الإلزام الخلقي: عرض مقارن للنظريات ونقاشها

4٬524

نبدأ البحث بمجموعة تساؤلات عامة. ما هي مصادر الإلزام الخلقي؟ فهل يعود مصدر الإلزام للعقل وحده وفق ما قرره الفلاسفة العقليون قديماً وحديثاً؟ أم أنه يعود للفطرة والضمير الفردي كما قرر الفلاسفة الحدسيون؟أم ترىيعود مرجعه إلى ألفة العادات الاجتماعية التي يتأقلم عليها الفرد كما ذكر ذلك أصحاب الاتجاه السسيولوجي مثل أوجست كونت ودوركهايم؟

هذه هي أسئلة المنطلق. وهناك تساؤلات عديدة ستتولد تباعاً من منطق التحلي.

لكني أفضل عرض النظريات قبل أن نناقش الأسئلة ونثير التساؤلات. وفي العرض تسهيل لتعقيدات النقاش الفلسفي النظري لمن يجد صعوبة في تتبعها، فيُغني العرض العلمي عن ترف التعمق في النقاش الفلسفي، وكلاهما مراد بذاته لدي.

عند تتبع كتابات ابن تيمية، ولابد من كلمة في حق الرجل فهو كَتَب كثيراً، والموضوع الواحد قد نجده متناثراً في أبواب عدة وسياقات متنوعة حسب مايقتضيها لحال عند معالجة الموضوع، وهو في رأيي عملاق في النسق الفكري عليك قد يفوت بعض الناس إذ عليك أن تستخرج ذلك من كتاباته الجامعة. وأنا في هذا المقال لا أدعي حصري لكل أبواب هذه القضية خاصة وأنا أحاول ضغطها وتركيزها في تصور جامع قد يخلّ بتفصيلات أساسية في بنيتها لديه.

تتعلق الأخلاق عند ابن تيمية بمستويات متعددة؛ من مستوى الفطرة إلى الوجدان والعقلوالشرع، ولكل مستوى نصيبه من المساهمة، إلا أن المهيمن والقاطع يقيناً بالحق لديه هو مستوى الشرع، فهو الحاكم على كل ما يعرض للفطرة، وما تنفعل به الوجدانيات، وما يحدث للعقل. فالشرع من المنظور الأخلاقي ذو سلطة توجيهية وإرشادية للمستويات المتعددة.

فما يوجهنا الشرع لفعله ويدعونا لتركه، هو الخير يقيناً في الفعل والترك، لأنه لا بديل عنه من غيره في إدراك خيريته كما يقررها الشرع، فكل سبيل غير سبيل الشرع تُفضي يقيناً إلى خلاف الخير الذي حدده الشرع بحكمه.فهل يلزم من هذا أن الشرع في أوامره يبطل وظيفة العقل أساساً كما أنه لا يحتاج إلى الفطرة بعد ذلك؟

والنقطة المركزية هي حصرية الإدراك للحقيقة في الشرع وحده كمسدد، وهي النتيجة لفرض مسلّمٍ به يتمثل في القول بعجز الإنسان بذاته عن الإدراك الكامل للحقيقة الموضوعية. وهي مسألة مشهورةفي الفكر الإسلامي كانت ولا تزال مجال جدال و سجال يتعلق بمن يقرر ما هو حسن وما هو قبيح؟ هل العقل من يفعل ذلك؟ أم الشرع ذاته؟

هناك من قرر بأن الشرع هو من يُنشئ الحسن والقبيح بتوجيهاته لا العقل، وهذا رأي الأشاعرة عموماً. أما المعتزلة فقد رأوا أن الحسن والقبح عقليان. وإذا كان للعقل قدرة على تقرير الحسن والقبيح فهذا يستلزم أن له إمكانية لإدراك الحقائق الموضوعية، وابن تيمية ينفي قدرة العقل على الإدراك الكلي التام للحقائق فحسب. إن ما يجري على الفطرة من تشوه، يجري على العقل. فالعقل مع الفطرة المعتلة هو تبريرٌ لها، لا تعديل عليها، وهذه علة إرسال الرسل بالشرائع لتسديد العقل وتنقية الفطرة. ومن جهة أخرى، فإن مصدر الأخلاق عند ابن تيمية يتبع بنية المتخلق، فإن كان ممن له دين فهي ملكة الإيمان، أما مَنْ لا دين له فهو العقل الصريح. فالعقل الصريح مع الفطرة النقية لهما القدرة بالفرض النظري على تقرير الأحكام التقييمية، والتضايف بين المفردات في رأيي هو قيد على الماهية، فالعقل بشرط الصحة والفطرة بقيد النقاء هو ما يحدد ما العقل وما الفطرة؛ أي أن التضايف تقييد وتخصيص للمراد من الشائع في الاستعمال. فالعقل يحب الحق، ويبجل الجميل والجليل من تلقاء ذاته، وهذا شأنه مع جنس الفضائل كلها. وما يقرره العقل الصريح من مقررات تقييمية هي أحكام خلقية لا يمكنها أن تتعارض مع توجيهات الشرع في أوامره ونواهيه.

