 187.

[28]  تذكرة السامع والمتكلم في آدب العالم والمتعلم، ص 135.

[29]  مناقب الشافعي، للرازي، ص 362.

[30]  الرسالة، 1/19.

[31]  حلية الأولياء، 9/ 150.

[32]  توالي التأسيس لمعالي محمد ابن إدريس، ص 106.

[33]  صفة الصفوة، 2/142.

[34]  نفسه 2/142.

[35]  توالي التأسيس، ص 72.

[36]  مناقب الشافعي، للرازي، ص 365.

[37]  الأم، 7/317.

[38]  مغيث الخلق، ص 62- 63.

[39]  المدرسة الإسلامية نشأة وتطوراً وواقعاً ومستقبلاً، عدنان حسن الخطيب.