فها هو يقول: “إن مبنى العقل على صحة الفطرة وسلامتها ومبنى السمع على تصديق الأنبياء”. فما قرره الأنبياء بحق من توجيهات أخلاقية ثابتة بصدق هي في الحقيقة اتجاه عام في جميع الأمم طوال حقب التاريخ، ‏أي أنها مقوم من مقومات النفس الإنسانية، ‏فهو يقول: “لو لم يكن لهذه القضايا مبدأ في قوى الإنسان لم تشتهر في جميع الأمم”؛ فشهرة هذه القضايا الأخلاقية بين المجتمعات والأمم المختلفة عبر حقب التاريخ، يجعل شهرتها من لوازم البشرية.

ومقتضى كونها لازم من لوازم البشرية رغم تعدد وتنوع أديانها وثقافاتها واختلاف علومها وعاداتها، مقتضى هذا أن لا يصادمها الشرع في توجيهاته أبداً، فهي عادات صحيحة لأنها تقوم على علوم صحيحة وواقعية.‏فهي القدر المشترك من الحقائق بين مختلف البشر، وليس مقدار الاشتراك بالنسبة الوسط فقط بل في ما يتولد منها من مشاعر تكون الثابت المشترك بين البشر في الإحساس بها والتطلع إليها.وعليه فمقررات الفطرة والعقل يستحيل أن يصطدم بها التقرير الشرعي طالما استوفت شرطها من النقاء والاستقامة.

‏ففي غياب الدين تستقل الفطرة والعقل بمقرراتهما الأخلاقية لكن مع وجود الدين فإنهما يغدوان تابعين لما تقرره أخلاق الدين من أحكام هي بذاتها تصحيح لاعوجاج الفطرة وتقويم لانحراف العقل، فالدين مسدد لكليهما لا نافياً لهما جملةً. بل يمكن الزعم باطمئنان بأن أحكام الدين هي بذاتها أحكام الفطرة في أصل تكوينها قبل أن تعتريها تغيرات بفعل التفاعل والتكوين الاجتماعي، وهي كذلك ما يرتضيه العقل الصريح المجرد من شهوات النفس وميولها. فالدين مرآة تعكس ما يجب أن يكون بما يلائم أصل التكوين، فهو تعريف لكليهما من خلال الكشف الأخلاقي عن توجيهاته عند الاختلاف معهما.

يذهب ابن تيمية بقوة في نظريته إلى أن الإلزام الخلقي مرجعه الحقيقي، ملكة الإيمان. فما المراد بالإيمان لدى ابن تيمية؟ كلمظاهر السلوك الخلقية على تنوعها وتعددها، إضافة إلى اليقين القلبي الذي ينتج صور ماصدقه في شكل مظاهر سلوكية، كل هذا يسميه الإيمان. هو يجمع الباطن والظاهر في بوتقة واحدة، مع أنه يدرك تمام الإدراك ويعي الفرق بين مسمى الإيمان ومسمى الإسلام كما تستخرج من نصوص ثابتة من الكتاب والسنة، ولكنه يرى الفروق في الاتحاد، فهو يشرح بأن أي متأمل في النصوص يلحظ بأن مسمى الإيمان يتناول شمولاً مسمى الإسلام، والعلاقة بينهما قائمة ومتداخلة في مضامين الخطاب بمعزل عن تنوعها الشكلي لصيغه التعبيرية.

فكل تعريفات الإيمان لمن تأملها بعمق يجدها صوراً ظاهرة لحقائق باطنة، فحتى التعريف الذي يجعل الإيمان قولاً وعملاً، يُدخل ابن تيمية في القول؛ قول اللسان وقول القلب على حدٍّ سواء لأن هذا هو المفهوم الجامع والشامل لقول العرب بلفظة “القول”. عند مراجعة تعريفات الإيمان تجد فيها أنها في كل قول منسوب لقائل أو تواطئ جماعة ما على قوله، هناك لفظ يزيد دوماً، فهي عند البعض قول وعمل، وزيادة عند غيرهم لفظة “اعتقاد”، وعند آخرين زيادة لفظة “النية”. وابن تيمية يرى أن هذه الزيادات هي لضبط التعريف مما قد يخرج منه، فهي ضوابط على الأفهام من الزلل، فقد يفهم السامع من لفظة القول بأنه اللفظ المصرح به فقط فيدخل الاعتقاد زيادة من البعض لضبط هذا الخلل التصوري، وكذلك مع لفظة النية، وكل هذه الزيادات المتعددة بتعدد القائلين وظيفتها التعبير عن قضية أن جماع السلوك الخلقي المعبر بحق عن الإيمان هو ظاهر مرئي يتجلى بصوره الدالة صدقاً على باطنه ومخبره الداخلي.

وبناءً عليه يقرر ابن تيمية بأنه يجب مراعاة العلاقة بين المفاهيم عند توظيف المفردات الدالة عليها، فورودها متجاورة في النص يستلزم أخذ الفرق بين الألفاظ بعين الاعتبار، أما إذا كان اللفظ مطلقاً من غير قرين له، فإنه يشمل بمسماه لمسمى اللفظ الآخر. “فليس لنا إذا جمعنا بين الإسلام والإيمان أن نجيب بغير ما أجاب به النبي، أما إذا أُفرد اسم الإيمان فإنه يتضمن الإسلام وإذا أُفرد اسم الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمناً بلا نزاع وهذا هو الواجب”. توظيف هذا في ميدان الأخلاق كمظاهر سلوكية يدلنا على أن الباطن هو المعتبر في تقرير صدق الظاهر، لكن البواطن علمها لله وحده، مما يستحيل معه خداع الله، فيتطلب الأمر مجاهدة لتكون الصور الظاهرة صدىً حقيقياً لباطن النداء حتى يقبل وإلا فهي باطلة، سرعان ما تتكشف حقيقتها من بين شقوق البون بين الداخل والخارج.هذا من جهة التعريف، فماذا عن طبيعة الإيمان؟

طبيعة الإيمان عند ابن تيمية هي مجموعة متشابكة “الذوق والوجدان القلبي والعمل والسلوك والاعتقاد…”. فإذا ذُكر الإيمان مجرداً فهو يشمل الإسلام كله، وجميع الأعمال الصالحة. والنكتة أن لفظة الإيمان في السياقات المتعددة قرآنياً تأتي كثيراً مرتبطة بلفظة “الإصلاح” و”الصلاح”، فيفهم منها ابن تيمية بأن الإيمان هو بذاته أحسن وأقوم الصلاح.

وبتطبيق قاعدة الاقتران والإطلاق السابقة على لفظة الصلاح نجد أن اللفظة مطلقة عن الاقتران لتشمل بإطلاقها كافة أوجه الفلاح والخير، وهذا يصح في لفظة الفساد إذا جاءت مطلقة فهي تعم كل أنواع الشر وأصنافه. فالتعدد النوعي في الوجود داخل تحت باب اللفظ العام المطلق بدلالة المفهوم. ولاقتران الإيمان بالصلاح في سياقات عديدة قرآنياً، ولشمول هذا اللفظ بإطلاقه لكل أصناف الخير، كان الإيمان أيضاً شاملاً لكل أنواع الطاعات والأعمال الصالحة، ولهذا في رأي ابن تيمية لم يفرق النص القرآني بين أصناف الخير حين أطلق عليها نفسها لفظ الإيمان كما فرق بين أصناف الشرور والمعاصي حين شملها بلفظة الكفر. {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7]. فالإجمال يفيد الشمول للمتعدد وجودياً، لكن التفصيل يفيد المتعين عينه دون غيره.

نفهم أن الخُلق ليس إلا أثرٌ للإيمان في الفعل؛ أي صورته الواقعية وقد تجسد سلوكياً، والأثر له ردة داخلية على بنية الفاعل تشكل بها طباعه ومزاجه وبنية عقله، هنا تكون الذات الفردية من جبلة التصورات الإيمانية في الفعل بفعل التماهي والألفة من الممارسة.فما يجب خلقياً هو بذاته ما يجب إيمانياً، لأن للإيمان أثره الضروري أخلاقياً والذي لا ينفك عنه، فسواء نظرت إلى الإيمان من منظور الواجب الخلقي أو نظرت إلى الأخلاق من زاوية الواجب الإيماني فالمحصلة واحدة، فهو يقول: “إن القصد التام مع القدرة يستلزم وجود المراد” فنسبة الأخلاق التي مردها إلى الحالات الوجدانية التي تؤمن بأنه الواجب الذي يجب أن يُؤدى، يتناسب طردياً مع نسبة الإيمان كدافع داخلي. فالخوف من الله حالة وجدانية أو شعور مستحكم في النفس، يُولد إرادة تمتثل لتلك المشاعر وتقمع كل ما يضادها من نوازع غير خلقية. إذن الإرادة حضور تالٍ بفعل طغيان الحالات الوجدانية، تفهم بأنها التوسط الذي يجسّر بين الدافع ومخرجه العملي، فالإرادة من جنس دوافعها الوجدانية لا محالة. وكل سلوك يحتاج إلى إرادة حرة بالضرورة، والخُلقي منه يتطلب إرادة حرة وخيرة لتمثل الوجدان واقعاً سلوكياً، فالإرادة مكبلة لطبيعة الوجدان وهذا يسلبها حريتها فيبدو الخلقي وكأنه قسري بطبيعته، أي خارج التفاضل الإنساني. فهل صحيح أن الوجدانيات الإيمانية تنسف قاعدة العمل أصلاً. بحكم كوّن الخلقي يتطلب إرادة خيرة وهذا يسلبه حريته في الاختيار؟

نستفيد من ابن تيمية بأن الوجدانيات الإيمانية ليست أعراضاً نفسية لاواعية تلعب دورها الخفي بعيداً عن منطق العقل في تشكيل توجهاتها، بل إنها تشكل معارف يقينية ثابتة. صحيح أن حالات شعورية كثيرة تنتج بفعل الجهل، خاصة في ميدان الخوف والرعب الذي يلعب الخيال الإنساني دوراً هائلاً في بناء عالمه اللاواقعي، لكنه خوف نتيجته سلوكيات غرائزية ارتدادية مؤقتة، وهذا يفارق الخوف المعرفي الذي هو نتيجة عمق ويقينية التصور؛ فالفرق السلوكي بينهما يولد فرقاً معرفياً في طبيعتهما، فحالات الخوف المعرفي من الله تتولد فيها حالات وجدانية موجبة قياساً إلى الخوف الذي مبناه على الجهل بكل ما لا تعرفه حقيقة أو لا تتيقن منه فهو إجمالاً سالب وغير عقلاني.

فالخوف مشترك لفظي بين الصنفين، والمائز بينهما عدا المعرفة والجهل هو أن الأول يتضمن بداخله ما لا يتضمنه الثاني بطبعه السالب. فالخوف المعرفي يتضمن الرجاء، ولولا هذا لصار خوفاً من فعل الجهل، فالوجدانيات الإيمانية هي مشاعر مركبة بنيوياً وليست بسيطة عاكسة لفعل الغريزة البدائية.

ثم يضيف ابن تيمية فرقاً آخر يتعلق بالوجهة التي يتجه إليها الخائف، فإن كانت موجهة إلى البشر فلأنها مخاوف قائمة على معرفة الشر الذي قد يصدر عن طبيعة الإنسان أو نتيجة الجهل التام المبني على توقع السوء، أما إذا كانت وجهتها إلى الخالق، فمعرفة الصفات الإلهية يولد رجاءً في رحم الخوف لتتحرك الإرادة عملاً وشعوراً وتصوراً بين حدي الخوف والرجاء. فالخوف الذي عماده المعرفة الصادقة يحرر الإرادة من ضغوطات وهواجس النفس وشهواتها، أو على الأقل يحرر الإرادة من التوغل فيما يزيد الخوف فداحة بفعل التورط أكثر في سلوكيات لاخلقية.وهذا هو الفارق بناءً على الوجهة، فخوف يسلب الإرادة فاعليتها لا يماثل خوفاً يحرر الإرادة من عوائقها النفسية.

يحق لنا الآن أن نسأل كيف ينتج الإيمان السلوك الخُلقي؟ قررنا أعلاه مع شيخ الإسلام بأن التناسب طردي بين الخارج والداخل، بين الأخلاق والإيمان. والإيمان ليس عجز قهري غيبي، إنه تصور ومنظار معرفي بشري، يكشف به الشخص الحقائق الموضوعية في الواقع، وما هو خير وما هو شر من وحي تداعيات الإيمان، فإرادة المؤمن تتحرك على مراد الخالق الذي يُؤْمِن به، ولهذا فإرادة الفعل تابعة لطبيعة المعرفة الإيمانية عند العمل بشرط حريتها بالمعنى الذي شرحته سابقاً من جهة تحررها من معقيات الشهوات والانحطاط المادي الصرف للجسد. الإيمان يقوي الإرادة، والإيمان له دور في الكشف المعرفي وفق مراد الله، إذن المعرفة الإيمانية متقدمة على الخير السلوكي مرتبة. فالمعرفة قبل الخير، بنية ومحركاً وواقعاً.

هل الإلزام الخُلقي الصادر عن ملكة الإيمان لا يتخلف مطلقاً؟ بمعنى هل هناك ضرورة قاهرة في كون الإلزام آلية تلقائية تحضر فوراً بمجرد وجود الإيمان؟ وضع ابن تيمية الإرادة وسطاً بين الإيمان والعمل الخلقي، وهذه الإرادة لها دور جوهري في تقرير خلقية الفعل لهذا قال: “لا يكون فعلاً اختيارياً إلا بإرادة”، فالجزاء تابع لطبيعة الإرادة الفاعلة، وهي تبع للمعرفة، فإن كانت الإرادة خيرة فالفعل الناتج عنها خير والعكس صحيح. وحتى عند غياب النص المقيد لطبيعة الفعل (خير أم شر) فإن هذا الغياب لا يؤثر في قدرتنا فيالحكم على الفعل من جهة أخلاقيته، لأننا يمكن أن نشتق الحكم النهائي على الفعل من طبيعة الإرادة الدافعة له.

عدنا إلى الآن: الفطرة، الذوق، الوجدان، العقل، والإرادة. وكلها مصادر للإلزام الخُلقي بعد الإيمان الذي رأينا بأنه رؤية معرفية. فالمعرفة المتولدة عن الملكة الإيمانية، يشترط فيها من خلال وصفها، أن تكون متفقة مع مقتضيات المعرفة العقلية المجردة، لتسند الفطرة المستقيمة والمشاعر الوجدانية الإيمانية، الإرادة الخيرة، فلهذا قال: “إن العاقل من عرف الخير فطلبه، والشر فتركه”. فخصائص هذه المعرفة العقلية تتطلب لزاماً منه أن يكون مدركاً ومميزاً للخير من الشر، وأن يسعى عملاً ما يراه خيراً اعتماداً على هذا التمييز لأن العمل هو دليل على أصالة النظر لديه. فطبيعة السلوك تكشف عن ماهية التصور.فابن تيمية يجعل من علامات تقرير أخلاقية الفعل استنادها إلى معرفة عقلية واضحة، أو بعبارة مغايرة أن خلقية الفعل لها أسس تعود إلى جنس التصورات، فإن بطلان الفعل برهان على بطلان التصور من باب أولى: “فالفقه التام يستلزم تأثيره… فمتى لم يحصل هذا، لم يكن التصور التام حاصلاً فجاز نفيه”. غياب الصورة الصادقة أخلاقياً لبطلان التصور المعرفي.

هل يكفي حضور أحد تلك العناصر ليكون الفعل خُلقياً أم أنه لابد من تضافرها جميعاً لنحكم على الفعل أنه أخلاقي؟

يقول ابن تيمية بأنه لا يكفي أن تكون لك نية صادقةو إرادة حرة خيرة، بل يجب أن يكون الفعل قد ارتكز إلى معرفة تقرر له ما الواجب فعله وكيفية فعله وفق ملكة الإيمان. فالمعرفة المنضبطة إيمانياً هي شرط خلقية الفعل.فضعف المعرفة يتولد عنه هزال في الإرادة وهذا باب للشر فسيح. ويمكنني الزعم بأن ابن تيمية يرى أن كل معصية هي برهان على جهالة معرفية ونستشف هذا من تقويته لرأي الزَجّاج العالم اللغوي النحوي فيقول: “فالزجاج يفسر الجهل إما: ١- بعدم العلم بعاقبة الفعل؛ ٢- وإما بفساد الإرادة؛ وهما متلازمان”، فابن تيمية يتميز عند تقويته رأي الزجاج برؤيته للتلازم القائم بين فساد الإرادة والجهل بعاقبة الفعل.

هذا عرض سريع لعناصر نظرية ابن تيمية في الإلزام التي هي جزءٌ من تصوره للأخلاق، ولإدراك أبعاد نظريته نحتاج أن نعرض ونناقش بقية التصورات وسوف ندمج جدال ابن تيمية معها، وما نستفيده منه حالياً.

المدارس الأخلاقية

تعددت المدارس الأخلاقية حسب رؤية كل تيار للأخلاق ووظيفتها ومصادر إلزامها وسأركز على أهم وأكبر الاتجاهات فيها.

المدرسة العقلية

وهي تيار واسع شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً، ولها أسماء بارزة في ميادين المعرفة والعلم، وهي ترى أن الإلزام الخلقي ينبع من العقل وحده، وهي بالذات نظرية الفلاسفة المسلمين. فالعقل هو من يقدر أن يتحكم بالشهوات، فالأمر أمره والشهوات أسراه بواسطة الإرادة وعليه قرروا:

        كلما وجد العقل وجدت الإرادة. 

        إن عدم العقل مستلزم لعدم الإرادة.

والملاحظ أن هناك أفعالاً إرادية هي نتيجة اللاعقلانية الراسخة في الإنسان على شكل متطلبات غرائزية وعاطفية تشكل ميولاً ضاغطة من الداخل.فليس كل فعل إرادي يعبر عن الدافعية العقلية، فالميول الوجدانية لها قوة دافعية للعمل تحقق بها الإشباع الغرائزي أو الرضا إذا كان المجال يتجاوز الغرائز. فهي ما به ينتقل ما في الداخل إلى الخارج، لكن الإرادة قيد على الميول، ولها تعلق ثابت بالعقل لا فكاك عنه، فهي حركة العقل في ضبط الميل بما يقرره العقل من مصالح وأحكام. وبناءً عليه تعرف الأخلاق لدى تيار الفلاسفة المسلمين بأنها تُولد الفعل من المصلحة العقلية ومن ضابط الإرادة في تقييدها حركة الميول.

ابن تيمية يوجه نقده إلى أقوى عناصر النظرية، فيتهمهم بالوهم وأن ما يرونه من حجج عقلية ليست على الإطلاق مما يستلزمه العقل الصريح، فهي شبهات صيغت بألفاظ مجملة تحتمل معاني متعددة شديدة التداخل فيما بينها، أي أنهم يمارسون ألعاباً لغوية.

ثم يعيب عليهم في مواطن أخرى اقتصارهم على العقل وحده في نظرية المعرفة، فخلو تجاربهم من الوجدانيات وفقرهم في الذوقيات القلبية الناجمة عن المجاهدة النفسية أفقدهم معيناً لا ينضب من الحقائق هي من جنس العلم الضروري الذي يزعمون حين يجعلون العلم الضروري هو “ما يلزم النفس لزوماً لا يمكنها مع ذلك الانفكاك”، ولهذا فنتيجة الذوق هي ذاتها من جنس النتيجة العقلية. لكنه لا يكتفي بهذا بل يجعلها بما لها من خصائص ماهية للعلم العقلي في ثباتها النفسي وأثره، دالة على الإلزام نفسهفهي من جنس العلوم العقلية الخالصة، ولها دلالة على الإلزام فلهذا يشترط تقييدها معرفياً كما قيد العقل من شططه بما يضبطه من أحكام الشرع الهادية لكليهما، وبهذا الضابط يجعل الذوق والوجدان المعرفي هي عين العقل، فلا تعارض بين مقتضيات العقل الخالص وبين مستلزمات الذوق والوجدان إذا خضع لأحكام وتوجيهات الشرع الذي يراه عقلاً تشريعياً كما يرى العقل شرعاً عقلياً.

طبعاً المعتزلة قديماً يَرَوْن ما يراه تيار الفلاسفة المسلمين وَمِمَّا يُفهم من ردود ابن تيمية عليهم في جعل العقل وحده هو المسؤول والمولد للإلزام، بروز احتمالية تعارض بين العقل والشرع مما يتطلب التأويل كآلية لرفع التعارض، ولهذا جعلوا للعقل قدرة تقييمية في حين جعلوا للشرع صلاحية التقرير فقط.

يرى ابن تيمية باستحالة تعارض العقل الصريح مع الشرع الصحيح، وأفرد مجلدات “درء التعارض” لهذه القضية فنسف كل إمكانية التعارض القائمة توهماً من الأساس. قديماً أفلاطون وسقراط وأرسطو قالوا: بالعقل كمصدر للإلزام الخُلقي. فسقراط يرجعه إلى قدرتنا العقلية في إدراك الكليات التي نعتمد عليها في التفريق بين الخير والشر، والعقل وحده المؤهل للتفريق بين الكليات للاختيار، فلولا هذه القدرة في إمكانية التفريق والتمييز لما كان هناك إلزام أصلاً. أما أفلاطون فلم أستطع القطع بيقين على رأيه، فهو تارة هنا وتارة أخرى هناك. مرة يجعلها لبنية التكوين البشري جسداً وروحاً، وفي مواطن أخرى يُعلي من قدر العقل في التحكم بالنفس توجيهاً وتعديلاً مما يقربه من الاتجاه العقلي.

والسؤال كيف يهذب العقل من ذاته شهوات نفسه؟ فطغيان الشهوات أمارة على تشوه وانحراف الفطرة، والعقل معلول بعلة بنيته، فلا يقدر أن يعيد للفطرة نقاءها، فما جرى لها يجري عليه، ولهذا لا يملك القدرة على تقرير مطلق الخير والشر إلا بما يكسبه من خبرة ويستفيده من أثر يتفاوت بين البشر تقديراً وتقييماً، والعقل عاجز عن الإدراك الكامل لحقائق الأشياء الموضوعية، فعند اعتلال النفس من جهة طغيان ميولها فإن العقل آلة النفس في الإشباع فقط. وقد سار أرسطو على نهج أفلاطون وسقراط، مع التنبيه إلى أنه يضع الفضائل الأخلاقية في مرتبة دنيا قياساً للأخلاق الجوهرية وهذا تبعاً إلى تقسيمه العقل إلى: عقل تأملي فلسفي، وعقل عملي مجاله الميدان العملي، الذي فيه يمكنه تجسيد الفضائل.

لكن الرواقيين وحّدوا بين العقل والإرادة، فكلاهما واحد. وكل ما يدخل تحت عنوان الإرادة فهو داخل في الأخلاق. يتبع الفارابي فلاسفة اليونان في هذا الصعيد، فالتمييز بين الخير والشر قضية معرفية عنده، وهذه اختصاص حصري للعقل، بمعنى أن الإلزام الخُلقي هو مجرد أثر للمعرفة. كما أنّ نظرية العاطفة: تجعل الأخلاق مردها إلى المشاعر والعواطف، فهي حركات انفعالية شعورية، فهي ليست إلا فعل الجميل والمحبة، ويرد عليهم:

        لا يمكن اعتبار كل محبة أخلاق؛

        ليس كل ممدوح يعدّ أخلاقياً لمجرد مدحه طالما أن هذا الممدوح فطري وغريزي؛

        ما يُمدح لكونه أخلاقياً يُشترط فيه القدرة على الاختيار؛

        ويجب أن يكون مكتسباً لا معطى بالطبيعة.

قد يُفهم أن كل مكتسب فهو أخلاقي، وهذا تعميم متسرع. لأن شرط الاكتساب الأخلاقي أن يتجاوز به الذات نحو الآخر، لوجود الكثير من المكتسبات التي تخدم الذات ولا تتعدى للغير. لكن التعدية للآخر ليست شرطاً بذاتها لخلقية الفعل، فالكثير من المشاعر الغرائزية تتعدى الذات إلى الآخر مثل مشاعر الأم. فلا يمكن اعتبار المحبة جماع الأخلاق، فهناك أخلاقيات كثيرة لا تنطلق بدافع المحبة أبداً.

نظرية الوجدان

أقرب ما تكون إلى القول بالفطرة، فترفض قضية العقل والإرادة في مسألة الإلزام، فالوجدان هو لاقط حساس للإلهام الإلهي، يُعرف إسلامياً في شكل “استفتِ قلبك”.

يقسم النفسانيون الوجدان إلى أربعة أقسام:

  1. وجدان علمي: الإنسان مفطور على البحث عن الحقيقة.
  2. وجدان أخلاقي: الإنسان مفطور على حب الخير.
  3. وجدان جمالي: الإنسان مفطور على حب الجمال.
  4. وجدان تعبدي: الإنسان مفطور على التشوف للخالق.

النظرية الوجدانية لها أساس نظري أعمق لدى الفيلسوف كانط، تتمثل في مسألة المعرفة القبلية التي يرى كانط أن الإنسان يظفر بها دون سابق تجربة. فالمعرفة الكانطية ضربان: معرفة من مكتسبات التجربة والخطأ، ومعرفة مفطور عليها بنيوياً.

والعقل لدى كانط صنفان: علمي وعملي. العلمي نظري ينشغل بما يجب علمه، والعملي واقعي يشتغل بما يجب عمله، وهذا الأخير وحده له علاقة بالأخلاق لتعلقه بالوجدانيات.

من الأهمية بمكان معرفة أن وجدانيات كانط لا تعير النتائج أية أهمية، فالصدق والكذب كمسألة منطقية، لا تتأسس على الاختيار التجريبي، فهي متحققة في المقدمة مسبقاً على نتيجة التجربة.
فالعقل الكانطي عقل مصلحي بامتياز، لأنه لا يتصور إمكانية للحكم العقلي بمعزل عن تيقنه من المصلحة، وهذا برأيي هو ما يجعله عقلاً غير أخلاقي، إلا إذا باين المصلحة المنفعة، فهو يفصل السعادة عن الكمال لعدم اهتمامه بنتائج التجربة؛ فالسعادة في تحصيل اللذة، وهذه منفعة ذاتية، هي نتيجة ومحصلة التجربة بينما الأخلاق قبل التجربة. يمكن رؤية السعادة من جهة الرضا النفسي بعد الفعل الخلقي، فلا يستقيم إلا رؤية السعادة في ترابط متين مع الأخلاق. الوجدان لا استقلال له عن المعرفة، وبالتالي لا يستقل بذاته في التكاليف العملية كما تصور كانط، فقلب ووعي الفاعل كما يدرك التكليف يدرك مصدر التكليففي الآن ذاته ، وإن قلنا مع كانط بالمعرفة القبلية فإن مع هذا يكون إدراك بمن وضعها وصنعها ووجوب الامتثال له، فالحسن العقلي هو حسن قلبي سابق عليه، فالعقل يحسّن ويقبح ما استقر عميقاً في وجدانه، ولهذا قالوا إن الحسن هو حسن قلبي لا علاقة للعقل بتقريره إلا تعبيراً.

نعرف أن للنفس شطحاتها وانشغالاتها المخادعة، والنفس ليست صديقة للصدق والحق، وحتى تكون هذه المعارف الوجدانية حقائق عقلية فلابد أن تعبر من مصفاة الشرع الحق في تزكية الواردات وتنقية القلوب لتكون مرآة للحق. ولهذا وقف ابن تيمية موقف المدافع عن الغزالي في مسألة تنقية القلب وتأثيرها في تحصيل العلوم ضد خصومه، فأقره بقوة على ذلك، ومن هذا الباب عاب ابن تيمية على الفلاسفة استخفافهم بما يجهلون حقاً وبما لا يتذوقون خبرة ومجاهدة لصفاء القلب الذي يصفي العقل بدوره من أدرانه.

ملاحظات ختامية

لكل فعل إنساني منطلق وغاية، قصد ومقصد. 

والفعل الأخلاقي ينشأ عن مبدأ وميل لا ينحصر في شخص الفاعل به.

فالفعل الطبيعي محاط بنطاق (الأنا) وبدائرة (الذات) وهو لا يغادر نطاقه ودائرته.

والفعل الأخلاقي هو تجاوز لهذا النطاق وخروج عن دائرة الذات لبلوغ مجال الآخر.

والفيلسوف عبد الكريم سروش في بحثه عن الأخلاق يفرّق بين الأخلاق الإلاهية عن أخلاق العباد. وبغرض تسهيل وإعادة صياغة تعريفية لبعض المسائل الأخلاقية يقسم الأفعال إلى صنفين: أفعال لها هوية أخلاقية (فضائل، رذائل)؛ وأفعال لا هوية أخلاقية لها. والفرق بينهما هو فرق اسمي ولغوي على حد زعمه. ولديه قسمان من الأسماء: أسماء لا تعلق لها بالأخلاق (مشي، ضحك…)؛ وأسماء أخلاقية تتضمن مدلول قيمي (استبداد، عدالة).

وهكذا يقرّر سروشأن اسم الأخلاق لا يُطلق على الاسم الذي يُطلق على الفعل الطبيعي؛ فالكذب اسم فعل طبيعي وليس اسمه الأخلاقي لأنه يكشف هدفه لا صفاته الأخلاقية، لأن الأخلاق تعريفياً تبدو له أنها تستلزم غموضها، فلا يمكن التسليم بتعريف مطلق للأخلاق لوجود كثرة الاستثناءات التي تتعلق بتغيرات الظروف، وحتى لو ضبطنا تعريفاً شاملاً للفعل الأخلاقي يُراعي الاستثناءات والظروف فإنه يبقى اسماً لفعل طبيعي وليس اسمه الأخلاقي. فالأسماء الأخلاقية لا تشير إلى فعل محدد أو ميل طبيعي لأنها صفات للأفعال الطبيعية مثل لفظ العدالة.

نسأل هنا، ماذا تفيدنا عملياً التفرقة بين اسم الفعل الطبيعي واسمه الأخلاقي، وهل كون الاسم صفة لفعل طبيعي يجعله بهذا أخلاقياً؟! ولماذا يفترض الحدّ تعريفاً جرياً على تقليد اليونان، فيمكن حدّ الفعل بالمثال إذا تعذر التعريف الجامع، والمثال أقوى عملياً وأرسخ من النظر. المعرفة كشرط للإرادة في الفعل الخلقي لا تتطلب تفصيلاً إلا بسياقات محددة، فيكفي المجمل المعرفي لتقرير ما يجب أخلاقياً. فالكذب إذا عدم اسمه الأخلاقي لكونه اسماً لفعل طبيعي فهل هو مقبول أخلاقياً كصفة عندئذ؟لا يلزم من إثبات الصفة إثبات الاسم، ويلزم من إثبات الاسم إثبات صفته، فالصفات أرحب وأوسع من الأسماء. فالاسم متضمن للصفة لزوماً، والصفة مستلزمة للأسماء. فيكفي أن صفات أفعال تدل على أهدافها فهذا يستلزم أسماءها. فالاسم يُشتق منه الصفة لكن لا تُشتق الصفة من الاسم، والفعل كاف لاشتقاق الصفات منه، في حين أنه لا تشتق الأسماء من الأفعال، فالصفة غير الموصوف. وأسماء الأشياء هي الصفات الدالة عليها، فالكذب صفة تدل على الكذاّب، ولهذا فهي اسم لذلك الشيء، ولا يهم أنها متعينة أو مجردة، فالفعل وهو خصيصة التعيين ينبأ عن حركة المسمى لا المسمى نفسه، والأخلاق فعل وحركة، عمل وليست قول مجرد.

ما تصوره سروش من غموض في الدلالة التعريفية المجردة، في السياق التاريخي هو قصدٌ اقتضته طبيعة العمل وشروط السياسة؛ فالسيولة متعمدة ومرادة لذاتها حتى تكون مناسبة لضروريات السياسة والمدينة. الأخلاق كانت يومها ضرورة مدنية وسياسية ولهذا نبذت القوالب والأنماط الضابطة كلياً، ولا تزال الأخلاق أداة سياسية في تحقيق أخلاقيات القوة.

وبعد، فهذه جولة ممتعة بين سجالات العلماء في قضية الإلزام الأخلاقي ومصادره في السلوك الإنساني. وقد يجد المرء في هذا السجال ما يفيده في التعرف على المشترك الإنساني والبناء عليه والمساهمة في تصويبه بهداية الوحي دون الوقوع في المبالغات التي تلغي دور الفطرة والعقل في المشترك الإنساني عبر الثقافات والحضارات.